الفرق بين المجزرة والمجزرة.. أنت!

16 اغسطس 2015
الكلّ ينسى مجزرة الميدان الآخر (Getty)
+ الخط -
(1)
يا نار في قلبي والعه من غير فحم
إزاي ح نفصل عضمنا م اللحم
القلب واحد.. صابوا نفس السهم
سوا غلابه.. جوا نفس المعجنه


(2)
اللعنة تُصيبنا جميعاً في مقتل، وليس هناك غير الدم لعنة، تقتلنا وتلعننا ليل نهار وفي الأحلام.. وخارج سياق المرحلة.
فالدم المسفوك المهدور في مجزرة الفضّ يلاحق جيلنا -الشائب من الأهوال-، وحياتنا وعقولنا المكدسة وجعاً، ويلاحق أرواحنا المأسورة هناك في هذا الميدان، يفتك بذاكرتنا المكلومة كل عام، ثم يمنحنا الهدوء العاصف لكياننا كعذابٍ مرادف.

ووسط اجترار العذابات والآهات والحسرات واليأس المقنّع، تُمارس نفوسنا المهترئة التفريق والتمييز والتعنصر.. بين دمٍ ودمٍ، وروحٍ وروح، وبين مجزرةٍ هنا وأخرى هناك، بين جسدٍ محترقٍ وآخر متفحّم؛ وبعثرات اللحم في الميدانين.

الكلّ ينسى مجزرة الميدان الآخر؛ بقصدٍ أو دون قصد؛ يُميز بين شهدائه من خلال الشخصية والمكانة والشهرة والمشاعر؛ والكلّ ينسى طالما معارفه من الشهداء في الميدان الأشهر، الكلّ ينسى طالما الإعلام والطبقات تُفندّ وتُصنّف على حسب الهوى؛ طالما الكاميرا الدائرة هنا ليست هناك، الكل ينسى "النهضة"، هى الأخرى مجزرة ومحرقة، الصور ومقاطع الفيديو لا تزال قليلةً ضئيلةً غير مؤرّخة أو مأرشفة، والكتابات شبه منعدمة على استحياء ليست بحجم الجرم وبشاعته، وعدد الشهداء والمصابين والمفقودين والمعتقلين لا يعلمه أحد، والأسماء لا يتذّكرها أحد لأنه لا يعرفها؛ هل نعرفها؟!

نحن ظالمون كالطغاة -علينا أن نعترف بذلك-؛ كوائدي الشهداء في المحرقة، نتذكرّ الأحباب والأصدقاء وبعض مِمَّن رأيناهم وتعوّدنا عليهم فألفنا صورهم وأصواتهم وحدّثنا عنهم الأجيال والإعلام والتاريخ، لكن أين البسطاء من أحاديثنا؟ أين الذين لا نعرفهم من ذكرياتنا وتاريخنا؟ أين الأقاصيص وحكايا أصدقائهم؟، بحق الله ماذا تعرفون عن معتصمي النهضة؟! هل يستحقّون؟!، صمتٌ مطبق.. لا أحد يريد الإجابة؛ لا أحد يعرف الإجابة في أساس الأمر، فآثرنا إسقاطهم من رثائنا وتأوهات قلوبنا!.

(3)
ما انتاش أخويا يا شهيد.. أنت أنا
أنا اللي مُت باصلي في بداية سنه
وفي الجراح المؤلمة ما انتاش لوحدك
دي مظلمة وحزينه حياتنا كلنا

(4)
لم تكن فقط ممارسات نفوسنا المهترئة تُفَرِّق وتُميِّز بين دماء وشهداء المجزرة الواحدة، فعلى الصعيد الآخر من الفكر السياسي فإن بعض الناشطين يمارس تُرّهات التفريق والتمييز ذاتها بين دماء مجزرتي رابعة والنهضة وبين دماء الذين سقطوا تقتيلاً، خلال الأحداث، إبّان حكم المجلس العسكري لمصر، هكذا ببساطة ليس الدم سواء!

تخرج علينا الناشطة والصحافية، نوارة نجم، في ذكرى المجزرة تصرّح فيما معناه، أنه لا داعي لإحياء الذكرى كل عام، فهي مشاجرة بين الإخوان والعسكر لا ناقة لنا بها ولا جمل، وأنهم يوجهون الضربات، كلٌ للآخر وليس لنا دخلٌ في شؤونهم النجسة، فهي ترى صراحةً أن أسوأ ما مرّ عليهم هو اعتصام رابعة، وفضه، وإحياء ذكراه!

كما يثّمن عضو مجلس الشورى السابق والناشط السياسي، محمد أسامة الخولي -يعمل مديراً لفرع أحد البنوك الخاصة في الجيزة- ما اقترفته وزارة الداخلية والعسكر في عملية فضّ ما سماه ميدان هشام بركات -النائب العام السابق- وقال: تسلم الأيادي بصراحة!

لم يختلف عنهما خالد تليمة، الناشط وعضو ائتلاف شباب الثورة السابق، حين اعتبر اعتصاميّ رابعة والنهضة ليس سلمياً بل مسلحاً يهددّ المجتمع ويرهبه، ولم يكن من الممكن السكوت عنه، فقد جربنا في السابق الاعتصامات السلمية الحقيقية كما في اعتصامات التحرير خلال الأعوام الثلاثة الأولى للثورة، وهذا لا نطلقه على اعتصامات الإخوان! -على الرغم من أن كثيراً من الناشطين أكد وجود أسلحة في اعتصامات الثورة الينايرية كلها!!

أمثال هؤلاء كُثر، منهم الناشطة إسراء عبدالفتاح والكاتب الناشط، عمرو صلاح، والمحاميان الناشطان عمرو عزّ وطارق الخولي ...إلخ، مَن هاجموا الإخوان كزخّات الرصاص لأنهم تخلّوا عنهم في أحداث محمد محمود وسقط الشهداء على أعتاب ميدان التحرير، اليوم لا يَرَوْن الشهداء ولا الدماء ولا اللعنات، أمثالهم مَن تدّنوا لمستوى القاتل مساواةً ومنزلةً، مَن خلعوا رداء إنسانيتهم على أعتاب المجزرة والمصلحة!

(5)
الأوله خالد.. والتانيه مينا.. والتالته عصام
دم الشهيد واحد ولسه بيجري فينا.. بيحارب الإجرام

(6)
هناك نوعٌ نجسٌ من التواطئ مع القاتل؛ عندما تكون في أساس الأمر حقوقياً تدافع عن الحقّ للخصم قبل الرفيق والحليف، فتتخلّى عن حقوق خصمك وتُقدمه لعدوكم غدراً لا لشيءٍ سوى أنك تختلف معه وتعارضه ولا تقبله، فهو الآخر على الرغم من كل تُرّهات المبادئ!

حافظ أبو سعدة ذلك الحقوقي رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أرغى وأزبد أن الفضّ التزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان في فض الاعتصامات بالقوة وأن وزارة الداخلية التزمت بتلك المعايير ولم تخلّ بها!

في حين أظهرت داليا زيادة مدير المركز المصري للدراسات الديمقراطية تشّوهاً إنسانياً حقوداً، عندما وجدت أن ذكرى مجزرة الفضّ هو انتصار كبير لمصر في حربها على الإرهاب لأن الاعتصامان كانا وكراً له، ولولا قوة الفضّ ما احتفلوا بافتتاح تفريعة السويس الجديدة وما تغيرت صورة مصر أمام العالم!!

أما أستاذها الدكتور، سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية أتى بما لم يأتِ به أحد، فقال عندما كان الاتحاد الأوروبي في طريقه إلى إدانة فضّ اعتصاميّ رابعة والنهضة واتخاذ قرار بفرض عقوبات اقتصادية على مصر، تدّخل هو ورجل الأعمال، نجيب ساويرس، والكاتب محمد سلماوي والناشطة منى ذو الفقار للحيلولة دون ذلك، فالاعتصامان كانا عائقاً حياتياً للمواطنين ولا بدّ من فضّه!

(7)
أنا باعترف بانحيازي للميدان الحي
وللشهيد اللي انقتل بالرصاص الحي


*الأبيات الشعرية للشاعر الشاب أحمد حداد.


(مصر)

المساهمون