العوض بسلامتكم!
لنذهب إلى الفيدرالية
هل اندثر مشروع الاستقلال الفلسطيني الذي ناضل الفلسطينيون في سبيله، منذ خمسين سنة على الأقل؟ مَن يتطوع لتقديم الحساب الختامي لعشرين سنة من الأهوال الإسرائيلية التي سربلت حياة الفلسطينيين ومستقبلهم، منذ قيام السلطة الفلسطينية في سنة 1994؟ متى تنتهي "مناقرات" حماس وفتح التي باتت بلا لون أو طعم أو رائحة؟
كانت الخلافات بين الحركتين قبل العدوان الإسرائيلي، أخيراً، على غزة معروفة تماماً، وهي تدور على من يحكم قطاع غزة: الحكومة أم حماس؟ وما هو دور الأجهزة الأمنية التي أنشأتها حماس في المرحلة الجديدة؟ وما هو مستقبل أكثر من أربعين ألف موظف أدخلتهم حماس في دوائر حكومتها في غزة؟ وكيف يمكن التوصل إلى موقف مشترك وثابت من المفاوضات مع إسرائيل؟
مع توقف القتال موقتاً في غزة، تركز اهتمام السلطة الفلسطينية، خصوصاً الرئيس محمود عباس، على عدم العودة إلى الحرب، وعلى استعادة الحياة اليومية الطبيعية بقيادة حكومة الوحدة الوطنية، والاستعداد للعودة إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. أما حركة حماس فكان اهتمامها يدور حول انتزاع مطالب فلسطينية حيوية، لكي لا يقال إن دماء الضحايا الذين سقطوا في غزة ذهبت هدراً. وبهذه المطالب، إذا تحققت، تستطيع حماس أن تنتزع لنفسها مكانة أكبر في السياسات الفلسطينية، بعدما كانت محاصرة قبيل العدوان. وكنا هللنا لمشهد حماس وفتح في القاهرة معاً، واعتقدنا أن حماس تصبح أقوى، حين تكون إلى جانب فتح، والعكس صحيح أيضاً. لكن، لم يطل الأمر كثيراً حتى ركلت البقرة وعاء حليبها، ما يشير إلى صعوبة إصلاح الحال بين الحركتين، بل إن الممكن الوحيد هو "التهدئة".
لنتذكر أن إمساك حركة فتح بالسلطة منذ سنة 1994 أدى إلى إضعافها. وأدى إمساك حماس بالسلطة في غزة منذ سنة 2008 إلى نفور الناس منها. ولم تكن حماس أفضل من فتح في إدارة قطاع غزة، بل أسوأ، ولا سيما في ميدان الحريات التي لم تكن مصونة، حتى في عهد فتح ومحمد دحلان بالتحديد، غير أن التمادي في الانقسام الفلسطيني الذي يبدو غير قابل للالتحام كان يخفي "نفاقاً" في الكلام الدائم على المصالحة الوطنية. ففي داخل حركة فتح، هناك من لا يريد أن تصل المصالحة إلى خواتيمها. والسيد إسماعيل هنية الذي اعتقد أن صفحات الخلافة الراشدة قد فتحت (أنظر خطبته في 20/7/2012) اكتشف أن تلك الصفحات التهمتها نيران الثورة المضادة في مصر، وحرائق الحروب الأهلية في العالم العربي، فعاد إلى الكلام على المصالحة الوطنية كخيار إلزامي لا بد منه، أو كخطٍ ثانٍ في الدفاع التراجعي.
ما سر هذه المصالحة العسيرة التي لا تستوي على أي قوام؟ هل هناك حقاً سعي جدي إلى الوحدة الوطنية، أم إلى "المساكنة" بين حماس وفتح وكفى؟ يبدو لي أن شعار "المصالحة الوطنية" أصبح أضحوكةً في بعض الأحيان. والحقيقة المرة أن الفلسطينيين منقسمون بعمق. وهذا الانقسام، المشفوع بالغرغرة بكلام دائم على "الوحدة الوطنية"، بات كريهاً، قياساً على المخاطر الهائلة التي تحدّق بالشعب الفلسطيني وبالقضية الفلسطينية في آن.
يلوح لي أن من المحال الخلاص من ازدواجية السلطة، إلا بالذهاب حثيثاً إلى الانتخابات الرئاسية، بأي طريقة وتحت أي اتفاق، فإما أن تفوز حماس، فيتنحى الرئيس محمود عباس فوراً، أو تفوز فتح، فتزول ازدواجية السلطة. وفي ما عدا ذلك، فإن الأمور تتجه، للأسف، إلى الفيدرالية. وفي هذه الحال، العوض بسلامة المشروع الوطني الفلسطيني، والسلام على القدس واللاجئين وحقهم في العودة.