يكشف رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ في الجزائر، علي بن زينة (جمعية غير حكومية تمثل أولياء تلاميذ المدارس)، عن تجاوزات خطرة تخص طبع الكتاب المدرسي، تم توثيقها وتقديمها في ملف مفصل للقضاء الجزائري، كما يقول في إفادة لـ"العربي الجديد"، مؤكدا مباشرة مفتشية المالية التابعة لوزارة المالية الجزائرية تحقيقات حول صفقات مشبوهة وفساد في الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية قدرها بعشرات الملايين من الدولارات.
وفتح القضاء الجزائري ملف تجاوزات صفقات طباعة وتأليف الكتب المدرسية في الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية (هيئة حكومية جزائرية مكلفة بتأليف وطباعة الكتب من طرف وزارة التربية الوطنية)، بعد إيداع بن زينة شكوى لدى النائب العام بمجلس قضاء الجزائر في 26 يونيو/حزيران الماضي، فيما تمت مباشرة التحقيقات حول الصفقات المشبوهة بالديوان نهاية يوليو/تموز الماضي من طرف مفتشية المالية الموجودة حاليا على مستوى الديوان، وفق رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ. ويقول بن زينة: "أودعنا شكوى لدى النائب العام لمجلس قضاء الجزائر ضد وزارة التربية والتعليم تتضمن 22 قضية، إحداها تتعلق بمشاكل سوء تسيير الديوان وصرف أموال باهظة على مستوى هذه المؤسسة المملوكة للحكومة والتي تأخذ طابعا اقتصاديا وتجاوزات في صفقات الطبع والتأليف وغلاء أسعار الكتب واستعمال ورق ثقيل وغير صحي، وننتظر حاليا استكمال التحقيقات التي ستكشف حجم الخسائر بدقة".
اقــرأ أيضاً
الفصل من الوظيفة
يؤكد المكلف بالدراسات سابقا على مستوى الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية ياسين ميرة، أن إقالته من وظيفته، بتاريخ 13 يونيو 2019 حصلت بسبب احتجاجه برفقة عدد من العمال على التجاوزات والخروقات الممارسة بديوان المطبوعات المدرسية. ويقول ميرة الذي لم يتجاوز سنه الـ44 عاما لـ"العربي الجديد": "شبهة الفساد تحولت إلى حقيقة تعرفها جميع الإطارات والموظفين في الديوان"، معتبرا أن فصله عن العمل تحفظيا لمدة شهر، كان بتهمة تحريض العمال وإثارة البلبلة، ليفصل بعدها من منصبه بشكل نهائي برفقة 3 موظفين نقابيين، ويصرح ميرة: "الوثائق المتوفرة تثبت تجاوزات في صفقات الطبع والتأليف وحتى التوظيف بالديوان الوطني للمطبوعات المدرسية ".
10 ملايين دولار
تبرز من خلال وثائق توفرت لـ"العربي الجديد"، تجاوزات بالجملة مرتكبة من طرف الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية في ما يتعلق بالتأليف والطبع، وتشير وثيقة مؤرخة بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2018 صادرة عن إدارة الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية إلى تسجيل فائض كبير في مخزون كتب الخامسة ابتدائي والرابعة متوسط على مستوى المراكز الولائية تجاوز الاحتياجات الوطنية بكثير إذ قدرت الكتب الزائدة عن الحاجة بـ5.588 ملايين كتاب بقيمة تعادل 1.13 مليار دينار جزائري ما يعادل 10 ملايين دولار، علما أن هذه الكتب تم طبعها على مرحلتين في سنتي 2018 و2019 وهي آخر سنة للتدريس بها وسيتم استبدالها بكتب جديدة سيشرع في التدريس بها بداية من شهر سبتمبر/أيلول، وهو ما تبرزه الوثيقة المرفقة، ويؤكده ياسين ميرة، المسؤول السابق بإدارة الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية.
ويرى ميرة أن طبع كتب إضافية زائدة عن احتياجات التدريس خلال سنة واحدة بحجم لم يطبع به من قبل طيلة 7 سنوات من استعمال هذه الكتب في التدريس، أمر غير مبرر ويحتاج إلى التفسير. ويعتبر النائب في المجلس الشعبي الوطني مسعود عمراوي أن فائض الكتب المسجل خارج حاجة المدارس يفتح فرضية "رغبة الديوان في التوجه للخواص، لتوقيع صفقات جديدة، وهو ما يجعل إدارة الديوان تماطل في تجديد مطابعه رغم توفر الأموال"، ويضيف النقابي السابق في القطاع أنه "وفق إحصائيات دقيقة تثبتها الوثائق، اتضح انتقال مخزون الكتاب المدرسي من 9 ملايين كتاب سنة 2016 إلى 20 مليون كتاب سنة 2018 (الرقم زائد عن حاجة المدارس) نتيجة مضاعفة الطبع، الأمر الذي يثير الشك، والهدف منه الاستفادة القصوى من الأرباح التي تدر في جيوب أصحاب المطابع الخاصة بالرغم من أن السنة المقبلة لا تستعمل فيها هذه الكتب التي سترمى في المزابل".
المطابع الخاصة متورطة
استمر ديوان المطبوعات المدرسية في التعامل مع مطبعة "الهلال" الخاصة رغم مراسلة المدير العام من طرف المديرية الولائية للتجارة في الجزائر العاصمة بتاريخ 4 أكتوبر/تشرين الأول 2016 تحت رقم 447 التي تحوزها "العربي الجديد"، يكشف من خلالها إلزامية وقف التعامل مع هذه المطبعة والتحول إلى المطابع المملوكة للحكومة، حسب تقرير اللجنة المؤرخ بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول 2016.
وبالرغم من أن القانون يستوجب إقصاء هذه المطبعة من الصفقات، فقد استمرت في الاستفادة من صفقات الكتب، خلافا لما ينص عليه قانون الصفقات العمومية. واستفادت المطبعة نفسها من طبع كتاب الجغرافيا والتربية المدنية للسنتين الثانية والثالثة متوسط والجغرافيا للرابعة متوسط وطبع بعض كتب الثالثة ابتدائي سنة 2017 ، كما تم إبرام اتفاقية مع هذه المطبعة تهدف إلى طبع أوراق الإجابة الخاصة بالامتحانات ومواد أخرى وقيام مراكز التوزيع التابعة للديوان بالولايات ببيع هذه المنتجات (خلال نفس السنة أي 2017) حسبما تثبته الوثائق.
يؤكد عبد الرحمن بن عائشة محامي معتمد لدى المحكمة العليا، أنه في ما يخص مخالفة قانون الصفقات العمومية، سواء كانت صفقات وطنية أو دولية أو صفقات بالتراضي أو صفقات بالمزاد العلني، فالمادة 26 من قانون محاربة الفساد 06/01 تؤكد أنه "يعاقب كل من تورط في منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية بالحبس من سنتين إلى 10 سنوات وغرامة مالية من 200 ألف دينار جزائري، أي 1800 دولار، إلى مليون دينار (9 آلاف دولار) لكل موظف عمومي يقوم بإبرام عقد أو يراجع عقد أو اتفاقية تخالف الأحكام التشريعية، وهو ما يتعارض مع القانون، ويطبق عليه منح امتيازات غير مبررة في هذا المجال".
مراسلات المعهد الوطني للتربية
كشفت وثائق صادرة عن المعهد الوطني للبحث في التربية (هيئة عمومية تابعة لوزارة التربية والتعليم الجزائرية مختصة في اعتماد الكتب المدرسية)، أن صفقات التأليف منحت لدور نشر رفضتها لجنة الدراسة التابعة للمعهد، منها الصفقات الممنوحة لدار النشر "الشهاب"، وتتعلق الكتب المرفوضة بالرياضيات ودفتر الأنشطة للمستوى الابتدائي، وكتابي الرياضيات للسنة الثانية والثالثة متوسط، إذ تم رفضها في الاجتماع المنعقد بتاريخ 10 يونيو 2017، في المقابل لم ينشر الديوان كتاب اللغة الفرنسية للسنة الثانية متوسط، لدار النشر "سيديا" الذي وافقت عليه لجنة الدراسة خلال نفس الاجتماع، وهو ما تثبته المراسلات بين الديوان والمعهد الوطني للتربية.
وتؤكد الوثائق الصادرة عن الديوان أن تكلفة تأليف كتب السنة الثالثة والرابعة من التعليم الابتدائي المتعلقة بجميع المواد الدراسية والتي يتراوح عدد صفحاتها بين 80 و142 صفحة، قدرت بـ11 مليون دينار، أو 100 ألف دولار، للمادة الواحدة، ويتعلق الأمر بـ7 كتب مدرسية لكل مستوى تعليمي، ويقول في السياق ميرة إنه "لم يسبق لأي دار نشر عمومية أن تعاملت بهذه المبالغ الضخمة". ويرد عز الدين قرفي مدير دار النشر "الشهاب" على هذه الاتهامات قائلا في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "هناك دفتر شروط واضحاً يحدد المعايير التي يمكن على أساسها منح الحق لدور النشر بالتأليف، فضلا عن وجود لجنتين على مستوى وزارة التربية الوطنية وهي من توكل لها مهام دراسة العروض المقدمة من طرف دور النشر وبناء على التقارير التي تضعها يتم منح الصفقات، وهناك معايير تقنية وأخرى بيداغوجية فضلا عن وجود لجنة أخرى على مستوى وزارة التربية تمنح الضوء الأخضر والنهائي للتأليف، ونحن في دار الشهاب اجتزنا هذا الامتحان والدليل أننا طبعنا ثلاثة كتب مدرسية في شهر مارس/آذار، ونتواجد اليوم بكل المدراس الجزائرية". أما مدير دار "سيديا"، الحاج إبراهيم، فقد رفض التعليق حول الملف، والخوض في قضية صفقات تأليف ونشر الكتب المدرسية، وفقا لما أكده موظفو خلية الاتصال لدار النشر "سيديا" لـ"العربي الجديد".
تجاوزات في التوظيف
أفاد رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ بأن الملف المقدم للقضاء الجزائري تضمن تجاوزات في التوظيف بالديوان الوطني للمطبوعات المدرسية. وتكشف الوثائق المتوفرة لدى "العربي الجديد" توظيف بنت أخ مدير الديوان إبراهيم عطوي وزوجها في مركز التوزيع بقسنطينة، مسقط رأسه، واثنين من أقارب زوجته، علما أن هذا المركز يتكون من 13 عاملا فقط.
وفي السياق يرى عبد الرحمان بن عائشة محامي معتمد لدى المحكمة العليا أن توظيف أقارب المسؤول يندرج ضمن قضية متعلقة باستغلال النفوذ والتعسف في استعمال السلطة، مصرحا لـ"العربي الجديد" : "قانون مكافحة الفساد والوقاية منه يتضمن مواد واضحة وهي نص المادة 29 . 31.32 التي توضح العقوبات التي يتعرض لها كل شخص قام بمثل هذه الافعال وتصل العقوبة اذا كان المدير او المسوول هو من قام بها مدة 10 سنوات سجنا".
في المقابل، فإنّ المدير العام للديوان الوطني للمطبوعات المدرسية عطوي إبراهيم، والذي عُيِّن في منصبه بتاريخ 10 مايو/أيار 2016، تبرأ من الوثائق التي استلم معدّ التحقيق نسخة عنها، ورفض التعليق بخصوصها، قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا يوجد أي ملف يدينني، وكل شخص لديه أوراق تثبت تورطنا أو خرقنا لقانون الصفقات العمومية، فليقدمها للعدالة وليس للصحافة"، وهو ما يعلق عليه النقابي السابق، مسعود عمراوي، بالقول لـ"العربي الجديد": "كان ديوان المطبوعات الجزائري في الثمانينيات يصدّر الكتب لعدد من الدول الأفريقية، وهو عاجز اليوم حتى عن طبع كتب للجزائريين، في ظل سوء التسيير وفضائح الفساد".
وفتح القضاء الجزائري ملف تجاوزات صفقات طباعة وتأليف الكتب المدرسية في الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية (هيئة حكومية جزائرية مكلفة بتأليف وطباعة الكتب من طرف وزارة التربية الوطنية)، بعد إيداع بن زينة شكوى لدى النائب العام بمجلس قضاء الجزائر في 26 يونيو/حزيران الماضي، فيما تمت مباشرة التحقيقات حول الصفقات المشبوهة بالديوان نهاية يوليو/تموز الماضي من طرف مفتشية المالية الموجودة حاليا على مستوى الديوان، وفق رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ. ويقول بن زينة: "أودعنا شكوى لدى النائب العام لمجلس قضاء الجزائر ضد وزارة التربية والتعليم تتضمن 22 قضية، إحداها تتعلق بمشاكل سوء تسيير الديوان وصرف أموال باهظة على مستوى هذه المؤسسة المملوكة للحكومة والتي تأخذ طابعا اقتصاديا وتجاوزات في صفقات الطبع والتأليف وغلاء أسعار الكتب واستعمال ورق ثقيل وغير صحي، وننتظر حاليا استكمال التحقيقات التي ستكشف حجم الخسائر بدقة".
الفصل من الوظيفة
يؤكد المكلف بالدراسات سابقا على مستوى الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية ياسين ميرة، أن إقالته من وظيفته، بتاريخ 13 يونيو 2019 حصلت بسبب احتجاجه برفقة عدد من العمال على التجاوزات والخروقات الممارسة بديوان المطبوعات المدرسية. ويقول ميرة الذي لم يتجاوز سنه الـ44 عاما لـ"العربي الجديد": "شبهة الفساد تحولت إلى حقيقة تعرفها جميع الإطارات والموظفين في الديوان"، معتبرا أن فصله عن العمل تحفظيا لمدة شهر، كان بتهمة تحريض العمال وإثارة البلبلة، ليفصل بعدها من منصبه بشكل نهائي برفقة 3 موظفين نقابيين، ويصرح ميرة: "الوثائق المتوفرة تثبت تجاوزات في صفقات الطبع والتأليف وحتى التوظيف بالديوان الوطني للمطبوعات المدرسية ".
10 ملايين دولار
تبرز من خلال وثائق توفرت لـ"العربي الجديد"، تجاوزات بالجملة مرتكبة من طرف الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية في ما يتعلق بالتأليف والطبع، وتشير وثيقة مؤرخة بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2018 صادرة عن إدارة الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية إلى تسجيل فائض كبير في مخزون كتب الخامسة ابتدائي والرابعة متوسط على مستوى المراكز الولائية تجاوز الاحتياجات الوطنية بكثير إذ قدرت الكتب الزائدة عن الحاجة بـ5.588 ملايين كتاب بقيمة تعادل 1.13 مليار دينار جزائري ما يعادل 10 ملايين دولار، علما أن هذه الكتب تم طبعها على مرحلتين في سنتي 2018 و2019 وهي آخر سنة للتدريس بها وسيتم استبدالها بكتب جديدة سيشرع في التدريس بها بداية من شهر سبتمبر/أيلول، وهو ما تبرزه الوثيقة المرفقة، ويؤكده ياسين ميرة، المسؤول السابق بإدارة الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية.
ويرى ميرة أن طبع كتب إضافية زائدة عن احتياجات التدريس خلال سنة واحدة بحجم لم يطبع به من قبل طيلة 7 سنوات من استعمال هذه الكتب في التدريس، أمر غير مبرر ويحتاج إلى التفسير. ويعتبر النائب في المجلس الشعبي الوطني مسعود عمراوي أن فائض الكتب المسجل خارج حاجة المدارس يفتح فرضية "رغبة الديوان في التوجه للخواص، لتوقيع صفقات جديدة، وهو ما يجعل إدارة الديوان تماطل في تجديد مطابعه رغم توفر الأموال"، ويضيف النقابي السابق في القطاع أنه "وفق إحصائيات دقيقة تثبتها الوثائق، اتضح انتقال مخزون الكتاب المدرسي من 9 ملايين كتاب سنة 2016 إلى 20 مليون كتاب سنة 2018 (الرقم زائد عن حاجة المدارس) نتيجة مضاعفة الطبع، الأمر الذي يثير الشك، والهدف منه الاستفادة القصوى من الأرباح التي تدر في جيوب أصحاب المطابع الخاصة بالرغم من أن السنة المقبلة لا تستعمل فيها هذه الكتب التي سترمى في المزابل".
المطابع الخاصة متورطة
استمر ديوان المطبوعات المدرسية في التعامل مع مطبعة "الهلال" الخاصة رغم مراسلة المدير العام من طرف المديرية الولائية للتجارة في الجزائر العاصمة بتاريخ 4 أكتوبر/تشرين الأول 2016 تحت رقم 447 التي تحوزها "العربي الجديد"، يكشف من خلالها إلزامية وقف التعامل مع هذه المطبعة والتحول إلى المطابع المملوكة للحكومة، حسب تقرير اللجنة المؤرخ بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول 2016.
وبالرغم من أن القانون يستوجب إقصاء هذه المطبعة من الصفقات، فقد استمرت في الاستفادة من صفقات الكتب، خلافا لما ينص عليه قانون الصفقات العمومية. واستفادت المطبعة نفسها من طبع كتاب الجغرافيا والتربية المدنية للسنتين الثانية والثالثة متوسط والجغرافيا للرابعة متوسط وطبع بعض كتب الثالثة ابتدائي سنة 2017 ، كما تم إبرام اتفاقية مع هذه المطبعة تهدف إلى طبع أوراق الإجابة الخاصة بالامتحانات ومواد أخرى وقيام مراكز التوزيع التابعة للديوان بالولايات ببيع هذه المنتجات (خلال نفس السنة أي 2017) حسبما تثبته الوثائق.
يؤكد عبد الرحمن بن عائشة محامي معتمد لدى المحكمة العليا، أنه في ما يخص مخالفة قانون الصفقات العمومية، سواء كانت صفقات وطنية أو دولية أو صفقات بالتراضي أو صفقات بالمزاد العلني، فالمادة 26 من قانون محاربة الفساد 06/01 تؤكد أنه "يعاقب كل من تورط في منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية بالحبس من سنتين إلى 10 سنوات وغرامة مالية من 200 ألف دينار جزائري، أي 1800 دولار، إلى مليون دينار (9 آلاف دولار) لكل موظف عمومي يقوم بإبرام عقد أو يراجع عقد أو اتفاقية تخالف الأحكام التشريعية، وهو ما يتعارض مع القانون، ويطبق عليه منح امتيازات غير مبررة في هذا المجال".
مراسلات المعهد الوطني للتربية
كشفت وثائق صادرة عن المعهد الوطني للبحث في التربية (هيئة عمومية تابعة لوزارة التربية والتعليم الجزائرية مختصة في اعتماد الكتب المدرسية)، أن صفقات التأليف منحت لدور نشر رفضتها لجنة الدراسة التابعة للمعهد، منها الصفقات الممنوحة لدار النشر "الشهاب"، وتتعلق الكتب المرفوضة بالرياضيات ودفتر الأنشطة للمستوى الابتدائي، وكتابي الرياضيات للسنة الثانية والثالثة متوسط، إذ تم رفضها في الاجتماع المنعقد بتاريخ 10 يونيو 2017، في المقابل لم ينشر الديوان كتاب اللغة الفرنسية للسنة الثانية متوسط، لدار النشر "سيديا" الذي وافقت عليه لجنة الدراسة خلال نفس الاجتماع، وهو ما تثبته المراسلات بين الديوان والمعهد الوطني للتربية.
وتؤكد الوثائق الصادرة عن الديوان أن تكلفة تأليف كتب السنة الثالثة والرابعة من التعليم الابتدائي المتعلقة بجميع المواد الدراسية والتي يتراوح عدد صفحاتها بين 80 و142 صفحة، قدرت بـ11 مليون دينار، أو 100 ألف دولار، للمادة الواحدة، ويتعلق الأمر بـ7 كتب مدرسية لكل مستوى تعليمي، ويقول في السياق ميرة إنه "لم يسبق لأي دار نشر عمومية أن تعاملت بهذه المبالغ الضخمة". ويرد عز الدين قرفي مدير دار النشر "الشهاب" على هذه الاتهامات قائلا في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "هناك دفتر شروط واضحاً يحدد المعايير التي يمكن على أساسها منح الحق لدور النشر بالتأليف، فضلا عن وجود لجنتين على مستوى وزارة التربية الوطنية وهي من توكل لها مهام دراسة العروض المقدمة من طرف دور النشر وبناء على التقارير التي تضعها يتم منح الصفقات، وهناك معايير تقنية وأخرى بيداغوجية فضلا عن وجود لجنة أخرى على مستوى وزارة التربية تمنح الضوء الأخضر والنهائي للتأليف، ونحن في دار الشهاب اجتزنا هذا الامتحان والدليل أننا طبعنا ثلاثة كتب مدرسية في شهر مارس/آذار، ونتواجد اليوم بكل المدراس الجزائرية". أما مدير دار "سيديا"، الحاج إبراهيم، فقد رفض التعليق حول الملف، والخوض في قضية صفقات تأليف ونشر الكتب المدرسية، وفقا لما أكده موظفو خلية الاتصال لدار النشر "سيديا" لـ"العربي الجديد".
تجاوزات في التوظيف
أفاد رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ بأن الملف المقدم للقضاء الجزائري تضمن تجاوزات في التوظيف بالديوان الوطني للمطبوعات المدرسية. وتكشف الوثائق المتوفرة لدى "العربي الجديد" توظيف بنت أخ مدير الديوان إبراهيم عطوي وزوجها في مركز التوزيع بقسنطينة، مسقط رأسه، واثنين من أقارب زوجته، علما أن هذا المركز يتكون من 13 عاملا فقط.
وفي السياق يرى عبد الرحمان بن عائشة محامي معتمد لدى المحكمة العليا أن توظيف أقارب المسؤول يندرج ضمن قضية متعلقة باستغلال النفوذ والتعسف في استعمال السلطة، مصرحا لـ"العربي الجديد" : "قانون مكافحة الفساد والوقاية منه يتضمن مواد واضحة وهي نص المادة 29 . 31.32 التي توضح العقوبات التي يتعرض لها كل شخص قام بمثل هذه الافعال وتصل العقوبة اذا كان المدير او المسوول هو من قام بها مدة 10 سنوات سجنا".
في المقابل، فإنّ المدير العام للديوان الوطني للمطبوعات المدرسية عطوي إبراهيم، والذي عُيِّن في منصبه بتاريخ 10 مايو/أيار 2016، تبرأ من الوثائق التي استلم معدّ التحقيق نسخة عنها، ورفض التعليق بخصوصها، قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا يوجد أي ملف يدينني، وكل شخص لديه أوراق تثبت تورطنا أو خرقنا لقانون الصفقات العمومية، فليقدمها للعدالة وليس للصحافة"، وهو ما يعلق عليه النقابي السابق، مسعود عمراوي، بالقول لـ"العربي الجديد": "كان ديوان المطبوعات الجزائري في الثمانينيات يصدّر الكتب لعدد من الدول الأفريقية، وهو عاجز اليوم حتى عن طبع كتب للجزائريين، في ظل سوء التسيير وفضائح الفساد".