19 مايو 2015
الفنكوش صناعة مصرية
أحمد عطية (مصر)
أحياناً، يشعر الإنسان بأن كل كلمات التقدير والشكر والامتنان لا تكفي في حق الحكومة المصرية تجاه الدور الذي لعبته في تنمية مقدرة التَّخيُّل والتأمل لدى المصريين، فبسبب كثرة الوعود التي أعطتها لهم الحكومة، في الفترة السابقة، وبناء المصريين أحلامهم عليها، أصبح الشعب المصري هو الشعب الوحيد من بين شعوب الأرض القادر على أن يبني مدينة الأحلام في عقله، وربما تخيل نفسه مقيماً فيها، وربما تخيلها تطل على نهر النيل في فترات الجفاف.
اتسعت قوة التَّخيُّل لدى المصريين إلى درجة أنَّ معظم الشعب، الآن، أصبح يعيش في الأوهام، أو في التوهان، إن صح التعبير، ويبني أحلامه على وعود الحكومة بأن مصر ستصبح أغنى بلد في العالم، في غضون شهور بسيطة، سيفيض فيها نهر النيل على الديار المصرية، ويروي بكثافة القطن طويل التيلة، لتنشط، على إثرها، السياحة في مدن القناة، لتمر من خلالها الآثار المصرية إلى الخارج، عبر شبكة من الطرق، تملأها الحفر والمطبات لتصب، في النهاية، في مجرى النيل الشمالي عند الإسكندرية، حيث تنتشر القواقع والضفاضع القاتلة في مياه الشرب.
وصل الأمرإلى أن أصبح الوهم جزءاً من حياة المصريين، وهذه حقيقة لا مراء فيها، وأتوقع، في الآونة القليلة المقبلة، أن ينشط في القطر المصري فن الرواية بشدة، خصوصاً الرواية الاجتماعية، فمصريون كثيرون الآن، أمام الوعود المتتالية من الحكومة، يحلم بدور الحاج متولي، حيث الزوجات الأربع والعمارة ذات الأدوار الستة، والسيارة الفارهة، والسائق الأثيوبي الأسود الذي اعتذر عن العمل لحاجة بلاده إلى العمالة، بعد سد النهضة.
والعجيب في الحياة المصرية أنه لا شيء يزيد فيها سوى الأحلام، فعلى الرغم من تعطل الانتاج، وتوقف مصانع كبرى عديدة أصبحت بيتاً آمناً للعصافير والبوم والغربان، وتسريح معظم العمال وارتفاع البطالة وانخفاض المستوى الاقتصادي. على الرغم من ذلك كله، تجد أحدهم يحلم بقضاء الصيف في مارينا، وذلك بعد زيادة المرتب الحكومي زيادة رهيبة في شهر يوليو المقبلة، وربما استعد فعلاً لذلك فاشترى الشمسية والكراسي وأكياس الشيبسي المصنوعة بزيت منتهي الصلاحية.
ذكّرني ذلك الدور الذي تلعبه الحكومة في تنمية مقدرة التَّخيُّل لدى المواطنين بفكرة الفنكوش، وهو صناعة مصرية أصيلة مكونها الأساسي الوهم المختلط بدقيق القمح المروي بمياه المجاري والصرف الصحي، مع حبات من اللوز المزروع في الأراضي الصحراوية، حيث مزارع السادة الضباط من جيش مصر العظيم، والتي تمتد إلى آلاف الأفندنة، تتخلها شبكة من المياه والطرق والكهرباء على نفقة الدولة، لا يمكن أن يحلم بها المصريون.
أظن أن الحكومة، في الآونة الأخيرة، ترفع لافتة الحلم كفاية، أو لو بطلنا نحلم نموت، وأخوف ما نخاف عليه في الفترة الآتية هي فرض ضرائب على الأحلام، حيث لم يعد إلا هي في الحياة المصرية لم يؤخذ عليها ضرائب، وبقدر الحلم ستكون الضريبة، ولابد أن تُسدِد الضريبة ليحلم غيرك، وليعيش السادة في أمان وسلام وسط أرض الأحلام، أو دريم لاند، ليبثوا لك عبر شبكات التلفزيون الوعود الوردية والأماني الغالية لمصرنا الحبية أم الدنيا.