تواصل قوى المعارضة السوريّة في الغوطة الشرقيّة رفض أي عروض للهدنة، يقترحها النظام عبر وسطاء محليين، وفق ما علمته "العربي الجديد"، ما دفع بقائد "جيش الإسلام"، زهران علوش، إلى حدّ تخوين كلّ شخص يفاوض النظام من دون الرجوع لأهل "الحلّ والعقد"، على حدّ تعبيره.
ويوضح الناطق باسم "جيش الأمة"، أحد أبرز التشكيلات المقاتلة في الغوطة الشرقية، أمير الشامي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "أطرافاً داخلية تنسّق مع النظام للتوصّل إلى هدنة في الغوطة الشرقيّة"، ويشدد على أن "جيش الأمة رفض الهدنة بشكل كامل، ورفض مجرّد الحديث مع الوفد المرسل لهذه الغاية قبل نحو أسبوع، لأنّ النظام المجرم لا يحترم أيّ اتفاقات".
وعلى الرغم من أنّ بإمكان فصائل "الغوطة الشرقيّة"، وفق الشامي، "الاستفادة من الهدنة لإعادة الهيكلة بشكل أفضل على الصعيد العسكري، وتنظيم الأمور الإداريّة والمدنيّة، لكنّ النظام يُثبت في كل المناطق أنّه لا يحفظ عهداً ولا يمكن الوثوق به، ولهذا نرى أنه ما من حلّ إلا باستئصاله بشكل كامل".
من جهته، يؤكد الناطق باسم "جيش الاسلام"، عبد الرحمن الشامي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الكلام عن هدنة ما هو إلا شائعات يبثّها النظام بين المدنيين، ليُضعف عزيمتهم وثباتهم وليوهمهم أنّ خلاص هذه الحرب هي في الهدن والمصالحات"، مميّزاً بين "المصالحة كمصطلح جديد يعبر عن استسلام مذلّ، والهدنة التي هي وقف لإطلاق النار المشروط وبرضا الطرفين".
وكان قائد جيش الإسلام، زهران علوش، قد وصف يوم الأربعاء الماضي، على هامش اجتماع رابطة الإعلاميين، "المصالحات" التي جرت سابقاً في مناطق عدّة بريف دمشق، على أنّها "اتفاقيات استسلام مذلّة، ولا يمكن القبول بها إطلاقاً".
وفي موازاة نفي علوش تلقّيه أي عرض للهدنة، يرى أنّ "الجهة المخوّلة للبتّ بالأمر هي "أهل الحلّ والعقد" في الغوطة"، في إشارة إلى لجنة تضمّ أعيان البلد والقادة المؤثرين وأصحاب الرأي، محرّماً في الوقت ذاته، على "أي شخص التفاوض مع النظام في موضوع الهدنة، من دون التنسيق معهم، وأي مخالفة لذلك هي خيانة".
ويعتبر علوش أنّ "النظام، كلما حصل بعض التراجع في الجبهات، يحرّك عملاءه في الغوطة لخذل الناس وتوهين معنوياتهم ودفعهم إلى الاستسلام"، مؤكداً أن "وضع الجبهات في الغوطة جيد، وليس كما تروّجه الشائعات، وما حصل بالتالي، هو إعادة تجميع للقوات في مناطق يمكن الدفاع عنها".
وفي ما يتعلّق برؤية المعارضة إلى الهدن، يوضح المنسّق العام "للتجمع الوطني لقوى الثورة في الغوطة الشرقية"، نزار صمادي، لـ "العربي الجديد"، أنّ "هدن مناطق الريف الدمشقي فرضها النظام بسياسة الحصار الخانق والقصف المتواصل"، ويرى أنّها "اتفاقات اذعان واستسلام"، موضحاً أنّه "على الرغم من ذلك، خرقها النظام مرات عدّة واستمر بالاعتقال والقصف والحصار".
ويرى الصمادي أن "وقف إطلاق النار هو الخطوة الأولى لأيّ هدنة، على أن تسبقها إجراءات حسن نيّة وتشمل الإفراج عن المعتقلين من النساء والأطفال، ومن هم فوق الستين عاماً، وفتح ممرات إنسانيّة للمناطق المحاصرة وخصوصاً الغوطة الشرقية، وتجنيب المدنيين كلّ أنواع القصف". ويؤكّد أنّه "بعد تحقيق ما يسبق، يجري التفاوض بشكل غير مباشر عبر طرف ثالث محايد، يُفضّل أن يكون من الأمم المتحدة، بهدف المراقبة وتحديد الاختراقات، وتحديد أماكن وزمن وقف إطلاق النار، على أن تبقى الشروط الأولى لحسن النيّة سارية المفعول". ويؤكّد في الوقت ذاته "انعدام الثقة بهذا النظام، الذي ما زال يرفع ويعمل بشعارات الأسد، "نحرق البلد، الأسد أو لا أحد"، ويقتل كل شيء وبكل أنواع الأسلحة، من دون أن يراعي حرمة طفل أو امرأة أو مدني، حتى الحيوان والنبات".
ولم ينفكّ النظام، بعد اندلاع المواجهات المسلحة مع فصائل المعارضة، أوائل عام 2012، عن تقطيع أوصال ريف دمشق، وعزل المناطق عن بعضها البعض، وفرض الحصار عليها، متبعاً سياسة عبّر عنها بشعار "الجوع أو الركوع". واضطرت تلك المناطق إلى توقيع اتفاقات "مصالحة" بعد أكثر من سنة ونصف السنة، على حصار خانق حصد أرواح العشرات، بدأت في معضميّة الشام، ثمّ شملت العديد من البلدات، جنوبي دمشق، كما القدم وببيلا وبيت سحم ومخيم اليرموك، وامتدت إلى مناطق أخرى، في برزة والقابون وحرستا وغيرها، فيما لا تزال داريا تفاوض منذ ثمانية شهور على تفاصيل اتفاق المصالحة.
وتتفاوت تفاصيل الاتفاقات من منطقة لأخرى، وتستند بشكل عام على مقايضة خروج مسلحي المعارضة، مقابل السماح بإدخال الطعام والدواء، وتسوية أوضاع من يرغب من المطلوبين للمخابرات، لكنها لم تنجح في حماية السكّان من هجمات متكرّرة لقوات النظام، وابتزازهم من خلال كميات المواد الغذائيّة التي يسمح بدخولها، واعتقال الناشطين بمن فيهم أولئك الذين خضعوا لتسوية أوضاعهم.
في المقابل، بقيت بلدات الغوطة الشرقيّة، التي تحتضن أهم الفصائل المسلّحة في ريف دمشق، كما "جيش الاسلام"، و"الاتحاد الاسلامي لأجناد الشام"، و"جيش الأمة"، و"فيلق الرحمن"، و"فيلق عمر"، و"ألوية الحبيب المصطفى"، ولواء "أسود الغوطة"، بالإضافة لـ "جبهة النصرة" وغيرها، عصيّة على الخضوع للمصالحات، بعد نحو سنتين من الحصار والقصف، ما جعلها عرضة لسلسلة من الهجمات المتكرّرة بمختلف أنواع الأسلحة، بما فيها الغازات السامّة.
ويؤكّد طبيب ناشط من مدينة دوما لـ"العربي الجديد"، أنّ النظام يحاول عبر سلسلة المجازر المتواصلة، والتي أدّت إلى مقتل المئات، خلق حالة من الرفض والتململ في الحاضنة الشعبيّة، والضغط على قوى المعارضة العسكريّة والسياسيّة، تمهيداً للقبول بشروطه والسير على خطى سرب المصالحات "المذلّة"، بهدف إبعاد شبح الخطر عن العاصمة دمشق، وتكبيل وشلّ قوى المعارضة وكسر إرادتها.