للفلسطيني رائد أبو حارثية حكاية صمود في أرضٍ مسروقة، بلدة بتير، غربي مدينة بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، وجوارها. حكاية "يرويها" يومياً بسلوكه الدائم طريقا وعرة في قلب جبل المخرورة المصادر من الاحتلال. ويبعد منزل أبو الحارثية وشقيقه، عن بتير نحو كيلومتر واحد، والاحتلال يمنع أصحاب الجبل من زراعته واستصلاح أراضيه، كي تصبح بوراً بالكامل ويصادر الأراضي المجاورة، كمنزلي الأخوين أبو الحارثية.
وللوصول إلى منزل أبو حارثية، يجب عبور الطريق الوعرة بسيارة رباعية الدفع، ما يظهر معاناة هذا الرجل الذي يتكبّدها بشكل شبه يومي حتى لا يتمكن الاحتلال من سرقة أرضه وتثبيتها والصمود فيها. في فناء المنزل ثمة سياج وبوابة حديدية، وعدد من كلاب الحراسة، بينما يلهو أطفال أبو حارثية في المحيط، والمنزل ذاته مبني من الحجارة العربية، وبُنيت بعض السلاسل الحجرية فيه رغماً عن الاحتلال وعن ضباط إدارته المدنية الذين حاولوا منعه بشتى الطرق.
منذ تلك اللحظة، تعرّض أبو حارثية لانتهاكات جنود الاحتلال الإسرائيلي، ومع أول محاولة للبناء، تسّلم إخطارات بوقف العمل في منزله بذريعة "عدم الحصول على الترخيص، وأن الأرض مصادرة لصالح دولة الاحتلال". وعندما قرر القيام ببعض الاجراءات التي طلبها منه ضباط "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال، رُفضت جميعها من بينها الترخيص.
مع ذلك، تمكن أبو حارثية من بناء منزله رغم مصادرة الاحتلال الإسرائيلي للكثير من مواد البناء في محاولة لتكبيده خسائر مادية، وكذلك تهديد العاملين معه، وطردهم في أكثر من مرة، لكنه قال "يمكننا البقاء في الأرض مهما كلف الأمر"، رغم تسلّمه أيضاً إخطاراً بهدمه.
الجو العائلي متماسك، وتتحمّل الأم وأربعة أطفال عبئاً كبيراً. أحد الأطفال يدرس في مدرسة خاصة، والآخرون موزعون على مدارس البلدة، وتضطر الأم يومياً لقيادة سيارة العائلة، التي سبق أن هدد الاحتلال بمصادرتها كونها وسيلة نقل للمنزل، كي ترسل الأطفال للمدرسة، وتكرر العملية ظهراً لتحضرهم منها.
في المشهد جبال بمساحات شاسعة، أصدر الاحتلال الإسرائيلي أوامر بمصادرتها على مدار سنوات، من بينها 20 دونماً لأبو حارثية، مزروعة بأشجار الزيتون الرومانية المعمرة، ومنع ضباط الاحتلال، الزراعة في الأرض.
وسلّم ضباط استخبارات الاحتلال الإسرائيلي، أبو حارثية إخطارات كثيرة، منها منع إضافة أي شيء في محيط المنزل، ومنع الزراعة، ومنع إكمال بناء السياج الفاصل، ومنع الحفر، وكذلك التزود بالماء والكهرباء. ويعتمد أبو حارثية على الطاقة الشمسية للتزود بالكهرباء لبضع ساعات، ويطفئ ثلاجته دائماً من أجل استمرار الكهرباء في الليل. كما لوحظ في داخل المنزل أن غالبية الأجهزة الكهربائية مفصولة كون ألواح الطاقة الشمسية وعددها اثنان صغيرة ولا تفي بالغرض. وغالباً ما تنقطع الكهرباء في المنزل، وبعض الطعام في الثلاجة يفسد، ويحضر جنود الاحتلال يومياً إلى فناء منزله لإزعاجه وإخافة أطفاله بغرض إجباره على الرحيل. وقال أبو حارثية "أحاول قدر المستطاع أن أطرد الخوف من مخيلة أطفالي، حتى تفشل محاولات الجنود والضباط أن يطردوني من المنزل".
وفي كل يوم يمر يزيد الاحتلال من محاولات الضغط عليه حتى يسرق أرض أبو حارثية، التي في حال نجاحه في طرده منها، فإن المرحلة التالية ستكون مقدمة لسرقة الجبل بأكمله. لذلك قام بسحب تصريح العمل الذي كان بحوزته للدخول إلى الأراضي المحتلة عام 1948 والعمل هناك، وقطع رزقه لكن أبو حارثية قرر المواجهة.
تكثر المعاناة هناك، رغم أنه يحاول التأقلم مع قلة الماء وعدم توفر الكهرباء، وصعوبة الطريق، وتهديدات الجنود، وطلبات استدعائه من قبل ضباط الاستخبارات لمساومته على أرضه، ويحاول التعايش مع حياة من دون جيران، في الوقت الذي يوجه فيه نصيحة لأي فلسطيني صودرت أرضه، بأن يبني ويعيش فيها، وأن يواجه كل محاولات الاحتلال منعه من ذلك.
لكن في ذات الوقت، يأمل أبو حارثية أن يجد مساندة من المؤسسات الرسمية الفلسطينية، وعلى رأسها وزارة الجدار والاستيطان التي يجب أن توفر له الكثير من مقومات البقاء، وكذلك المؤسسات الحقوقية الدولية، التي يجب أن تدعم صموده في أرضه التي يملك ما يثبت ملكيته لها ويفند ادعاءات الاحتلال أنها أراض تتبع دولته. "الأرض المسروقة لا ترجع بسهولة" يختم أبو حارثية حديثه، في معاناة حقيقية لما يعيشه هناك، فتفاصيل الحياة تبدو مرهقة عن كثب لكن ثمرة البقاء قد تكون كبيرة اذا ما أصرّ عليها.