"الله ينتقم منك يا من قلت بكره تشوفوا مصر" (غداً ترون مصر).. كلمات عبر بها بائع ملابس في حي شبرا الشهير بالعاصمة المصرية القاهرة، عن حالة السخط من موجة الغلاء وتردي الأوضاع الاقتصادية لبلاده خلال الأشهر الأخيرة.
وأطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حين كان وزيراً للدفاع، كلمات شهيرة لقيت انتشاراً في أوساط المصريين، عند انقلاب الجيش على الرئيس المصري محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز، منها "بكره تشوفوا مصر"، التي تحمل وعوداً بتحسين ظروفهم المعيشية وتحقيق الرغد والاستقرار للبلاد.
لكن شرائح واسعة من المصريين، لم يكونوا مدركين أن أوضاعهم المعيشية ستزداد سوءاً، لتنتشر موجات السخط على الغلاء، ما ينذر بوقوف البلاد على أعتاب "ثورة جياع"، حسب محللين اقتصاديين، ويؤكد المحللون، أن أسعار السلع الغذائية، ارتفعت بنسبة تصل إلى 30% منذ أغسطس/آب الماضي.
وقال محمد عبد العزيز، بائع ملابس في حي شبرا، "لقد خدعونا، وعدونا بالأفضل، لكننا لم نجد سوى الأسوأ .. هذه البضاعة اشتريتها بالدين، ولا أستطيع تصريفها، فحركة السوق تكاد تكون منعدمة، والناس لم تعد تفكر سوى في كيفية تدبير احتياجاتهم من مأكل وبالكاد في ظل ارتفاع الأسعار غير الطبيعي".
وحسب حسام صلاح، تاجر خضروات في سوق العبور، أحد الأسواق الكبرى على أطراف العاصمة القاهرة، فإن أسعار الخضر والفاكهة ارتفعت بأكثر من 25% خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وذكر صلاح، خلال جولة لمراسل "العربي الجديد"، أن الكميات المعروضة في السوق تفوق الطلب، ومع ذلك، تظل الأسعار مرتفعة، مشيراً إلى أن غلاء الأسعار دفع المستهلك لتقليل الكميات التي يشتريها، ولا سيما من الفاكهة التي أصبحت بمثابة سلع كمالية.
وأصبح الكثير من المصريين يواجهون معضلة كيفية ترتيب أولويات الإنفاق في ظل تدني الرواتب، التي تصل بالنسبة لمتوسطي الدخل إلى نحو 2540 جنيهاً (355 دولاراً) شهرياً، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، بينما يصنف 26% من سكان البلاد كفقراء أي يعيشون بنحو 314 جنيهاً (43.9 دولار) شهرياً.
وقال الدكتور محمد عادل، الأمين العام لمؤسسة مؤشر الديمقراطية، وهي منظمة حقوقية أهلية، إن مصر تفتقد إلى حد أدنى للرواتب مناسب لتطورات معدل التضخم، وأشار إلى أن ما تم إقراره قبل نحو عام، والمقدر بنحو 1200 جنيه للعامل في الجهاز الإداري للدولة، يتوافق مع مستويات أسعار عام 2008، إذ تضاعفت الأسعار منذ ذلك الحين.
وأضاف عادل، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة وضعت الحد الأدنى على أساس إنفاق الفرد 35 جنيهاً (4.8 دولار) في اليوم، لكن ماذا لو كان هذا الفرد متزوجاً، ويعيل أسرة مكونة من فردين أو ثلاثة، بالطبع ستكون هناك ضغوط متزايدة".
وفقا لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نوفمير/تشرين الثاني الماضي، فإن نفقات المصريين على الغذاء والملبس وخدمات الرعاية الصحية تمثل 65% من دخلهم السنوي حتى نهاية العام المالي الماضي المنقضي في يونيو/حزيران 2013.
لكن مسؤولا في وزارة التخطيط، قال في تصريح خاص إن نسبة الإنفاق على هذه البنود الثلاثة قفزت إلى أكثر من 75% من الدخل السنوي، جراء ارتفاع الأسعار، خاصة الغذاء والرعاية الصحية.
وفقا للمسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، فإن نفقات المصريين على الطعام والشراب ارتفعت عن معدلاتها المعتادة بنحو 5%، لتصل إلى 42.6%، في حين بلغت النفقات السنوية على المسكن ومستلزماته 19.1%، وارتفعت خدمات الرعاية الصحية لتصل إلى 13.2% من إجمالي الدخل السنوي.
وفي منطقة باب الشعرية بوسط القاهرة، قالت رجاء علي، التي تعمل في وزارة الإسكان، إن الأسعار شهدت زيادة كبيرة خلال الشهر الأخير، مما أجبرها على ترشيد الإنفاق.
وقال مستشار في وزارة التخطيط، فضل عدم ذكر اسمه في تصريح خاص، إن المصريين يقومون، دائماً، بإعادة ترتيب أولويات إنفاقهم مع ارتفاع الأسعار، ليتم ترشيد الاستهلاك بشكل أساسي، في ما يتعلق بفواتير المياه والكهرباء والهاتف، لكن في ظل موجة الغلاء الأخيرة، لوحظ أن هذا الترشيد طال المأكل والمشرب، وهو مؤشر خطير ينذر بأن هناك ضغوطاً على الأسر قد لا يتم تحملها.
وأضاف أن الوضع في المحافظات الإقليمية، ولا سيما في جنوب مصر، أكثر صعوبة، حيث تزداد معدلات الفقر وتتراجع مستويات المعيشة بشكل أكبر من محافظات شمال مصر والقاهرة.
ويصف مستهلكون، ارتفاع الأسعار خلال الأشهر الأخيرة بـ "الجنوني"، جراء رفع أسعار الوقود في يوليو/تموز الماضي بنسبة تصل إلى 78%، وزيادة أسعار الأسمدة للمزارعين خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بنحو 33%.
ورفعت حكومة إبراهيم محلب أسعار الوقود بمختلف أنواعه مطلع يوليو/تموز، ليصبح سعر البنزين "92 أوكتان" 2.6 جنيه للتر، مقابل 1.85 جنيه، بزيادة 40%.
كما زاد سعر البنزين "80 أوكتان"، الأكثر استهلاكاً من قبل الطبقات الوسطى، إلى 1.6 جنيه للتر (الدولار يساوي 7.15 جنيه)، مقابل 0.90 جنيه، بزيادة 78%.
وزاد سعر السولار، المستخدم بشكل كبير في سيارات النقل والحافلات، إلى 1.8 جنيه للتر، مقابل 1.10 جنيه، بزيادة 63%، أما بنزين "95"، الأكثر استهلاكاً في السيارات الفارهة، فزاد إلى 6.25 جنيه، مقابل 5.85 جنيه، بارتفاع 6.8%.
وبينما يؤكد محللون أن ارتفاع الأسعار قارب الـ 30% خلال الأشهر الأخيرة، تشير البيانات الحكومية إلى ارتفاع معدل التضخم خلال أكتوبر الماضي إلى 11.5%، بزيادة 1.6% عن شهر سبتمبر/أيلول، وهو ما يصفه المحلل الاقتصادي، معتز مجدي، بـ "غير العقلاني". ويشير إلى أن سلة الغذاء والشراب تستحوذ على أغلب نفقات المصريين في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار، وهو ما يجب وضعه في الحسبان.
وحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فإن متوسط الإنفاق الكلي السنوي للأسرة المصرية يبلغ نحو 26.1 ألف جنيه (3650 دولاراً)، وذلك على كافة بنود الإنفاق بمتوسط شهري قدره 2180.2 جنيه (305 دولارات).
وزاد عدم الاستقرار السياسي والأمني في مصر، من تباطؤ نمو الاقتصاد، الأمر الذي انعكس على ارتفاع معدلات البطالة التي قدرتها الحكومة بنحو 13.6% من إجمالي القوي العاملة بما يقارب أربعة ملايين عاطل، فيما يشير الخبراء إلى تجاوز هذه النسبة 20%، ما يعمق الأزمات المعيشية في البلاد.
وقال مجدي إن ارتفاع معدلات البطالة سيكون له بالغ الأثر على عدم الاستقرار، موضحاً أن "هناك أعداداً كبيرة من العاملين في قطاعات عدة، ولا سيما السياحة، تعرضوا للتسريح خلال العام الأخير، وكانوا يأملون في تحسن الأوضاع لعودتهم إلى العمل، لكن ما نراه هو استمرار لمزيد من التراجع في المؤشرات الاقتصادية، وما نخشاه هو أن تشهد البلاد ثورة جياع".
وكان وزير المالية المصري، هاني قدري دميان، ذكر في تصريحات صحافية، مؤخراً، أن بلاده تعاني فجوة تمويلية خلال العام المالي الجاري قيمتها 11 مليار دولار، والفجوة التمويلية هي الاحتياجات المطلوبة لمواجهة عجز الموازنة وتمويل الاستثمارات المطلوبة، لتحقيق معدلات نمو اقتصادي.
ويرى مسؤولون في الشُعَب التجارية، أنه قد يحدث تحسن في الظروف المعيشية حال استقرار الأوضاع الاقتصادية وعودة التعافي إلى إيرادات الدولة من النقد الأجنبي ما يقلص من الضغوط على العملة المحلية التي تراجعت بنحو ملحوظ أمام الدولار الأميركي في السوق الموازية (السوداء).
وسجل سعر صرف الدولار، حسب متعاملين في سوق الصرف نحو 7.65 جنيه بنهاية الأسبوع الماضي، بزيادة قدرها عشرة قروش عن الأسبوع السابق، بينما استقر سعره رسمياً في المصارف والصرافات عند 7.15 جنيه للشراء و7.18 جنيه للبيع.
وحذر الخبير الاقتصادي محمد عطا في تصريحات سابقة لـ "العربي الجديد"، من أن سعر الدولار مرشح للصعود، طالما لم تتمكن الحكومة من زيادة موارد الدولة من العملة الأجنبية، خاصة من السياحة والاستثمارات الأجنبية والصادرات، دون السحب من احتياطي النقد الأجنبي.
وقال رئيس شعبة المستوردين بالاتحاد المصرى للغرف التجارية، أحمد شيحة، في اتصال هاتفي، إن مصر تستورد نسبة كبيرة من الغذاء من الخارج، تصل إلى 100% من الزيوت، و60% من القمح، و40% من الألبان، و55% من اللحوم.
وأضاف أن ارتفاع سعر صرف الدولار واعتبار السوق السوداء هي الملاذ السريع للحصول عليه، أضاف أعباءً جديدة على المستوردين والمستهلكين، لكن العبء الأكبر يتحمله المواطن. وأكد أن الحكومة لا توفر الدولار إلا بالنسبة للواردات الاستراتيجية من غذاء وأدوية ومواد الخام، وبكميات محدودة، وهذا ما يجبر التجار والمصنعين على اللجوء إلى السوق الموازية.