الغاز الروسي يشعل معركة بين برلين وواشنطن... تعرّف إلى الأسباب

19 اغسطس 2020
كيف ستنتهي الأزمة؟ (Getty)
+ الخط -

دخل مشروع "السيل الشمالي-2" الذي ينقل الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا عبر خطين من الأنابيب تحت بحر البلطيق، مرحلته الأخيرة، بينما تلوح في الأفق بوادر معركة اقتصادية مريرة بين برلين وواشنطن التي تبدي معارضة قوية للمشروع، وقد هددت أخيراً بفرض عقوبات جديدة على كل من يشترك في تنفيذه.

فقد أعلنت واشنطن، أوائل الشهر الحالي، قواعد جديدة للقانون المعروف بـ "مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات" تنص على وجوب تعرّض الشركات الألمانية لعقوبات، رداً على أي استثمارات مهما كانت صغيرة بالمشروع.

وقالت إنه يهدد بمنح موسكو نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا على أوروبا، ويقوّض أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي.

كما أقر مجلس الشيوخ الأميركي، خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، قانوناً يتضمن عقوبات على هذا الخط بأغلبية ساحقة، رغم تنديد الاتحاد الأوروبي وبرلين بالعقوبات واعتبارها تدخلاً أميركياً في سياسة الطاقة الأوروبية.

وتسري هذه العقوبات على الشركات والسفن والأفراد المتعاملين مع الخط، وذلك في إطار محاولة لتعطيل المشروع والحد من النفوذ الروسي على سوق الغاز الطبيعي الأوروبي. ويرى ممثلو الشركات الألمانية أن هذا النزاع يهدد بتسميم العلاقات المتوترة أصلاً بين الحلفاء عبر المحيط الأطلسي.

وأعربت ألمانيا، وهي أكبر قوة اقتصادية أوروبية وإحدى أقرب حلفاء واشنطن في القارة، عن دهشتها إزاء التهديدات الأميركية، وقالت إنها غير راضية عن هذا التصعيد.

وأعرب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، لنظيره الأميركي مايك بومبيو، أوائل أغسطس/آب الجاري، عن عدم رضاه عن تهديد واشنطن بفرض عقوبات على ميناء ألماني، على خلفية مشروع خط أنابيب الغاز من روسيا.

ويتعلّق الأمر برسالة تعهّد فيها ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بفرض عقوبات مشددة بحق مشغلي ميناء ألماني رئيسي، يشارك في عمليات بناء "السيل الشمالي-2". وهدد الأعضاء، وهم من الحزب الجمهوري، مشغلي الميناء والمساهمين فيه بمنعهم من دخول الولايات المتحدة وتجميد ممتلكاتهم هناك.

وقال ماس إن سياسة الطاقة الأوروبية ستتحدد داخل أوروبا، وليس في الولايات المتحدة.

وقام الوزير الألماني بزيارة موسكو، قبل عشرة أيام، حيث اجتمع بنظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي أكد أن جميع الشركات العاملة في المشروع، بما في ذلك الأوروبية، عازمة على استكمال تنفيذه.

وقد أزالت الدنمارك، الشهر الماضي، عقبة رئيسية من طريق المشروع، حيث منحت الشركة المسؤولة عن تنفيذ "السيل الشمالي-2"، الإذن لاستكمال مد أنبوب الغاز تحت المياه الدنماركية بواسطة سفن تستخدم المرساة للتموضع أثناء عملها، ما حمل المراقبين في موسكو للإعراب عن تفاؤلهم بأنّ خط الأنابيب المتوقف سيكتمل أوائل عام 2021.

لكن مراقبين في واشنطن قالوا إنّ هذا التفاؤل سابق لأوانه، بالنظر للمعارضة الأميركية القوية للمشروع، وفتح واشنطن الطريق أمام العقوبات ضد الشركات المنفذة له، كما أنّ القرار الدنماركي لن يصبح نافذاً على الفور، بل سيتم منح فترة من الزمن للطعن فيه.

وقد أدى فرض العقوبات الأميركية، خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى توقف العمل تماماً بالمشروع من قبل شركة سويسرية متخصصة في مد خطوط الأنابيب تحت البحر، وتمر هذه الأنابيب أيضاً من خلال المناطق الاقتصادية الإقليمية أو الحصرية لكل من فنلندا والسويد والدنمارك.

وتعارض المشروع كل من أوكرانيا التي تخشى من تراجع عائدات مرور الغاز الروسي عبر أراضيها، وبولندا ولاتفيا وليتوانيا، التي يعتبر المسؤولون فيها أنّ هذا المشروع الاقتصادي يخفي أهدافاً سياسية.

ويشمل مشروع "السيل الشمالي-2" بناء أنبوبين بطول 1224 كيلومتراً عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا، وتشارك في المشروع عدة شركات عالمية، أهمها "غازبروم" الروسية العملاقة التي تستحوذ على 50% من المشروع، و"كونسورتيوم" مكون من 5 شركات طاقة أوروبية تتقاسم الـ50% المتبقية منه، بنسب متساوية، وتصل الكلفة الإجمالية للمشروع إلى 11 مليار دولار.

ويبدو أنّ بناء الخط البالغ طوله 1230 كيلومتراً بلغ مراحله الأخيرة، لكنه يحتاج إلى 160 كيلومتراً للوصول إلى البر الألماني، حسب الجهات المنفذة، وتقدّر طاقته بخمسة وخمسين مليار متر مكعب، ما يسمح بمضاعفة طاقة "السيل الشمالي -1" الذي ينقل الغاز من السواحل الروسية عند بحر البلطيق باتجاه ألمانيا من دون المرور بأوكرانيا التي تتصف علاقاتها مع روسيا بكثرة النزاعات.

وعلى الرغم من خلافاتها السياسية مع روسيا، ترى ألمانيا أنّ "السيل الشمالي-2" سيضمن لها مصدراً للطاقة صديقاً للبيئة وأكثر استقراراً، خاصة أنها تبتعد عن الفحم والطاقة النووية. ويقول المسؤولون عن الخط إنّ الاتحاد الأوروبي سيكون خلال السنوات الـ 20 المقبلة بحاجة إلى زيادة واردات الغاز إلى 120 مليار متر مكعب بسبب ارتفاع الطلب.

ويشير المحللون إلى خطط واشنطن لخفض عدد القوات الأميركية في ألمانيا، ويعتبرونها نوعاً من الضغوط على برلين بسبب خط الغاز، وقالوا إنّ الرئيس ترامب لم يتوقف منذ وصوله للبيت الأبيض عن اتهام ألمانيا بأنها أسيرة لروسيا، وأنها تدفع لموسكو مليارات الدولارات للتزود بالطاقة، وقد حققت ثروات عبر القوات الأميركية على أراضيها، ويطالب ترامب برلين بزيادة مساهمتها في نفقات حلف "الناتو"، ويتهمها بالتلكؤ في تنفيذ التزاماتها بهذا الشأن.

ويرى المحللون أنّ الولايات المتحدة تسعى جاهدة لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها لن تتمكن على ما يبدو من إيقاف مشروع "السيل الشمالي-2"، ولن تؤخر إنجازه خلال الوقت المحدد، ولكن عقوباتها بحق الشركات المنفذة يمكن أن تجعل الغاز الروسي أكثر تكلفة للمستهلكين الأوروبيين.


(قنا)