الفقر يجبر أطفال غزة على العمل

30 مايو 2016
عمالة الأطفال تغزو شواطئ غزة(عبد الحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
+ الخط -
مع بداية الإجازة الصيفية للمدارس، يحمل الطفل الغزّي محمود عايش (15 عاما)، حقيبته المعبأة بأغراض تجارته الصغيرة، متوجهًا إلى شاطئ بحر السودانية، غربي مدينة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة.
ومع وضع قدمه على رمال البحر الساخنة، سرعان ما يبدأ عايش بتفريغ بعض الحلويات التي أعَدها سابقًا، من حقيبته، ليتجول بها على شاطئ البحر، لبيعها لأطفال آخرين وعائلاتهم، ممن جاؤوا للبحر بغرض الاستجمام والاستمتاع بفصل الصيف.
ويوضح عايش لـ"العربي الجديد"، أنه مع الانتهاء من تقديم الامتحانات المدرسية، أصبح يضطر منذ عامين لقصد البحر، بهدف بيع بعض الحاجيات المرغوبة لدى الأطفال، لتوفير مصدر رزق ولو "بالقليل" له ولعائلته المكونة من 7 أفراد.
ويشير إلى أنه يضطر للعمل بعد أن أصبح والده عاطلًا عن العمل، مشيرًا إلى أن والده عمل في الأراضي المحتلة سابقًا، ولم يجد فرصة عمل له في غزة، توفر له ولأخوته وأمه قوت يومهم، ومصدر رزق يُعيلهم.
لكن عايش يتمنى أنّ يصبح والده قادراً على العمل في غزة، ليحميه من حرارة الشمس التي أنهكت جسده الهزيل. ويضيف: "أريد أن أقضي الإجازة الصيفية مثل باقي الأطفال، الذين يقضونها في المخيمات الصيفية والنشاطات الترفيهية، بدلًا من الوقوف على البحر أبيع الحلويات".
ويلاحظ في فصل الصيف نشاطًا واسعًا للأطفال الباعة، ممن هم دون الـ18 عاماً، يعملون على بيع بعض الحاجيات، لتوفير مصدر رزق لهم، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، جراء الحصار المفروض عليهم منذ 10 سنوات.
ولم يكن حمزة إسماعيل (16 عاما) أفضل حالًا من عايش، فالأول يتجول على مقربة من مياه البحر، حاملًا بيديه بعض "البالونات"، يعرضها على المُستجمّين على الشاطئ، لعلها تعود عليه ببعض الأموال، التي من شأنها أن تخفف من بعض المصاريف على والده.
ويقول إسماعيل لـ"العربي الجديد"، إنه يحاول مساعدة والده في مصاريف البيت، خاصةً أن والده لا يجني سوى القليل من بيع "القهوة" للناس في منتزه الجندي المجهول وسط مدينة غزة. أما عن العائد اليومي الذي يجنيه إسماعيل، فيوضح بأنه لا يجني تقريبا إلا 15 شيكلاً (4 دولارات)، وهذا مبلغ غير كافٍ لشراء الحاجات الأساسية التي يطلبها أفراد أسرته البالغ عددهم 6 أشخاص.

وهناك في ميناء غزة السياحي، حيث المكان الذي يستقطب العشرات من الفلسطينيين، الهاربين من هموم الحياة وقسوتها في غزة، يتجول أحمد سعيد (16 عاما)، بعربته الصغيرة المُزينة بألوان جذابة، والمزودة بموسيقى تنشد للأطفال، طمعًا في الحصول على بعض "الشواكل" من ترفيه الأطفال بداخلها.
ويقول سعيد، إنه كان يشعر بالحرج بالبداية، لكونه يتودد للناس كثيرًا لقبول دعوة أطفالهم لركوب عربته الصغيرة، مقابل شيكل واحد (نحو ربع دولار)، لكنه اعتاد على الأمر بعد ذلك، وأصبح أكثر اقبالًا عليه.
ويضيف سعيد، أنه يسعى للحصول على بعض الرزق، نظرا لوفاة والده، وتوفير مصدر رزق لأخوته الخمسة، متمنيًا الانتهاء من دراسته، والحصول على مهنة، بعيدًا عن التجول تحت أشعة الشمس الحارقة، دون مبرر، ودون الحصول على عائد مادي كاف.
وشهدت معدلات الفقر ارتفاعاً كبيراً في صفوف الفلسطينيين الذين يعيشون في فقر مدقع بغزة حيث ارتفعت من 33.2% عام 2006 إلى 45% في نهاية عام 2015 وفقاً لتقرير البنك الدولي.
ووفق إحصائية لمركز الإحصاء الفلسطيني الحكومي ومعايير منظمة العمل الدولية خلال عام 2015، فإن نسبة البطالة في فلسطين قد بلغت 25.9% وبلغ عدد العاطلين عن العمل 336 ألف شخص، منهم حوالي 143 ألفا في الضفة الغربية وحوالي 193 ألف في قطاع غزة.
وحذّر تقرير للبنك الدولي، صدر الأسبوع الماضي، من أن اقتصاد غزة بات على "حافة الانهيار"، منبّهاً من أن معدل البطالة في القطاع هو الأعلى في العالم، مطالباً المانحين الدوليين بتدارك هذا الوضع.
الخبير الاقتصادي نهاد نشوان، يشير إلى أنّ الحرب الأخيرة والحصار الجائر على القطاع، من أسباب زيادة عمالة الأطفال بغزة، بالإضافة إلى انخفاض متوسط دخل الفرد بغزة، بشكل مخيف، نظرًا لعدم توفر مصادر دخل محددة.
ويوضح نشوان لـ"العربي الجديد" أنّ عمالة الأطفال هي نوع من الأعمال المرفوضة في كل المجتمعات، إلا بحال تعذر أرباب الأُسر عن تحقيق مصدر دخل كافي، نظرًا للأوضاع الاقتصادية الصعبة.
ويقول إن الأوضاع الاقتصادية في المجتمع الفلسطيني، تحدد توجه الأطفال نحو العمالة، مشيرًا إلى أن الأُسر الفقيرة تُوجه أطفالها نحو العمل، رغبةً في توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة لديها.
ويشدد الخبير الاقتصادي، على ضرورة تنفيذ مشاريع صغيرة لأرباب الأُسر الفقيرة، تتراوح قيمتها بين 1000 إلى 5000 دولار تقريبًا، تساعد على إيجاد مخرج لهم في توفير مصدر رزق، يحافظ على أطفالهم من العمالة.
ويطالب نشوان بضرورة تنفيذ برامج توعوية مجتمعية من خلال عقد ندوات وورشات عمل، تندد بخطورة الظاهرة، وتوصي بضرورة محاربتها، عن طريق توفير مصادر دخل للأُسر الفقيرة.



المساهمون