الفنانة اللبنانية عايدة صبرا: "أهاجر إلى كندا لأحفظ شيخوختي بكرامة"

11 يوليو 2020
الممثلة عايدة صبرا في مسرحية "نساء الساكسفون" (العربي الجديد)
+ الخط -

بعدما حملت عايدة صبرا هموم المواطن اللبناني وهواجسه في شخصيّاتها التمثيلية وأعمالها المسرحية طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، تستعدّ الممثلة والمخرجة والكاتبة وأستاذة المسرح والرقص والتعبير الإيمائي، عايدة صبرا، هذه المرّة لحمل حقيبة السفر والتوجّه إلى كندا، وهو البلد الذي أطلّت منه في السنوات الأخيرة بشخصيّة "الستّ نجاح" ضمن سلسلة من الفيديوهات الفكاهية الساخرة التي تناولت فيها أوضاع اللبناني ومعاناته اليومية، وحققت من خلالها شهرة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

لكنّ قرار السفر هذه المرّة ليس مدفوعاً برغبةٍ في تحقيق مشاريع فنية جديدة، على ما جرت العادة، بل وليد قرار شخصي اتخذته الفنانة اللبنانية "بالبحث عن فسحة أمان في بلد غير لبنان، حيث تُصان كرامة الفنان والإنسان".

 "قرار الهجرة ليس قراراً نهائياً"، على ما توضح عايدة صبرا في حوار خاص أجرته معها "العربي الجديد"، شرحت فيه أن "السفر إلى بلد آخر هو محاولة لاسترداد أمان مفقودٍ في هذا البلد، حيث تتقلّص يوماً بعد يوم فرص الحياة والاستمرار". وتضيف: "سأحاول أن أصنع شيئاً في كندا لأحفظ شيخوختي بكرامة، فلا آخرة محترمة في لبنان. وسأحضّر أعمالاً في الخارج، ثم أعود إلى لبنان لعرضها من دون أن أترك البلد نهائياً، فهذا الأمر يحزنني. ولا يمكنني أن أتخلى عن شغفي ومتنفسي، لأنني خارج المسرح مثل سمكة خارج المياه".

وعن وضع المسارح في ظلّ أزمةٍ اقتصادية غير مسبوقة في البلاد، وتبِعات سلبيّة خلّفها الإغلاق العام بفعل فيروس كورونا على مختلف النشاطات الفنية، تقول: "هناك غصة بالتأكيد، وفنانون كثر يجدون أنفسهم اليوم من دون عمل. وحتّى قبل الأزمة لم يحظَ المسرح في لبنان بالدعم المطلوب، والمسؤولون لم يلتفتوا إليه وإلى طاقاته ومقوّمات وجوده. وهل يجب التذكير بأهمية المسرح وبأنّه الوجه الحضاري لأيّ بلد، وأنّ المدينة بلا ثقافة لا تكون مدينة؟".

وتتابع: "اليوم وأكثر من أي وقت مضى، يجب أن نفتح المسارح وندعو الناس إليها، لأنها ــ بعكس الشائع ــ ليست رفاهيةً أو مجرّد مساحة ترفيه، بل حاجة وجوديّة أساسية، لأن دور المسرح مهم جداً الآن، سواء أكان داخل الصالات أم عبر مسرح الشارع، فالناس في أمسّ الحاجة إلى الفرح لكي تتمكّن من تحمُّل الآتي. ولطالما استمرّت المسارح عبر التاريخ واضطلعت بدور ريادي في تشكيل الوعي الجماعي ومواكبة التحرّكات المطلبية، وكانت صوت الناس في الأزمات. حتى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية لم يتوقّف المسرح. ويُمكن إيجاد صيغة لفتح المسرح، ومثال على ذلك (مترو المدينة) في الحمرا الذي أخذ مبادرة مهمة ونبيلة خلال الثورة وهي: (قد ما بدك ادفع)... لكي يبقى الناس على علاقة مع الحياة".

وعن سبب عدم مواكبتها للأحداث المتسارعة في البلد بفيديوهات "الستّ نجاح" المعروفة كما كانت تفعل سابقاً، تجيب: "أشعر بوطأة الأزمة، ولم أتمكن من الظهور والكلام مثلما فعل غيري، ربما لأنني شاهدت فيديوهات لكثيرين، منها مفيدة ومنها لا لزوم لها، فامتنعت عن الكلام. ولا شك في أنّ وسائل التواصل الاجتماعي شكّلت مساحة الحرية والمتنفس الوحيدين للناس في ظلّ الحجر المنزلي، وبالنسبة إليّ، كانت هذه الوسائل المنصّة التي حاولت من خلالها ان أعبّر عن أفكاري بطريقتي الخاصة التي تخاطب أوجاع الناس وتتناول قضاياهم".

وهذا ما فعلته صبرا تحديداً في أحدث أعمالها المسرحية بعنوان Meteo Beyrouth أو "طقس بيروت"، إذْ جمعت في العمل الذي كتبته وأخرجته كلاً من الممثلين رودريغ سليمان وإيلي نجيم، في مسرحية تمزج بين العبثية والواقعية المدهشة. عن المسرحيَّة، تقول إن "إسقاطاتها ما زالت تنطبق على الواقع اللبناني، فقد وصّفت فيها الوضع الذي نعاني منه الآن، وطرحت قضية شخصين يعانيان من البطالة ومن حالة عصبية ولا أفق مفتوحاً أمامهما، وتُظهِر المسرحية كيف أصبحت بيروت التي تختصر لبنان مزهرية يُرمى فيها كلّ شيء".

وعمّا إذا كانت تنوي أن تحوّل وضع البلد الحالي إلى مشروع مسرحي مقبل، تكشف: "لا أخطط لمشروع قريب من هذا النوع، لكن الهمّ الاقتصادي والأزمة التي نعيشها الآن سيظهران بطريقة أو بأخرى في مشاريعي الفنية المقبلة، هذا إذا كان ما زال مُمكناً إنتاج مسرح، وهذه المعضلة الأساسية اليوم، إذ إنني شخصياً لم أعد قادرة على إنتاج مسرح، فأنا وزوجي من دون عمل الآن. وإنّ استئجار مسرح مُكلف جداً في ظلّ أزمة الليرة وغياب الداعمين والممولين، خصوصاً أنني سابقاً لم أعتمد إلّا على تمويل ذاتي لأعمالي المسرحية. لكن الاستسلام ليس من طبعي، وسأجد طريقة لأقدّم أعمالي، ويُمكن أن أقدّم عروضاً تُسمى (عروضاً جسمانية) في منزلي، إذا أقفلت المسارح أو تعذّر استئجار صالات".

أما دراميّاً، فعلى رغم النجاح الكبير الذي حصدته عن شخصيّة "نجوى" في مسلسل "إنتي مين" للكاتبة والممثلة كارين رزق الله، حيث لعبت دور محاربة قديمة شاركت في الحرب اللبنانية بثنائية تمثيلية ناجحة جمعتها بزميلتها أستاذة المسرح جوليا قصار، إلا أنَّ صبرا سجّلت أخيراً غياباً عن الموسم الدرامي المحلّي. وعن السبب تقول: "الجواب ليس عندي، بل لدى المنتجين"، معترفةً بأن آراءها الصريحة قد تساهم في تقليص فرص عرض أداورٍ جديدة عليها، ولكنها تؤكّد: "هذا الأمر لا يهمّني ولا أقبل بالسكوت لكي أعمل. واجبنا أن نحسّن الوضع ونساهم في التغيير، لا أن نرضى بما يحدث. وقد أعلنت الثورة قبل 17 أكتوبر/تشرين الأول، انطلاقاً من حبي لمهنتي ورغبتي في أن تصبح فعلاً صناعة مهمة، وأن يكون المجال مفتوحاً أمام المتخرجين الشباب من الجامعات، فانطلاقاً من تدريسي في جامعات عدة، أعرف حجم الطاقات المتخصصة والمواهب الموجودة في لبنان، وهي قادرة على النهوض بالقطاع وأخذه إلى آفاق بعيدة".

المساهمون