الغضب الإسرائيلي ضد قانون بولندا: نقاش في المسوغات الأخلاقية

30 يناير 2018
أقرّ البرلمان البولندي القانون يوم الخميس(ماتيوس فلودارزيك/Getty)
+ الخط -
بدأت بولندا تخضع للضغط الإسرائيلي لتعديل قانون سنّته أخيراً، متعلق بالجرائم التي ارتُكبت ضد اليهود، عشية الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) وخلالها، وتجلّى ذلك مساء الأحد، حين تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هاتفياً، مع رئيس وزراء بولندا ماتيوس مورافيسكي، و"تمّ الاتفاق على فتح حوار فوري بين البلدين لمحاولة التوصل إلى تفاهمات بشأن مشروع القانون"، وفقاً لمكتب نتنياهو.

وكان الإسرائيليون ردوا بغضب شديد على القانون الذي سنّه البرلمان البولندي الأسبوع الماضي، ونصّ على "تجريم كل من يربط بين الشعب البولندي والجرائم التي ارتكبت ضد اليهود عشية وخلال الحرب العالمية الثانية". وشنّ نتنياهو وأعضاء حكومته انتقادات لاذعة لحكومة اليمين في وارسو التي بادرت لسن القانون، في حين تجاوزت قوى المعارضة التي تمثل الوسط واليسار في تل أبيب نتنياهو وطالبت بسحب السفيرة الإسرائيلية من وارسو فوراً. وقد اعتبرت نخب الحكم وقيادات المعارضة في تل أبيب أن "القانون البولندي يرقى إلى جرم إنكار الكارثة".

كما أن هناك ما يدعو للشك في المسوغات التي ساقتها الحكومة الإسرائيلية لتبرير هجومها على القانون البولندي، لأن بعض المؤسسات الرسمية في تل أبيب تشكك في مسؤولية بولندا عما ارتكبه النازيون الألمان ضد اليهود على أرضها، لا سيما في كل ما يتعلق بـما تطلق عليه إسرائيل "معسكرات الإبادة". فوزارة الخارجية الإسرائيلية، التي يقف نتنياهو على رأسها، تنفي أن يكون البولنديون مسؤولين عن هذه المعسكرات، كما نقلت عنها "معاريف" في عددها الصادر يوم الأحد. وهذا ما خلص إليه أيضاً المعلق اليميني إلداد باك، في مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية، أمس الاثنين، وهي أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً، والأكثر قرباً من ديوان نتنياهو.

مع العلم أنه تمّ سنّ عدد من القوانين العنصرية في الكنيست الإسرائيلي، منذ انتخابه عام 2015، حتى اليوم، وبلغ عددها أكثر من 70 قانوناً عنصرياً. بعضها تم تطبيقه وبعضها الآخر أُقرّ بالقراءة الثالثة منتظراً التطبيق، وهناك قوانين أُقرّت بالقراءة الأولى. وضمن القوانين العنصرية التي سُنّت في 2017 قانون يضفي شرعية على مستوطنات أقيمت على أراض فلسطينية سيطر عليها المستوطنون بالقوة، وحتى من دون إذن من الجيش والحكومة الإسرائيلية، فضلاً عن قانون "القدس الموحدة"، الذي بالإضافة إلى إسداله الستار على أية فرصة لتحقيق تسوية سياسية للصراع مع الشعب الفلسطيني، إلا أنه يضمن أيضاً إلغاء الثقل التصويتي لفلسطينيي الداخل وممثليهم في البرلمان.


كما سنّ الإسرائيليون قانوناً يحظر رفع الأذان، بالإضافة إلى القوانين التي تحظر التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي صيغت لتعقب الفلسطينيين دون غيرهم، ناهيك عن القوانين العنصرية المؤسسة للكيان، مثل قانون "العودة"، الذي يمنح كل يهودي (لأنه يهودي) الحق في القدوم لفلسطين والحصول على المواطنة فيها، في حين تم تشريع الكثير من القوانين التي تهدف إلى تقليص قدرة الفلسطينيين الذين لم تنجح إسرائيل في تهجيرهم على البقاء والصمود.

في الوقت ذاته، فإن الحكومة الإسرائيلية صمتت عن الإجراءات العنصرية التي تقدم عليها مجالس الحكم المحلي اليهودية، وبعض هذه المجالس أصدرت قرارات إدارية تحظر السماح للعرب بالإقامة فيها. وإسرائيل التي قدّمت نفسها كـ"دولة" دشنت من أجل استقبال اليهود "الفارين من الظلم"، خرجت عن طورها في سعيها للتخلص من اللاجئين الأفارقة الذين فروا من مناطق تشتعل فيها حروب وتركهم لمصيرهم. كما أن القانون البولندي كشف أن رهان إسرائيل على العلاقة مع قوى اليمين المتطرف التي صعدت للحكم في أوروبا في غير محله، فإسرائيل التي أبدت انزعاجها من حكومة اليمين في وارسو، هي نفسها الحكومة التي سمحت للأحزاب والحركات المشاركة فيها بتعزيز العلاقات مع أحزاب وحركات اليمين المتطرف التي صعدت للحكم في أوروبا خلال الأعوام الماضية على قاعدة معاداة العرب والمسلمين.

مع العلم أن قادة اليمين الديني والعلماني في إسرائيل تباهوا بعلاقتهم الوثيقة بزعيم اليمين المتطرف في هولندا، غيرت فيلدرز، الذي يزور إسرائيل مرتين على الأقل في العام، ناهيك عن أنه يجاهر بفخره بأنه تطوع في صباه في العمل في إحدى المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية في منطقة غور الأردن. وقد استقبلت قيادات في حزب الليكود الحاكم قيادات في الجبهة الوطنية التي تقودها زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، مارين لوبان، عشية الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة العام الماضي. ودافع قادة الليكود عن العلاقة مع حزب لوبان، معتبرين أن "هذا ما يقتضيه توحيد الصفوف في مواجهة الإسلام المتطرف".


المساهمون