"هذه الشجرة زرعتها بيدي في شهر يونيو/حزيران سنة 1944، وتقع أمام ساحة مبنى السرايا، والذي ما زال قائماً حتى اليوم منذ فترة الأتراك"، بهذه الكلمات بدأ محمد عبد الله سرحان، أبو أحمد، من مواليد بيسان عام 1930، وهو يشرح لعشرات رافقوه إلى مدينة بيسان، أو أطلال بيسان الفلسطينية خلال جولة نظمتها جمعية المهجرين في الداخل.
جاء سرحان إلى بيسان برفقة أحفاده كما فعل باقي أهالي بيسان، أو من تبقى منهم من الذين هجروا في الداخل. حضر هؤلاء من الناصرة والفريديس، فيما غاب أغلبية مهجري المدينة الذين كانت مدينة إربد والأغوار الأردنية محطتهم الأخيرة في تغريبة اللجوء والتهجير عام النكبة. وبقي الجزء الأصغر في البلاد موزعاً بين الناصرة وحي الكبابير في حيفا وقرية الفريديس.
بيسان اسم كنعاني يعني "البيت المسكون". سقطت بين يوم 12 و 13 مايو/أيار بعام النكبة بيد قوات الاحتلال. وقام أفراد العصابات الصهيونية، قبل تحولها إلى مسمى الجيش بترحيل أهلها بالقوة. هدموا غالبية بيوتها في العام التالي ولم يبق أي عربي فيها. كان قد سكنها قبل النكبة ستة آلاف نسمة، شكل المسلمون منهم تسعين بالمائة والمسيحيون عشرة بالمائة، إلى جانب بضع عائلات يهودية كانت تعيش في ما كان يطلق عليه أهل المدينة "خرابة اليهود".
تحولت بيسان إلى خرابة وأطلال، وخرابة اليهود صارت مدينة يقطنها عشرات آلاف اليهود جلهم ممن تم جلبهم من الدول العربية، وخاصة من المغرب، لتصبح اليوم "بيت شان".
كانت بيسان مركزاً هاماً يجمع بين الوظائف الإدارية والزراعية والتجارية والتعليمية في فترة الانتداب البريطاني. واشتهرت بكثرة ينابيعها وبزراعة الموز، إضافة الى أنه كانت فيها دار سينما وسوق تجاري ضخم وناد للشباب. وفي العام 1945 تم تشييد أول مدرسة ثانوية زراعية، ناهيك عن محطة قطار بيسان التي كانت جزءاً من السكة الحجازية، وأعادت إسرائيل تفعيلها أخيراً.
اقــرأ أيضاً
بقي من معالم المدينة العربية جزء شاهد على النكبة: مبنى السرايا، مبنى البلدية الذي تحول إلى مطعم اليوم، وجزء من مبنى مدرسة البنات وقسم من مدرسة الذكور أيضاً. وتحول مكتب البريد إلى متحف أثري، فيما بقيت أشجار النخيل صامدة تحكي حكايات المدينة في حي أم سريس من بيسان. لم تنج الأماكن المقدسة من الدمار والهدم. كنيسة الأرثوذكس دمرت بالكامل، ومسجد الفاروق أصبح مبنى مهجورا. أما كنيسة اللاتين فما زالت قائمة ولكنها اغتصبت لتصبح مقرا لحزب الليكود في المدينة.
انطلقت الجولة برفقة محمد سرحان مهجر بيسان، من أمام مبنى السرايا يحفظ أبو أحمد حكاية المدينة وقصص تهجير أهلها، فقد كان عند النكبة يعمل موظفا في وزارة الصحة لغاية العام 1946. حكى أبو أحمد قصة زراعته للشجرة إياها لتداخل حكايات بيسان وما كان فيها، قائلاً "كان أبي يعمل في الحدائق وطلبت منه أن أزرع الشجرة فزرعتها سنة 1946. هذه سرايا الحكومة كانت بها جميع دوائر الحكومة. كان عندنا في مركز بيسان مساعد حاكم اللواء وقائم مقام وإدارات زراعة مالية وكان بريد ثم انتقل الى دار البيضاء.
كان مدير البريد جورج قندلفت من الناصرة. والسرايا هي من أيام الأتراك".يأتي الكلام على لسان أبو أحمد بالعامية باللهجة الفلسطينية، التي تختلط فيها لهجة ابن المدينة بلهجة القروي: "تهجرتُ من بيسان الى الناصرة وبعد سقوط الناصرة تهجرتُ للجليل ولبنان وكنت في سورية حتى عام 1951. وبعدها عدت الى الناصرة ومن ثم الى حيفا. وأقطن قرية الفريديس بأخر خمسين سنة".
يذكر أبو أحمد عمليات التهجير الجماعية لأهل المدينة: "بعد احتلال بيسان تم تجميعنا في وسط هذه الحديقة، هنا أوقفوا حافلات، وباصات وسيارات انطلقت باتجاه الأردن أو جنين والناصرة. أغلبية أهالي بيسان تهجرت الى مدينة إربد والأغوار في الأردن. وفي شهر حزيران كان قد بقي في المدينة 1500 شخص فقط ثم تم ترحيلنا. وما زالت والدتي مدفونة في مقبرة بيسان".
حمل حبيب عودة (26 عاماً) في جيبه، دعوة زفاف جدته وجده من بيسان من عام 1946 كان قد حصل عليها من جدته قبل عشرين عاما. هو مهجّر من بيسان من الجيل الثالث للنكبة، ولد وترعرع في مدينة الناصرة. قال حبيب لـ"العربي الجديد" "هذه أول مرة أزور فيها بيسان بشكل رسمي وأرى البلدة القديمة منها. وهذه المرة الأولى التي أعرف أين كان بيت جدي وفقا لحديث العم أبو أحمد سرحان. كانوا يسكنون أمام السوق وكان لهم بيت آخر كان مؤجرا للمحكمة الشرعية. الزيارة مؤثرة جدا، أنا سمعت كل قصص التهجير وأعلم كيف تم رميهم في قرية إكسال بجانب الناصرة وكيف تم وعدهم بالعودة بعد ثلاثة أيام".
وأضاف "أحمل دعوة لحفل زفاف جدي وجدتي توفيق الياس بولس عودة وجدتي المازة أمين سمعان، تاريخ دعوة العرس 13 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1946 في كنيسة الأرثوذكس في بيسان. أخذته من جدتي قبل عشرين عاما وأحتفظ به".
كنا نسمع عن احتفاظ الفلسطينيين بمفاتيح بيوتهم، واليوم نصادف للمرة الأولى شابا يحتفظ بدعوة الزفاف لعرس جده جدته، هو حلم العودة باق في قلوب أهالي بيسان.
العودة عودات، والجولة في بيسان هي جولة للتعرف إلى جزء عزيز من الوطن الفلسطيني، كما يقول محمد كيال الناشط في جمعية المهجرين وأحد منظمي الجولة. ويضيف كيال في حديثه مع "العربي الجديد": "الهدف منها أن نتعرف على تاريخنا وتعزيز وعينا ومعرفة جماهيرنا بشكل عام والمهجرين خاصة عن الأحداث في فترة النكبة وقصص التهجير وتعزيز الوعي. جمهور الهدف بالأساس الجيل الثالث والرابع من النكبة، نهدف الى تعزيز الوعي والتثقيف والتعليم والحث على التمسك بحق العودة والمطالبة بتطبيق هذا الحق على أرض الواقع. والتأكيد على حق العودة ولا يمكن أن يكون سلام عادل وشامل بدون هذا الحق الذي هو ركن أساسي من القضية الفلسطينية".
اقــرأ أيضاً
بيسان اسم كنعاني يعني "البيت المسكون". سقطت بين يوم 12 و 13 مايو/أيار بعام النكبة بيد قوات الاحتلال. وقام أفراد العصابات الصهيونية، قبل تحولها إلى مسمى الجيش بترحيل أهلها بالقوة. هدموا غالبية بيوتها في العام التالي ولم يبق أي عربي فيها. كان قد سكنها قبل النكبة ستة آلاف نسمة، شكل المسلمون منهم تسعين بالمائة والمسيحيون عشرة بالمائة، إلى جانب بضع عائلات يهودية كانت تعيش في ما كان يطلق عليه أهل المدينة "خرابة اليهود".
تحولت بيسان إلى خرابة وأطلال، وخرابة اليهود صارت مدينة يقطنها عشرات آلاف اليهود جلهم ممن تم جلبهم من الدول العربية، وخاصة من المغرب، لتصبح اليوم "بيت شان".
كانت بيسان مركزاً هاماً يجمع بين الوظائف الإدارية والزراعية والتجارية والتعليمية في فترة الانتداب البريطاني. واشتهرت بكثرة ينابيعها وبزراعة الموز، إضافة الى أنه كانت فيها دار سينما وسوق تجاري ضخم وناد للشباب. وفي العام 1945 تم تشييد أول مدرسة ثانوية زراعية، ناهيك عن محطة قطار بيسان التي كانت جزءاً من السكة الحجازية، وأعادت إسرائيل تفعيلها أخيراً.
انطلقت الجولة برفقة محمد سرحان مهجر بيسان، من أمام مبنى السرايا يحفظ أبو أحمد حكاية المدينة وقصص تهجير أهلها، فقد كان عند النكبة يعمل موظفا في وزارة الصحة لغاية العام 1946. حكى أبو أحمد قصة زراعته للشجرة إياها لتداخل حكايات بيسان وما كان فيها، قائلاً "كان أبي يعمل في الحدائق وطلبت منه أن أزرع الشجرة فزرعتها سنة 1946. هذه سرايا الحكومة كانت بها جميع دوائر الحكومة. كان عندنا في مركز بيسان مساعد حاكم اللواء وقائم مقام وإدارات زراعة مالية وكان بريد ثم انتقل الى دار البيضاء.
كان مدير البريد جورج قندلفت من الناصرة. والسرايا هي من أيام الأتراك".يأتي الكلام على لسان أبو أحمد بالعامية باللهجة الفلسطينية، التي تختلط فيها لهجة ابن المدينة بلهجة القروي: "تهجرتُ من بيسان الى الناصرة وبعد سقوط الناصرة تهجرتُ للجليل ولبنان وكنت في سورية حتى عام 1951. وبعدها عدت الى الناصرة ومن ثم الى حيفا. وأقطن قرية الفريديس بأخر خمسين سنة".
يذكر أبو أحمد عمليات التهجير الجماعية لأهل المدينة: "بعد احتلال بيسان تم تجميعنا في وسط هذه الحديقة، هنا أوقفوا حافلات، وباصات وسيارات انطلقت باتجاه الأردن أو جنين والناصرة. أغلبية أهالي بيسان تهجرت الى مدينة إربد والأغوار في الأردن. وفي شهر حزيران كان قد بقي في المدينة 1500 شخص فقط ثم تم ترحيلنا. وما زالت والدتي مدفونة في مقبرة بيسان".
حمل حبيب عودة (26 عاماً) في جيبه، دعوة زفاف جدته وجده من بيسان من عام 1946 كان قد حصل عليها من جدته قبل عشرين عاما. هو مهجّر من بيسان من الجيل الثالث للنكبة، ولد وترعرع في مدينة الناصرة. قال حبيب لـ"العربي الجديد" "هذه أول مرة أزور فيها بيسان بشكل رسمي وأرى البلدة القديمة منها. وهذه المرة الأولى التي أعرف أين كان بيت جدي وفقا لحديث العم أبو أحمد سرحان. كانوا يسكنون أمام السوق وكان لهم بيت آخر كان مؤجرا للمحكمة الشرعية. الزيارة مؤثرة جدا، أنا سمعت كل قصص التهجير وأعلم كيف تم رميهم في قرية إكسال بجانب الناصرة وكيف تم وعدهم بالعودة بعد ثلاثة أيام".
وأضاف "أحمل دعوة لحفل زفاف جدي وجدتي توفيق الياس بولس عودة وجدتي المازة أمين سمعان، تاريخ دعوة العرس 13 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1946 في كنيسة الأرثوذكس في بيسان. أخذته من جدتي قبل عشرين عاما وأحتفظ به".
كنا نسمع عن احتفاظ الفلسطينيين بمفاتيح بيوتهم، واليوم نصادف للمرة الأولى شابا يحتفظ بدعوة الزفاف لعرس جده جدته، هو حلم العودة باق في قلوب أهالي بيسان.
العودة عودات، والجولة في بيسان هي جولة للتعرف إلى جزء عزيز من الوطن الفلسطيني، كما يقول محمد كيال الناشط في جمعية المهجرين وأحد منظمي الجولة. ويضيف كيال في حديثه مع "العربي الجديد": "الهدف منها أن نتعرف على تاريخنا وتعزيز وعينا ومعرفة جماهيرنا بشكل عام والمهجرين خاصة عن الأحداث في فترة النكبة وقصص التهجير وتعزيز الوعي. جمهور الهدف بالأساس الجيل الثالث والرابع من النكبة، نهدف الى تعزيز الوعي والتثقيف والتعليم والحث على التمسك بحق العودة والمطالبة بتطبيق هذا الحق على أرض الواقع. والتأكيد على حق العودة ولا يمكن أن يكون سلام عادل وشامل بدون هذا الحق الذي هو ركن أساسي من القضية الفلسطينية".