مراكز الإيواء... سيطرة بالحدّ الأدنى على شحّ المياه في صيدا

12 أكتوبر 2024
توزيع غالونات مياه شرب لنازحين في مدرسة إيواء بصيدا (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني مدينة صيدا من أزمة مياه حادة بسبب النزوح الكبير نتيجة العدوان الإسرائيلي، مما زاد الطلب على المياه في ظل انقطاع الكهرباء المستمر، وأثر بشكل كبير على مراكز إيواء النازحين.
- يعتمد النازحون على جهود الدفاع المدني لتوفير المياه، لكن هذه الجهود تواجه تحديات بسبب الأولويات الأخرى، ويتم توزيع مياه الشرب بشكل محدود، مما يزيد من صعوبة الوضع.
- يواجه النازحون تحديات في الحفاظ على النظافة والصحة العامة، مما يثير مخاوف من انتشار الأمراض، ويبرز الحاجة إلى تدخل أكبر من قبل الدولة لتحسين الوضع.

تعاني مدينة صيدا جنوب لبنان في الأساس من شحّ في المياه، ومع النزوح الكبير من بلدات الجنوب بسبب العدوان الإسرائيلي صار استهلاك المياه أكبر، وباتت الكميات المتوافرة غير كافية، والمخاطر المحدقة كثيرة.

مع توافد أعداد كبيرة من النازحين من العدوان الإسرائيلي إلى مدينة صيدا في جنوب لبنان زادت الحاجة إلى المياه، في حين تعاني المدينة منذ سنوات من شحّ في المياه التي لا تضخ إليها في شكل دائم لأسباب عدة أهمها الانقطاع الدائم للكهرباء.
وحالياً يسكن عدد كبير من النازحين في 21 مركز إيواء في مدارس بمدينة صيدا، في حين استطاع آخرون استئجار منازل أو سكنوا مع أقارب يقيمون في المدينة. وأدى ذلك إلى أزمة مياه كبيرة خصوصاً في مراكز الإيواء حيث تعتبر الحاجة كبيرة لهذه المادة الحيوية.
ويؤثر شح المياه في مراكز إيواء النازحين بمدينة صيدا على النظافة الجسدية وتنظيف المكان والملابس، ما يجعل النازحين يخشون من انتشار الأمراض بينهم وبين أطفالهم الأكثر عرضة لأمراض القمل والجرب وغيرها، علماً أن لا مياه ساخنة للاستحمام.
يقول قائد في الكشاف المسلم ويعمل في مركز ثانوية البزري بمدينة صيدا، محيي الدين حفوضة، لـ"العربي الجديد": "نعمل كوننا فريق متطوعين في مدرسة الإيواء لتأمين احتياجات إخوتنا النازحين من مناطق تتعرض لقصف في الجنوب، لكننا نعاني من مشكلة كبيرة تتمثل في شح المياه، والتي لا تنحصر في مركزنا. وبالطبع زادت المعاناة بتأثير نزوح أعداد كبيرة من السكان إلى المدارس". 

مهمات للدفاع المدني

ويخبر أنه "من أجل تأمين المياه، صرنا نستعين بجهاز الدفاع المدني في المدينة، والذي ينفذ بالطبع مهمات أخرى قد تكون ذات أولوية أكبر بحسب الوضع السائد، وكثرة الحرائق والحاجة إلى إسعاف. في بعض المرات، يتأخر الجهاز في تلبية نداءات مركز الإيواء بعد التواصل معه فتنقطع المياه عن النازحين الذين يصعب عليهم تأمين احتياجاتهم الشخصية مثل دخول الحمام وتنظيف الأيدي والجسم، وأيضاً غسل الملابس والاستحمام وجلي أواني الطعام التي يستخدمونها للأكل". ويشير إلى أن "استخدام المياه حاجة ملحة للناس، وفي بعض المرات يلبي الدفاع المدني النداءات بسرعة فنستطيع تأمين المياه، وهذا يرتبط بمهماته اليومية وتلك في حالات الطوارئ. وبالنسبة إلى مياه الشرب نؤمن يومياً غالون مياه بسعة ثمانية ليترات، ونعطي كل عائلة غالونين اثنين، وإذا كان عدد العائلة كبيراً نعطيها أربعة أو حتى ستة غالونات أحياناً". 
ويتحدث أيضاً عن أن "العائلات تضم أعداداً كبيرة من الأفراد. وفي الطقس الحار يزداد استخدامهم مياه الشرب خاصة الأولاد الذين يلعبون، كما تستخدم بعض العائلات مياه الشرب لحليب الأطفال. وعدد العائلات النازحة في المركز 160 تضم 850 فرداً".
ويوضح محيي الدين أن "مدرسة الإيواء غير مجهّزة للاستحمام، لكننا وضعنا في كل من طوابقها الثلاثة "دوش" واحدا للاستحمام، وقسمنا الحمامات إلى قسم للنساء وقسم للرجال، لكن هذا الإجراء لا يكفي للتعامل مع الأعداد الموجودة في كل طابق إذ تحتوي كل غرفة على نحو 25 شخصاً".

غسل الثياب مداورة بين الطوابق (العربي الجديد)
غسل الثياب مداورة بين الطوابق (العربي الجديد)

محاولة تجنّب الأسوأ

ويتحدث عن أن "الخزانات على سطح مبنى المدرسة تتسع لـ25 ألف ليتر من المياه التي يستخدمها النازحون للغسيل والاستحمام وخدمة الحمامات، وتنظيف الأرض والأواني. وإذا استخدموا المياه في الوقت نفسه أو خلال ساعة واحدة تنفد المياه، لذا نحاول تأمين المياه بكل الوسائل المتاحة، ونواجه وضعاً صعباً جداً. وقد استعان النازحون بحنفية مياه موجودة خارج المدرسة، وعندما تتوفر مياه الدولة يعبئون الغالون الذي في حوزتهم، والذي كان معبأ بمياه الشرب في الأساس. الأكيد أن الوضع تعيس جداً، في حين يشكل شح المياه مصدر خطر كبير على الصحة العامة والنظافة، وقد يتسبب في انتشار القمل والجرب، لكننا نعمل المستحيل كي لا نصل إلى هذه الحال. وفي مركز الإيواء الذي نعمل فيه لا نزال نسيطر على الوضع، والمشكلة الأكبر عدم توافر مياه ساخنة للاستحمام، ويضع الناس غالونات تحت أشعة الشمس كي تدفأ قليلاً ثم يستحمون، كما بادرنا إلى تركيب سخان للمياه لكنه بالطبع لا يكفي لـ850 شخصاً".
ويوضح أن كل طابق في مدرسة الإيواء يضم خمسة حمامات أجريت صيانة لها، وأصلحت أعطال فيها من بينها عدم استيعاب المصارف كميات مياه كثيرة إذ كانت صغيرة وتتسّرب المياه منها إلى جدران باقي الطوابق. أيضاً وُضعت غسالتان للملابس في كل طابق مع توفير مساحيق. وجرى تحديد أوقات لغسل الملابس، وسُمح للنازحين في كل طابق من طوابق المدرسة بغسل ملابسهم في يوم مختلف عن باقي الطوابق، ومُنحت كل عائلة عشرين دقيقة لغسل الملابس".

خوف من الأضرار

تقول جنى النازحة من بلدة أنصار (قضاء النبطية) في جنوب لبنان لـ"العربي الجديد": "نزحنا منذ أن بدأ العدوان على الجنوب. تركنا بيوتنا خوفاً من القصف، وجئنا إلى مركز البزري في صيدا. وحصل ذلك بعدما سجلنا أسماءنا في مركز بلدية صيدا. نحن ستة أشخاص نعاني بشكل كبير من شح المياه التي يجري تأمينها للمركز لكن الحاجة كبيرة لها مقارنة بالعدد الكبير للنازحين. أيضاً هناك هدر واضح للمياه، خصوصاً من قبل الأطفال الذين يظنون أنهم يعيشون في بيوتهم، وأن كل شيء يتوفر لهم. وقد نستطيع الاستغناء عن المياه من أجل الاستحمام أو غسل الملابس، لكننا لا نستطيع الاستغناء عن المياه للحمامات فضرر هذا الأمر قد يؤثر علينا على صعيد نشر الروائح الكريهة، كما قد يتسبب في الإصابة بأمراض جلدية والتهابات، ونأمل في معالجة هذا الموضوع، والأهم أن تنتهي الحرب ونعود إلى منازلنا".
أيضاً تقول وفاء التي نزحت مع زوجها وأولادها من مدينة صور: "نعاني من شح المياه، ولا نستطيع الاستحمام خاصة في فصل الصيف. الطقس حارّ جداً حالياً، ونتعرق بشكل كبير. وفي بعض الأحيان نعبئ المياه في غالون من حنفية في جوار المدرسة، ونستحم بها من دون تسخينها. اتحمل ذلك مع زوجي، لكن لدي طفل عمره سنتان قد تضره المياه الباردة ويمرض، كما أن الحمام غير نظيف بسبب عدم توافر المياه في شكل دائم. وهناك أعداد كبيرة من النازحين الذين يحتاجون إلى وجود مياه في شكل دائم".

طعام ومياه لنازحين وأطفالهم على رصيف (العربي الجديد)
طعام ومياه لنازحين وأطفالهم على رصيف (العربي الجديد)

من جهته، يقول النازح من بلدة البيسارية مهدي موسى لـ"العربي الجديد": "نعاني من أزمة مياه كبيرة لأنها مقطوعة دائماً. وعلى سبيل المثال وصلت مياه الدولة إلى الخزانات لساعتين فقط في أحد الأيام فلم تمتلئ. ومن المشاكل أيضاً أننا لا نستطيع الاستحمام وأن لا مياه ساخنة، وعندما أريد الاستحمام أسخن ماء في إبريق شاي، وهذا أمر غير طبيعي، ولنفرض أننا استطعنا الاستحمام فالحمامات في الطابق الأعلى تنش مياهاً وسخة وتبللنا كأننا لم نستحم". يتابع: "في أوقات انقطاع المياه عن الحمامات نأخذ قارورة مياه عند دخولها. وإذا لم نجد ماء نشتري قارورة مياه كي نستخدمها".

وتقول النازحة أم علي من بلدة الحلوسية (قضاء صور) لـ"العربي الجديد": "نعاني من شح المياه، وأيضاً من سوء إدارة استخدام المياه أحياناً. أعدادنا كبيرة، وإذا دخل كل واحد الحمام مرة تخلو الخزانات من المياه. أيضاً نعاني من عدم وجود مياه ساخنة كي نستحم بها، وعندما نريد فعل ذلك نضع غالون المياه تحت أشعة الشمس كي تدفأ قليلاً، وقد دخلنا فصل الخريف الذي تنكسر أشعة الشمس فيه فلا نستفيد منها، لذا نحتاج إلى أكثر من سخان فسخان واحد لا يكفي لجميع الموجودين في المدرسة".
تتابع: "يسخّن بعض النازحين المياه بإبريق الشاي أو في وعاء، والأطفال هم الأكثر حاجة لاستخدام المياه خاصة الذين لا يزالون يستخدمون حفاضات فهم بحاجة إلى غسيل دائم وتنظيف، وإذا لم يحصل ذلك يتعرضون لالتهابات جلدية، وقد يتفاقم وضعهم إذا لم يتعالجوا ولم توجد المياه. ابنتي تنظف ابنها الصغير بمياه الشرب التي نحصل عليها، وإذا لم يعد لدينا مياه نشتري كي ننظف الطفل من أجل حمايته من الأمراض، وهذا الأهم بالنسبة إلينا ونحن نستطيع التحمل لكن ليس هو. وهذه حال الجميع هنا، علماً أنهم يهتمون بهذا الأمر في المركز لكن الحلّ ليس عندهم بل عند الدولة".

المساهمون