الـحـلــم.. في الطريق إلى الماضي

28 يناير 2015
أخاف أن نختبئ ولا نعود لمشاهدة التاريخ (Getty)
+ الخط -

آخر أيام الخريف، أو ربما كان الشتاء قد بدأ، يأتي الهواء من خلفه كأنه يداعبه ويؤنس وحدته، رغم أن الطريق كان كالسماء يومها مفروشًا بالسواد إلا أنه يعلم طريقه جيدًا، تلك النجوم القليلة اللامعة كانت كافية له للعودة إلى المنزل. أخذ هاري يُفكر في المباراة التي كان يُشاهدها منذ فترة، وكيف قلب ريال مدريد خسارته إلى فوزعريض. قفزت ذكرى مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا في إسطنبول أمام عينه فالتقطتها رأسه وأخذت تُعيد المباراة في مُخيلته، ويتذكر كيف قلب ليفربول هو الآخر خسارته إلى فوز حتى وإن كان بضربات الجزاء.

لم يُخرجه من بوابة الذكريات إلا صوت قدميه وهما تدوسان أوراق الشجر الناشفة، ليضع قدمه على أرض الواقع مرة أخرى.

دخل إلى المنزل واتجه إلى غُرفته مباشرةً. وقف أمام المرآة وفي انعكاسها رأى صور كل نجومه المفضلين، من كل الأزمان، كرويف ومارادونا.. الظاهرة رونالدو وبيرلو.. توتي ومالديني وبجانبهم ديلبييرو وباجيو يليهم زامورانو وأوليفركان وصورة موللر بجانب صورة بيليه وميلا وصورة ميسي يُصافح كريستيانو رونالدو، ربما من الغريب على البعض أن يضع أحدهم صورة ميسي وكريستيانو في غرفته، فمن يحب كريستيانو في الغالب يكره ميسي والعكس صحيح، أما بالنسبة لهاري فالأمور كانت مختلفة تمامًا، هاري ربما يشجع فريقًا على حساب الآخر، ولكنه لا يُقلل من حجم لاعب فقط لكونه في الفريق المُنافس. هاري يُحب كرة القدم، يُحب الروح التي تدبها الكرة في جسد مُحبها.

أغمض عينيه لثانية وقال: أتمنى لو كُنت موجودًا في كل العصورالكروية تلك. أتمنى لو عاصرت كل هؤلاء النجوم وعرفت حكاياتهم ورأيت بعينيّ ما كانوا يفعلونه بالكُرة، فقط أتمنى!

فتح عينيه مُبتسمًا قبل أن يتجه إلى فراشه، تحت صور نجوم معشوقته الأولى، كرة القدم.

لم يحتج هاري إلى أكثر من دقيقة ليغرق في نوم عميق، قبل أن يشعر بيد تربت على كتفه برفق، ولم يكد يفتح عينه حتى شعر بالهلع. هذا الرجل ذو اللحية البيضاء الطويلة ليس والده بكل تأكيد!!

هاري: من أنتَ وكيف دخلت إلى هُنا؟

- أنا؟ أنا ما تُريد وأنتَ من استدعيتني إلى هُنا، أنا الوحيد في العالم الذي عاصر كل هؤلاء(مُشيراً إلى صور اللاعبين)، أنا.. أنا التاريخ بذاته.

هاري: وكيف استدعيتك إلى هُنا، أنا لم أفعل شيئًا سوى التمني.

- وهذا سبب وجودي هُنا، اللحظة التي تمنيت فيها أمنيتك صادفت اللحظة التي اكتمل فيها القمر، وفي تِلك اللحظة هناك أمنية مُجابة لشخص واحد في العالم، هكذا تقول الأسطورة، أنتَ هذا المحظوظ يا هاري!

هاري: هل تقصد أنك قادر على أن تُريني كل هؤلاء النجوم؟ أراهم بعينيّ؟؟

العجوز: فلترَ ذلك بنفسك.

أمسك بيد هاري ووقف تحت صور النجوم، وقال: يُمكنك مُناداتي بــ "ستوريا" والآن، أغمض عينيك.

شعر هاري بدوار، وشعر أنه يُسحب كما تُسحب الروح من الجسد. لم يستطع أن يغلق عينيه أكثرمن ذلك. فتحهما ليجد نفسه جالساً في مُدرجات ملعب لكرة القدم. لم يكن يعلم أين هو بالتحديد ولكنه كان يعلم أنه في إنجلترا. ألقى نظرة على مقاعد البُدلاء ليرى الشاب "أليكس فيرجسون" واقفًا على الخطوط، فعلم أنه يشاهد مباراة لمانشستر يونايتد. الجميع في المدرجات يهتف "إيريك الملك إيريك الملك" وعلى أنغام غناء الجماهير، وقف هاري يشاهد المباراة. جذب ريكارد شو، مدافع كريستال بالاس، إيريك كانتونا من قميصه ليقوم الأخير بركله ركلة عنيفة، فأظهر له الحكم البطاقة الحمراء لتأمره بالخروج من الملعب. وعندما هَم الملك إيريك بالخروج أهانه أحد مشجعي كريستال بالاس، فلم يكن من كانتونا إلا أن طار برشاقة لاعبي الكونغ فو، ليركل مشجع كريستال بالاس في صدره، قبل أن يخرج من الملعب غير مُهتمٍّ بأي شيء من حوله.

هاري: ماذا سيفعل؟ كيف سيبرر فعلته تلك أمام الصحافة الإنجليزية والعالمية؟ كيف؟

ستوريا: بطريقته الخاصة، بطريقة إيريك، أنظر.

وجد هاري نفسه في قاعة يملؤها الصحافيون وإريك جالسًا على منصة أمامهم، زادت الأسئلة عن الضربة التي وجهها إيريك لمشجع كريستال بالاس فوقف كانتونا قائلًا:"طيور النورس تُلاحق سفن الصيادين لأنها تعتقد أن هُناك سمكًا سيُلقى في البحر". بدت ملامح التعجب على وجوه الصحافيين. لم يفهم أحدهم كلام كانتونا، الذي تركهم يغرقون في بحر حيرتهم وغادر القاعة دون أن ينطق بكلمة واحدة.

سارهاري خلف إيريك الذي دخل إلى سيارته، نظر إليه سائقه فقال له إيريك: إلى المنزل.. ســريعًـا.

تحرك السائق بالسيارة وبداخلها إيريك وهاري وستوريا بالطبع، أعاد السائق النظرة لكانتونا وقال له: هل لي أن أسأل سؤالًا.

قال إيريك: بخلاف الركلة أرجوك، إسأل!

السائق: أنا لم أفهم كلماتك في المؤتمر، ماذا كنت تعني؟

إيريك: لم تكن تعني شيئًا مُحدداً، الجميع كان متلهفاً لمعرفة سرالركلة تلك. احتجت فقط إلى بعض الغموض لأرفع كل تلك الضغوط عن كاهلي. كان عليك أن تكون مكاني وتُشاهد كل تلك الوجوه المحدقة بي دون أن تفهم، إنه شيء كالسحر، ولكن يمكن أن نقول الصيادون هم لاعبو الكرة وطيور النورس هي الصحافيون، أما السردين فهي التفاهات التي ينتظرها الصحافيون بلهفتهم البلهاء تِلك.

وصل الملك المُشاغب إلى منزله، وقبل أن يُغلق باب سيارته كان هاري وستوريا قد خرجا منها.

نظر ستوريا إلى هاري وقال: لا أحد يستطيع رؤيتنا أو سماعنا ولكن علينا أن نختبئ في مكان آمن قبل أن تدق الساعة الثانية عشرة صباحًا. لن نستطيع الخروج والاختلاط بالعوام من الثانية عشرة صباحًا وحتى مَشرق الشمس، فلنذهب للاختفاء الآن، قبل أن تُفاجأ بمغامرتك القادمة.

هاري: أخاف أن نختبئ ولا نعود لمشاهدة التاريخ. لقد بدأت تحقيق حِلمي للتو، لا تسلبني إياه أرجوك.

ستوريا (مُبتسمًا): سنعود، سنعود. أعدك بذلك.


*مصر

المساهمون