العونيون أمام قصر الرئاسة اللبنانية: خطاب ما قبل القسم؟

16 أكتوبر 2016
مواكب سيارة للعونيين قبل يومين تحضيراً لتظاهرة الأحد(حسين بيضون)
+ الخط -
يحيي أنصار قائد الجيش اللبناني الأسبق، النائب ميشال عون، الذكرى السنوية لـ13 أكتوبر/ تشرين الأول 1990، على وقع الحراك السياسي الهادف لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد عامين ونصف العام من شغور الموقع. ويصل التفاؤل لدى الدائرة المقربة من عون حد توقع إعلان رئيس "تيار المستقبل"، النائب سعد الحريري، تبني ترشيحه للرئاسة "قريباً جداً". غير أن مصادر نيابية في كتلة المستقبل ظلت تجزم، حتى مساء أمس، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بأن "الأجواء الخارجية بخصوص مبادرة الحريري لم تتغير بعد، تحديداً في ما يخص الموقف السعودي الذي يتعامل مع ترشيح عون بحيادية كاملة، من دون الايحاء بأي اشارات، ايجابية كانت أو سلبية". وتستبعد المصادر نفسها أن يكون الاتفاق قد تم بين الحريري وعون، مشيرة إلى أن "الأمور على حالها داخلياً، وعلى عون التحرك باتجاه حلفائه، حزب الله ونبيه بري وسليمان فرنجية، من أجل إقناعهم بانتخابه رئيساً".

تختلف الذكرى السنوية السادسة والعشرين لمعركة 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1990 بين الجيشين اللبناني والسوري على أعتاب القصر الرئاسي، في بعبدا، شرقي بيروت، في الشكل والمضمون. فقد تبدّلت خريطة التحالفات السياسية بعد عقدين ونصف العقد على تاريخ خوض قائد الجيش اللبناني الأسبق، رئيس الحكومة العسكرية المؤقتة في حينه، النائب الحالي ميشال عون، لمعركة تاريخية في الحرب التي خاضتها مجموعة فئات سياسية في لبنان ضد الوصاية السورية على لبنان، وضد الوجود العسكري السوري المباشر على أراضيه. منحت هذه المعركة رمزية لعون ورافعة لشرعية شعبية وسياسية لتياره: "التيار الوطني الحر"، ولم يضعفها لجوئه إلى السفارة الفرنسية عام 1990 وإقامته في العاصمة باريس حتى عام 2005.

حوّلت الأحداث الإقليمية والشلل في المؤسسات الدستورية في لبنان خصوم الماضي إلى حلفاء، وخضّت التحالفين السياسيين العريضين (8 و14 آذار) بشكل عنيف. فولد التحالف المسيحي المُستجد بين "حزب القوات اللبنانية" وتيار عون، بعد أن خاض الطرفان معارك طاحنة خلال العامين الأخيرين من الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، في إطار التنافس على قيادة الشارع المسيحي الذي انقسم بين خيارين سياسيين يمينيين، كسب فيها عون قاعدة عريضة بسبب قيادته للجيش.

مهّد هذا التحالف لترشيح القوات لعون لرئاسة الجمهورية، بعد التوافق على 10 بنود رئيسية تشكل ميثاق التحالف والتزامات عون تجاه "القوات" التي تبنت ترشيحه. ومن أبرز البنود التي وجد فيها مراقبون تحدياً لتحالف عون مع "حزب الله": "الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف. تعزيز مؤسسات الدولة وثقافة الاحتكام إلى القانون وعدم اللجوء إلى السلاح والعنف أياً كانت الهواجس والاحتقانات. دعم الجيش معنوياً ومادياً وتمكينه وسائر القوى الأمنية الشرعية من التعامل مع مختلف الحالات الأمنية كافة بهدف بسط سلطة الدولة وحدها على كامل الأراضي اللبنانية. ضرورة التزام سياسة خارجية مستقلة بما يضمن مصلحة لبنان واحترام القانون الدولي، وذلك بنسج علاقات تعاون وصداقة مع جميع الدول، لا سيما العربية منها. ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية - السورية في الاتجاهين، وعدم السماح باستعمال لبنان مقراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين". وقد عنون تعطيل تكتل عون وكتلة حزب الله البرلمانية للمؤسسات الدستورية المرحلة الماضية في لبنان، وتشارك الطرفان في كسر نصاب جلسات البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، وقاطعا معاً جلسات الحكومة أخيراً تحت عنوان "حماية الميثاقية" (التوزيع الطائفي للوظائف الحكومية).


وقد سبق حليف "حزب القوات"، رئيس "تيار المستقبل"، النائب سعد الحريري، خطوة تبني ترشيح عون بدعم ترشيح النائب سليمان فرنجية لمنصب الرئاسة، رغم كونه حليفاً لـ"حزب الله" على الصعيد الداخلي، وحليفاً وصديقاً شخصياً لرئيس النظام السوري، بشار الأسد.

لكن الحركة السياسية الأخيرة للحريري، التي جال خلالها على مجموعة أطراف داخلية ودولية، بينها السعودية وروسيا، بهدف التعجيل في انتخاب رئيس الجمهورية، تكاد تقوده لتبني ترشيح عون للرئاسة أيضاً. وهي الأجواء التي ينقلها عضو "تكتل التغيير والإصلاح"، النائب آلان عون، لـ"العربي الجديد". يؤكد عون أن تبني الحريري لترشيح النائب ميشال عون "قريب"، وقد أُنجزت الاتصالات السياسية بين الطرفين تمهيداً للحظة الإعلان. ومن المتوقع أن يلقي عون كلمة "جامعة" في الذكرى التي يحييها أنصاره عند مدخل القصر الرئاسي في منطقة بعبدا. ويؤكد النائب آلان عون أن الكلمة تشكل "خطاب ما قبل خطاب القسم (خطاب تولي سدة الحكم) بالنسبة للجنرال (الصفة العسكرية السابقة ولقب ميشال عون)، وستحمل رسالة شراكة وانفتاح على جميع الأطراف السياسية". كما أضاء النائب عون على "الرمزية الكبيرة التي يحملها موقع إحياء الفعاليات على بعد أمتار قليلة من القصر الرئاسي الذي غادره الجنرال قبل 26 عاماً وسيعود إليه رئيساً في القريب العاجل".

وقد سبق الرئيس الجديد للتيار الوطني وصهر عون، وزير الخارجية جبران باسيل، ذكرى 13 تشرين بمجموعة مواقف عبّر فيها عن حسن العلاقة مع "تيار المستقبل". وهو خطاب مغاير للمعركة السياسية الطويلة التي خاضها الطرفان منذ عام 2008 وحتى أشهر سابقة تحت عناوين "مكافحة الفساد" والخلاف على إدارة الحكم، وما وصفه العونيون بـ"تفرّد الحالة الحريرية في إدارة البلاد منذ اتفاق الطائف حتى تاريخ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، عام 2005". وبلغت ذروة المعركة مع توثيق نواب عون لـ"مخالفات مالية جسيمة ارتكبها رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس كتلة المستقبل النيابية، النائب فؤاد السنيورة"، وتهديد العونيين باللجوء للقضاء، قبل أن تطوي الوعود الرئاسية مرحلة تبادل الاتهامات، ويحل الخطاب التوافقي على وزراء ونواب "التيار الوطني الحر". وذلك في مقابل حالة امتعاض تسيطر على كتلة المستقبل النيابية، نتيجة رفض معظم أعضائها لتبني النائب الحريري ترشيح أي من حلفاء حزب الله أو النظام السوري لرئاسة لبنان. ومن المتوقع أن تنعكس حالة التهدئة العونية على الشارع، مع تأجيل تحركات احتجاجية كان العونيون يلوحون بها احتجاجاً على التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، من قبل الحكومة.

وكان النائب ميشال عون قد تولّى مجموعة مناصب رسمية، أبرزها قيادة الجيش اللبناني من عام 1984 إلى عام 1989، ورئاسة الحكومة العسكرية التي تشكلت في عام 1988. وغاب عن البلاد بسبب خلافاته الحادة مع النظام السوري من عام 1990 حتى عام 2005، واختتم صفحة الخلاف عام 2008، عندما زار دمشق والتقى رئيس النظام، بشار الأسد. خاض الانتخابات النيابية التي أجريت في عام عودته نفسه، وترأس كتلة من 21 نائباً. وفي انتخابات عام 2009 النيابية تمكن من زيادة عدد نواب "تكتل التغيير والإصلاح" إلى 27 نائباً. وتربطه وثيقة تفاهم مع "حزب الله" وقعها عام 2006 مع أمين عام الحزب، حسن نصر الله، وتحالف من عشرة بنود مع خصم حزب الله السياسي، حزب "القوات اللبنانية".

المساهمون