تجار الوطن، الذين يختزلون الوطنية في الانقلاب، بينما الوطنية ليست حكراً على أحد. الشعب المصري ليس من المهجرين البيض في آسيا ولا المهجرين السود في أفريقيا، ومن هم المؤسسة العسكرية ليسوا أصحاب الأرض الأصليين.. الشعب المصري شعب وطني حر، ولا يصف بالوطنية إلا مَن يرعى مصالحه ويحترم حريته وحقوقه ويحافظ على حياته. فهل تستحق المؤسسة العسكرية صفة الوطنية؟ إذا كان الأمر كذلك، فأين كانت المؤسسة العسكرية والدولة المصرية تنهار وتتدهور مؤسساتها على أيدي مبارك ونظامه وتتدهور معها أحوال المواطن ويتقلّص تماماً دورها الاقليمي والدولي؟ أين هو الحفاظ على الأمن القومي المصري الذي ترهبنا به تلك المؤسسة؟ صحة المصريين التي أُهلكت بفعل فاعل حتى أصبحنا نعتلي المراكز الأولى في الفشل الكلوي والكبد الوبائي والسرطانات المختلفة، صحة المصريين هذه أليست من الأمن القومي؟ تدهور المنظومة التعليمية في مصر وفسادها، أليست من الأمن القومي المصري؟ الفساد الممنهج في منظومة العدالة في مصر، من القمع والتعذيب وامتهان الكرامة وتقييد الحريات، إلى الرشوة والوساطة والمحسوبية والتوريث والتسييس وأحكام الإعدام، قطاعي وبالجملة، ما انعكس سلباً على المصريين.. أليست من الأمن القومي المصري؟ الفساد المالي والإداري في جميع مؤسسات الدولة.. أليست من دواعي الأمن القومي المصري؟ فساد رجال الأعمال ونهب الأموال والأراضي والخصخصة.. أليست لها انعكاسات على الأمن القومي المصري؟ تحريض الإعلام وتضليله وكذبه، البطالة والعشوائيات وبلطجة الشوارع، وانتشار المخدرات، كل تلك الظواهر الناتجة عن الفساد المؤسسي، أليس لها أبلغ الأثر على الأمن القومي المصري؟ انهيار منظومة القيم والأخلاق، هذا الفساد الذي كدنا نتنفسه.. مَن صنعه؟ ومَن يحميه؟ والآن عن أي أمن قومي تتحدث المؤسسة العسكرية، أمن الوطن، أم أمن مؤسسات الفساد، أم أمن استثمارات المؤسسة، أم أمن إسرائيل؟
سلطة الأمر الواقع لا تريد أن تسمع أصواتاً تعلو فوق صوت تسلم الأيادي، التي كادت أن تصبح بديلاً عن تحية العلم في عملية فساد جديدة تبدأ من طابور الصباح وتنتهي مع آخر برنامج توك شو على فضائيات رجال الأعمال، والآن لا تحدثني عن الدستور، فكان لدينا دساتير، ولا تحدثني عن الرئيس ولا البرلمان القادم، فقد تعاقب علينا رؤساء وحكومات وبرلمانات وظل الفساد ثابتاً، فوق الجميع يطل برأسه ويخرج لسانه لشرفاء الوطن يعلن عن نفسه. أنا الدستور وأنا القانون وأنا الحاكم الفعلي للبلاد.. وتعود مصر إلى ما كانت عليه عسكر وحرامية وبينهما شعب أسير.
*والد أحد شهداء 25 يناير