العمر الطويل للخيبة

20 يونيو 2015
+ الخط -
استقالت حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، لم تستقل. سيتم تشكيل حكومة وحدة جديدة، أو حكومة فصائل أو حكومة مستقلين. لغط كثير ومسميات عديدة، لكن الخيبة لا شك واحدة. خيبة العجز الفلسطيني عن رأب الصدع في الصف الداخلي لأسباب فعلياً غامضة، وغير منطقية، ولا يمكن أن تصرف في العناوين السياسية الكبيرة. 
خمسة أو ستة اتفاقات مصالحة، لم يعد أحد يحسب هذه الاتفاقات بعد اليوم. لكن، لا شيء منها كان له نصيب من التطبيق على الأرض. آخرها كان ذاك المسمى اتفاق الشاطئ، نسبة إلى مكان التوصل إليه في منزل إسماعيل هنية، في المخيم الذي يحمل الاسم نفسه، غير أن تطبيقه كان أبعد ما يكون عن الشاطئ. بقي تائهاً في عرض البحر، من دون أطواق نجاة حتى غرق كما سابقوه.
لم يفهم أحد ما الذي حدث، وكيف انتهى الاتفاق، ولا مسار تطبيقه، على الرغم من أن القناعة كانت من اليوم الأول أن لا شيء سيتغير، بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني، أو الوحدة الوطنية، أو غيرها من المسميات الكثيرة المبتكرة. ولم يتمكن أحد، حتى من المتابعين للشأن الفلسطيني، من تبيان لماذا أخفقت المحاولة الجديدة لإنهاء الانقسام، على الرغم من أن التشاؤم كان سيد الموقف، من البداية، وأن الاتفاق الأخير لن يكون إلا حلقة من مسلسل طويل، لا تبدو نهايته قريبة.
لكن السؤال هو ما هذه العقد العويصة التي لا تتيح للفلسطينيين الوقوف في صف واحد، وما هذه الخلافات غير القابلة للجسر التي تحول دون إنهاء هذه الحال الفلسطينية المستمرة منذ ثمانية أعوام، على الرغم من أن الظرف المحيط يستوجب موقفاً فلسطينياً موحداً في مواجهة النيران المشتعلة في المنطقة، إضافة إلى الحاجة الفلسطينية إلى التراص، للوقوف في وجه اليمين الإسرائيلي الذي ما لبث يصعد. سؤال بلا إجابة واضحة، وكل ما يقال عن ارتباطات وتدخلات خارجية، عربية ودولية، لمنع الوحدة الفلسطينية، ما هو إلا ذر للرماد في العيون. أساساً رمي التهم على الخارج أفضل ما يتقنه العرب عموماً في مواجهة أزماتهم، والتي، بالعادة، تكون صناعة أيديهم.
المصالحة الفلسطينية، وإذا كانت في السابق في عهدة فاعلين إقليميين ودوليين يرغبون، أحياناً، في عرقلتها، وإبقائها بعيدة عن الحدوث، فإنها اليوم، وعلى الأقل منذ ثلاث سنوات خلت، في أيدي طرفي الأزمة الفلسطينيين. بل على العكس، الرغبة الدولية والإقليمية حالياً هي في تطبيق المصالحة، لاعتبارات مرتبطة بتطورات المحيط وصعود الإسلام المتطرف. وبالتالي، إدماج حركة "حماس"، على وجه الخصوص، في العملية السياسية وامتداداتها الداخلية والخارجية من شأنه نزع فتيل التطرف من الداخل الفلسطيني، وتقديم نموذج جديد عن "إسلام معتدل". ويبدو أن الجميع متفق على هذه الغاية، حتى أن الجولات الأوروبية الأخيرة على قطاع غزة والحديث عن الهدنة طويلة الأمد تصب في هذا الاتجاه.
غير أن حسابات الأطراف الدولية والإقليمية لا تتوافق مع الهواجس الفلسطينية، والحديث هنا عن "فتح" و"حماس". لكل منهما مخاوفه التي تتعارض، هذه المرة، مع الرغبات الدولية. يخشى محمود عباس تعاظم دور الحركة الإسلامية في ظل الاهتمام الغربي والعربي بها، وبالتالي، إخراجه وحركته "فتح" من الساحة السياسية. و"حماس" تنتظر القدر الأعلى من الضمانات والمساعدات، لإعادة بناء الشعبية، قبل الدخول نهائياً في السلطة. وبالتالي، فقدان التمايز الذي خولها الفوز في الانتخابات التشريعية في أواخر 2006، خصوصاً إذا انتفى عامل "المقاومة"، بفعل الهدنة، والذي كان عاملاً انتخابياً مساعداً.
عملياً هي أسباب وجودية وفئوية بحتة التي تعيق إتمام الوحدة الفلسطينية، خصوصاً أن الطرفين لم يعودا بعيدين استراتيجياً عن بعضهما. لكن، يريد كل منهما الوصول إلى الهدف على طريقته، مستخدماً أسماء ومبررات متعددة، لا تخفي خيبة الانقسام وعمرها الطويل.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".