تمكن وزير مالية حكومة جنوب دارفور أقصى الغرب السوداني، عبد الحافظ عطا المنان من ضبط 299 حالة وفاة و102حالة غياب، مازالت أجورهم مستمرة منذ العام 2015 أثناء حوسبة المرتبات في مارس/آذار الماضي، وهو ما وفر للولاية 8 ملايين جنيه سوداني شهرياً كما قال لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى وجود شبكات تخصصت في مجال صرف المرتبات لغير مستحقيها، وهو ما حدث في ولاية الخرطوم (المركز الاتحادي لكل أجهزة الرقابة على المال العام)، إذ أسفرت مراقبة صرف الرواتب لشهر أكتوبر/تشرين الأول 2017 بمحلية (بلدية) بحري شمال الخرطوم، عن اكتشاف 104 حالات وفاة وحالات بلوغ السن القانونية للمعاش وحالات غياب وعاملين تم نقلهم، وما زالت مرتباتهم تستخرج وفق ما جاء في الصفحة 34 من خطاب "المراجع العام أمام المجلس الوطني، الخاص بنتائج مراجعة حسابات العام المالي 2017"، الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه والتي عرضها المراجع العام القومي، الطاهر عبد القيوم إبراهيم، أمام المجلس الوطني بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
فساد إداري في ولايات السودان
بلغ إجمالي ما تم صرفه من المرتبات دون وجه حق لموقوفين فصلوا من العمل في (وزارة الصحة ولاية الخرطوم) حوالي 98 ألف جنيه بحسب الصفحة 16 من تقرير "نتيجة مراجعة الحسابات الختامية لولاية الخرطوم عن العام المالي 2017"، وهو ما يخالف المادة 4/247 في الفصل الخامس "تعويضات العاملين، العلاوات والبدلات، سجلات العاملين" من لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2011 التي تنص على أن "تعد سجلات شؤون العاملين (أنموذج شؤون الخدمة رقم 10 من واقع ملفات العاملين، وعند إجازة الموازنة العامة تجرى التعديلات اللازمة على سجلات العاملين، لتكون متطابقة مع تلك الموازنة، وترسل سنويا صورة من السجلات المذكورة في البند 2 إلى إدارة الحسابات لإعداد الأجور بموجبها ويعتبر ذلك مرجعية الصرف، ويجب على رئيس الوحدة إدخال النظام الإلكتروني لحفظ سجلات العاملين بوحدات شؤون الأفراد وربطها بإدارة الحسابات بالوحدة" وفق تأكيد المحامي والبرلماني عن حزب المؤتمر الشعبي السوداني (يمين معارض) وعضو لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني السوداني كمال عمر لـ"العربي الجديد".
وتبدأ الدورة المستندية لصرف الرواتب من إدارة شؤون الخدمة المدنية عند إجراءات التعيين والراتب المستحق حسب الدرجة الوظيفية، ومنها يذهب ملف العامل، أو الموظف إلى إدارة شؤون الأفراد بوحدته، ومنها تبدأ الدورة المحاسبية في ما يتعلق باستلام الموظف لمستحقاته المالية في إدارة الحسابات بعد التصديق عليها من وزارة المالية بحسب وكيل وزارة العمل والإصلاح الإداري صديق بشير.
وتؤكد النائبة عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم ورئيسة لجنة التشريع والحكم المحلي وحقوق الإنسان بمجلس تشريعي ولاية الخرطوم، القانونية ستنا آدم يحي لـ"العربي الجديد" أن ما يحدث من صرف رواتب متوفين ومفصولين، فساد إداري يؤدي إلى فساد مالي واضح له علاقة بالدورة المستندية والمحاسبية، ولفتت إلى أن الترتيب الإجرائي يشير إلى المشاكل الكبيرة التي تعاني منها الخدمة المدنية بالخرطوم وسلوك الموظفين فيها كما تقول.
لكن بشير قلل مما تضمنه تقرير المراجع العام بالقول: "هذا لا يمكن أن يحدث إطلاقاً وما أورده المراجع العام مستحيل بعد اتباع نظم تقنية المعلومات وأرشفة الملفات إلكترونيا وتحويل المرتبات إلى البنوك، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن وزارة المالية تسدد الفصل الأول من الميزانية الخاصة بتعويضات العاملين، مقابل مستندات وكشوفات بأسماء العاملين، بمعنى أن وزارة المالية تطالب شهريا بتحديث ملف الموظف وهل هو موجود، أو متغيب عن العمل؟ لأي سبب من الأسباب كما يقول.
بالمقابل يرد مصدر رفيع في ديوان المراجع القومي (فضل عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام) على بشير، بالقول لـ"العربي الجديد" إن موظفي إدارة تعويضات العاملين بديوان المراجعة يقدمون تقارير على درجة عالية من الدقة ويقضون شهورا، قد تصل إلى خمسة أشهر في مراقبة الصرف والتنقيب في ملفات الموظفين بالوحدات الخاضعة للمراجعة وكل محلية من محليات الخرطوم السبع والتي تضم 24 وحدة إدارية و25 وحدة إيرادية، تخضع للتدقيق والمراجعة من قبل فرق متخصصة بديوان المراجعة، وهو ما يؤيده المحامي عمر، مشيرا إلى أن الطعن في مصداقية المراجع العام تغبيش للحقائق، لأن المراجع العام ظل للأعوام الثلاثة من 2015 حتى 2017، يكرر نداءاته في شكل التقارير الرسمية أمام البرلمان بمعالجة ظاهرة صرف الرواتب للمتوفين والمتغيبين.
مخالفات مالية
بلغ عدد المخالفات المالية بولاية الخرطوم 64 مخالفة في العام 2017، بقيمة 23.9 مليون جنيه بحسب الصفحة 19 من تقرير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية والقوى العاملة وشؤون المستهلك بمجلس تشريعي ولاية الخرطوم، فيما بلغ الاعتماد الفعلي لبند تعويضات العاملين بالخرطوم قرابة 5 مليارات جنيه سوداني بحسب تقرير نتيجة مراجعة الحسابات الختامية لولاية الخرطوم عن العام المالي 2017، بنسبة 31% من موازنة السودان العامة في 2017، بحسب تقرير حصلت عليه "العربي الجديد" كانت مديرة جهاز المراجعة القومي لولاية الخرطوم عائشة حواية الله قد عرضته أمام مجلس تشريعي الخرطوم في يونيو/حزيران الماضي.
وتجاوزت ولاية الخرطوم الاعتمادات المصدقة للمصروفات والتي تعد تعويضات العاملين أول بند فيها بنسبة 105% بينما تجاوزت ولاية جنوب دارفور غرب السودان بنسبة 109% وولاية البحر الأحمر بنسبة 105% بحسب الصفحة 70 من تقرير نتيجة مراجعة الحسابات الختامية، الذي لم يحدد نسبة التجاوز في بند الاعتمادات المصدقة، في كل من ولايتي الجزيرة والقضارف رغم وجودها ضمن نماذج التجاوزات في استخراج أجور غير مستحقة ولم يتناول التقرير بقية ولايات السودان وعددها 12 ولاية.
غياب الشفافية الحكومية
تنص المادة 4 من لائحة الخدمة المدنية على أنه "يجب على مسؤول شؤون الخدمة في الوحدة المعنية التأكد من المعلومات المدونة بدفاتر الأجور والتوقيع عليها واعتمادها من رئيس الوحدة، أو من يفوضه قبل تحويلها للصرف".
ويؤكد تقرير نتيجة مراجعة الحسابات الختامية لولاية الخرطوم عن العام المالي 2017 أن غياب المساءلة والمحاسبة والشفافية من قبل الدولة، شجع على تكرار ظاهرة الصرف دون وجه حق لأكثر من ثلاث سنوات متتالية، وهو ما يؤكده أستاذ الاقتصاد بكلية النبلاء للعلوم والتكنولوجيا الخاصة، الدكتور محمد الزاكي، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن عدم المحاسبة يساهم في انتشار الظاهرة ويشجع على تكرارها، محذرا من خطورة ذلك على الموازنة العامة للبلاد، ما يتسبب في زيادة الإنفاق العام بشكل غير مبرر ويسمى في علم الاقتصاد بأنه (اقتصاد غير داعم للنمو)، مطالباً بتفعيل القوانين وهيكلة المؤسسات التي وصفها بالمترهلة، ويوافق المحامي عمر والنائب مبارك النور على ضرورة سن تشريعات رادعة للحد من التجاوزات في تعويضات العاملين التي تتكرر كل عام في تقرير المراجع العام، وساهم غياب القوانين ومحدودية صلاحيات المراجع العام وفقدانه لصلاحيته بفتح بلاغات مباشرة في مثل هذه الحالات، في استمرار الظاهرة بحسب مبارك، واصفا وجود موتى وآخرين على المعاش في كشوف الرواتب بالجريمة المركبة لحرمان أشخاص من الوظيفة العامة، وأخذ حق موتى وأكل مال الدولة بالباطل.
تسويات ودية
تنص المادة 123 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 بأن من ارتكب جريمة التزوير في المستندات أو يستخدم أو يسلم غيره مستندا مزورا بقصد استخدامه مع علمه بتزوير المستند يعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز خمس سنوات كما تجوز معاقبته بالغرامة، فإذا وقع من موظف عام في سياق وظيفته يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سبع سنوات، كما تجوز معاقبته بالغرامة.
وظاهرة صرف رواتب لغير مستحقيها تدخل ضمن سياق التزوير من ناحية التكييف القانوني في المحاضر الرسمية وفقاً للمادة 123 من القانون الجنائي، والجهة الرسمية هي المتهمة، أي الوحدة محل ارتكاب المخالفة بحسب المحامي عمر، والذي قال إن المشكلة الأساسية تكمن في العقلية التي تدير الشأن العام السوداني من خلال تعاملها، بفقه تسوية قضايا المخالفات المالية، مضيفا أن الشق الجنائي من تقرير المراجع العام، يفترض أن يجري إحالة الأمر إلى النيابات وهذا لا يحدث حسب قوله.
ويصار إلى تسوية هذه القضايا وديا، مقابل استرداد المبالغ المالية المعتدى عليها، دون فتح بلاغات جنائية ضد مرتكبي هذه المخالفات المالية في الخرطوم وفق إفادة ستنا آدم يحي، التي لم تسمع منذ جلوسها على كرسي المجلس بإدانة أحد الموظفين في موضوع استلام مستحقات دون وجه حق كما تقول.
ويؤكد وزير مالية جنوب دارفور عبد الحافظ عطا المنان، أن حكومته لم تتوجه إلى فتح بلاغات جنائية ضد المتورطين في صرف أجور دون وجه حق، وفضلت التسويات المالية حفاظاً على استقرار دولاب العمل، رغم توصية ديوان شؤون الخدمة المدنية الاتحادي باتخاذ إجراءات قانونية، مشيرا إلى أنه لا يحق لهم كتنفيذيين التنازل عن المال العام الذي صرف دون وجه حق، وإذا لم تمض التسويات في استرداد المبالغ المنهوبة في اتجاهها الصحيح، فإنه سيتم فتح بلاغات جنائية في مواجهة المتورطين.