يميل عدد كبير من المحلّلين العرب، على اختلاف مشاربهم، إلى الكلام عن العالم والغرب بصفتهما شيئاً واحداً، بحيث أنهم لا يجدون لبساً في استعمال لفظ العالم للدلالة على الغرب.
بغضّ النظر عمّا يحويه مصطلح "الغرب" نفسه من التباسات وتناقضات؛ يبدو موقف هؤلاء محيّراً في عصر تكاد تنحسر فيه المركزية الغربية إلى حدودها الإقليمية، وهي أصلاً لم تكن يوماً حصرية، لا خلال الحرب الباردة ولا قبلها حين كان عليها أن تتعايش مع مركزيات إقليمية وازنة مثل روسيا القيصرية والإمبراطورية اليابانية.
الأرجح أن معظم محللينا يدركون ذلك جيداً، لكن مقاربتهم تستبطن حكماً قيمياً. فبنظرهم، الغرب هو عقل العالم، هو منبع "العالمية"، والقيّم عليها؛ في حين أن القوى الأخرى قاصرة عن فهمها والتموضع في إطارها.
هذا الطرح ليس غريباً على الغرب، بل يعكس إرثاً من الأدبيات الاستعمارية. هايدغر كان قد أعطاه بعداً أنطولوجياً وميتافيزيقياً حين اعتبر أن الغرب وحده له عالم ورثه عن الإغريق، شعب الكون المختار، في حين أن الشعوب الأخرى الفائضة عن البشرية قاصرة عن الإحاطة بالعالمية.
قد يفسّر هذا الاستلاب الاستعماري المزمن -إلى حد ما- التعويل الساذج لشريحة واسعة من النخب العربية على الغرب كي يهب لنصرة الشعوب العربية في ثوراتها ومساعيها الديمقراطية، مدفوعاً فقط بعالميته ومبادئ الأنوار التي تتبجح بها الأدلة السياحية في السفارات.
اقرأ أيضاً: فصام الإسلاموفوبيا