وبينما كان باسيل يعلن خروج لبنان عن الإجماع العربي، أمعن مسؤولون من حزب الله في حربهم الكلامية على خصومهم المحليين والإقليميين. فوصف رئيس المجلس التنفيذي في الحزب، هاشم صفي الدين، زعيم تيار المستقبل سعد الحريري من دون أن يسمّيه بأنه ينتمي إلى "الفكر الضحل الذي ينتمون إليه، لا يعرف إلا لغة البيع والشراء والصفقات على حساب المبادئ والقيم الإنسانية والوطنية والحق الصريح الواضح"، قاصداً من وراء هذا الاتهام السعودية. كما اتّهم صفي الدين خصومه اللبنانيين بأنهم "إسرائيليون في العمق"، مشيراً إلى ضرورة تخوين كل "من تعامل مع الإسرائيلي وتآمر على شعبه وفتح الأبواب في بلده للعدو لينكّل بالشعب"، بما يحمل هذا الاتّهام من تحليل لدماء الخصوم وتحريض على قتلهم، في حين اعتبر مسؤول منطقة البقاع (شرقي لبنان) في حزب الله، النائب السابق محمد ياغي أنّ المستجدات الأخيرة على الساحة الإقليمية "بشارة زوال نظام آل سعود كما يشاء الوعد الإلهي"، بما يحمل هذا الخطاب أيضاً من تدخّل في شؤون دول أخرى ودعوات إلى إسقاط أنظمتها ولو جاءت استناداً إلى المشيئة الإلهية.
وفي ما يخص "الوحدة الوطنية" التي تذرّع بها باسيل للدفاع عن تدخل حزب الله في البحرين، جاء الموقف الأخير لنائب الأمين العام في حزب الله، نعيم قاسم، ليُعبّر عن التناقض مع مبدأ الوحدة الوطنية، إذ قال قاسم إنّ الحزب لا يزال يؤمن بمشروع إقامة الدولة الإسلامية في لبنان، مؤكداً على أنه "كإسلامي لا أقدر أن أقول إنني إسلامي وأطرح الإسلام ولا أطرح إقامة الدولة الإسلامية لأنه جزء من المشروع الذي نؤمن به على مستوى العقيدة وعلى مستوى الثقافة".
وبالعودة إلى الخارجية اللبنانية وقرارها، يأتي السجال الأخير ليؤكد على مدى التخبّط الذي يعيشه البلد على هذا المستوى. فقد سبق للموقف اللبناني أن ضاع أكثر من مرة بين مواقف رئيس الحكومة، تمام سلام، ووزير الخارجية جبران باسيل. ظهر ذلك جلياً في أكثر من مناسبة أبرزها دعم سلام لإقامة التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، وقبلها في الموقف الرسمي من "عاصفة الحزم" في اليمن، بالإضافة إلى عدم ثبات الموقف اللبناني الرسمي تجاه ملف اللاجئين السوريين وغيره من الملفات الأخرى. وفتح موقف باسيل سجالاً على المستوى الداخلي، إذ فرض هذا الموضوع نفسه على طاولة الحوار الوطني التي التأمت مجدداً أمس الإثنين برئاسة رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري. فحصل تراشق كلامي بين باسيل ورئيس كتلة المستقبل النيابية، فؤاد السنيورة، الذي رفض تفرّد باسيل بقرار لبنان الخارجي وخروجه عن الإجماع العربي. في المقابل، قدّم باسيل التفسيرات نفسها مضيفاً إليها أنّ "حزب الله مكوّن رئيسي في الحكومة اللبنانية، وإدانته تستوجب الكثير من التبعات على الحكومة وعلى لبنان"، بحسب ما قاله لـ"العربي الجديد" أحد المشاركين في جلسة الحوار.
يعود التخبّط اللبناني الخارجي بشكل رئيسي إلى الشغور المستمر في رئاسة الجمهورية (منذ مايو/أيار 2014)، على اعتبار أنّ غياب الرئيس ترك الأبواب مفتوحة أمام اجتهاد الوزراء لكون الدستور اللبناني يعطي صلاحيات الرئاسة لمجلس الوزراء مجتمعاً. خلاصة هذا الشغور أنه بات لحزب الله وزير للخارجية ناطق باسمه ومدافع عنه، وهذا من نتائج التعطيل المستمر الذي يفرضه الحزب ومعه النائب ميشال عون لانتخابات رئاسة الجمهورية.