الفقر المائي في سورية يصل إلى حد العطش

01 ديسمبر 2014
أطفال سوريون يجمعون مياه بركة للشرب (زين الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -
على امتداد السنوات الماضية، كان من الشائع أن تشير التقارير الدولية إلى قضية التدهور السريع في موارد سورية المائية، ودخولها خط الفقر المائي، وذلك بالتوازي مع إنكار النظام السوري المشكلة برمتها، والتغني الدائم بالموارد المائية التي لا تنضب. الجديد اليوم هو اعتراف الحكومة السورية بالمشكلة المائية، بل واعتبار أن سورية باتت تقع تحت خط الفقر المائي. 
الفقر المائي
يؤكد الخبير الاقتصادي منذر الناجي لـ"العربي الجديد" أن "سورية تقبع اليوم تحت خط الفقر المائي بعجز يتجاوز 7 مليارات متر مكعب". ويعتقد أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى "سياسات الحكومات السورية المتعاقبة التي لم تضع رؤية واضحة فيما يتعلق بالمسألة المائية للبلاد، حيث كان واضحاً خلال السنوات الماضية اتساع الفجوة بين الطلب على المياه من جهة والموارد المتاحة من جهة أخرى، وهو ما كان يتطلب القيام بتنظيم دقيق للموارد المائية وتنميتها". ويضيف أن الأزمة المائية "تفاقمت بعد اندلاع الثورة حيث دمرت حرب النظام البنية التحتية لقطاع المياه".
يحاول النظام السوري التنصل من المسؤولية عن تدهور اقتصاد وموارد البلاد، ويعلق المسؤولية على مشجب "الأزمة"، أي الثورة التي اندلعت ضده في عام 2011. لكن، ولسوء حظ النظام، يعود تاريخ العجز المائي إلى ما قبل الثورة، وقد بدأ مع تسلم حزب البعث السلطة عام 1963، حيث كان نصيب الفرد من المياه 2500 متر مكعب. ليباشر مساره الانحداري وصولاً إلى اليوم، بحيث أصبح 700 متر مكعب فقط، وتحت خط الفقر المائي المقدر دوليّاً بـ 1000 متر مكعب.
وفي محاولة حكومية أخرى، يبرر المدير العام لـ"الهيئة العامة للموارد المائية"، سامر الأحمد، العجز المائي بأن "سورية وفقاً للمعايير الدولية المتفق عليها عالميّاً تعتبر من البلدان شبه الجافة بالمياه، نظراً لمواردها المائية المحدودة".
لكن سورية وبالمقارنة مع البلدان الأخرى في الشرق الأوسط، لا تعد بلداً فقيراً من حيث وفرة المياه. فوفقاً لتقرير التنمية البشرية العربية لعام 2010، جاءت سورية في المرتبة 13 من بين 20 دولة عربية من حيث نصيب الفرد من الأمطار.
كما تعتبر دراسة صادرة حديثاً أعدتها خبيرة المياه، فرانشيسكا دو شاتيل، أن "سورية من البلدان الغنية نسبيّاً على صعيد الموارد المائية الطبيعية، ولكن نصيب الفرد من المياه شهد تدهوراً كبيراً". وعزت الدراسة التي حملت عنوان "دور الجفاف وتغيرات المناخ في الانتفاضة السورية" ذلك إلى "غياب الشفافية وتفشي الفساد وعدم وجود بيانات موثوق فيها، وانعدام المساءلة والرقابة". هكذا وجدت دو شاتيل أن السياسات المائية في سورية "تصاغ على الورق ولا تنفذ أبداً، ويتم تشكيل لجان خاصة لدراسة عملية تحديث وتطوير قطاع المياه، لكن التقارير النهائية لا تصدر أبداً، وحتى عندما تصدر القوانين لا يجري تطبيقها".
ويمتد سوء التخطيط إلى قطاع الزراعة، حيث تستهلك الزراعة في سورية نحو 90% من إجمالي المياه المستهلكة في البلاد. يشرح المهندس المختص في الموارد المائية، رامي السعيد، لـ"العربي الجديد" كيف "يعتمد القطاع الزراعي في سورية على الري السطحي التقليدي، وهو ما يتسبب في إهدار كميات هائلة من المياه".
ويضيف: "المشكلة تفاقمت مع مرور الوقت بسبب الاعتماد على الزراعة في الاقتصاد السوري بشكل كبير، حيث ارتفعت نسبة الأراضي المروية من نحو 800 ألف هكتار عام 1990 إلى نحو 1.3 مليون هكتار في عام 2010. ويتم ري أكثر من 60% منها بالمياه الجوفية وبطرق تقليدية تستهلك معدلات أكبر من المياه تصل إلى 40% مقارنة بطرق الري الحديثة". ويضيف السعيد أن "إدخال تقنيات الري الحديثة كانت تسير بوتيرة بطيئة جدّاً، خصوصاً في السنوات السابقة للثورة السورية حيث أهملت الحكومة القطاع الزراعي".
ومما لا شك فيه أن أزمة المياه اشتدت على السوريين في السنوات الثلاث الماضية، حيث تعيش البلاد أزمة على كل المستويات. منظمة يونيسف أوضحت في وقت سابق أن "المقنن المائي للفرد في سورية انخفض من 120 ليتراً إلى 50 ليتراً في اليوم منذ بداية الأزمة".
وانعكس ذلك على السوريين بصورة مباشرة، إذ باتت فترات انقطاع المياه تمتد إلى أيام في المناطق التي يسيطر عليها النظام ومنها العاصمة دمشق. أما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، فكانت الأضرار كبيرة جداً، إذ دمر النظام معظم خزانات المياه، وألحق أضراراً جسيمة بشبكتي مياه الشرب والصرف الصحي.
دلالات
المساهمون