إلى أين تتجه العلاقة بين المغرب وفرنسا؟ سؤال بدأ يتم تداوله في الأوساط السياسية والإعلامية المغربية في الأيام القليلة الماضية، بعد أن أعادت السفيرة الفرنسية في الرباط، هيلين لوغال، عقب تغريدة لها كشفت فيها عن تقديم رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، شكيب بنموسى، "تقريراً مرحلياً" عن عمل اللجنة لها، تسليط الضوء على طبيعة العلاقة بين الرباط وباريس. وفي وقتٍ وصل الغضب الذي أثارته التغريدة إلى حدّ اعتبار ما حصل "تدخلاً سافراً في السيادة المغربية"، طُرحت أسئلة عدة عن السرّ وراء سعي الدبلوماسية الفرنسية إلى التسبّب في إحراج الدولة المغربية.
وتعيد واقعة تغريدة السفيرة إلى الأذهان الغضب الذي أثارته في مارس/آذار الماضي تغريدة أخرى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، طالب فيها السلطات المغربية، بصيغة الأمر، بـ"القيام بما هو ضروري في أقرب وقت لنقل الفرنسيين" العالقين في المغرب بعد قرار الأخير إغلاق حدوده عقب تفشي فيروس كورونا في البلاد. وحينها، كان لافتاً اعتراض المغاربة على الطريقة التي كتب بها الرئيس الفرنسي تغريدته، إذ اعتبروا أن فيها "الكثير من التعالي، وتفتقد للغة الدبلوماسية التي يجب أن يتحدث بها رئيس بلد لبلد آخر".
ومهما كانت دوافع ماكرون وسفيرته في الرباط، إلا أن العلاقات الفرنسية المغربية منذ نحو 9 أشهر تكشف عن توتر صامت بين البلدين الحليفين، تحوّل إلى حرب باردة مفتوحة، تدور رحاها على جبهات عدة، سياسية ودبلوماسية واقتصادية وحتى إعلامية.
العنوان الأبرز للأزمة الصامتة بين باريس والرباط، تمثّل في تأجيل الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي التي كانت تترقبها العاصمة المغربية منذ بضعة أشهر. وهي الزيارة التي تم تأجيلها من يناير/كانون الثاني الماضي بدعوى زيارة ماكرون لإسرائيل للمشاركة في إحياء ذكرى تحرير معسكر "أوشفيتز" النازي، وكذلك الضفة الغربية للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى فبراير/شباط الماضي، ليتبعها تأجيل آخر إلى مارس/آذار، ثمّ تأجيل ثالث إلى ما بعد مارس، من دون أن يضع قصر الإليزيه موعداً محدداً، مكتفياً بتأجيل مبهم لـ"وقت لاحق".
وفي ظلّ التوتر الصامت بين البلدين، كان الاجتماع الرئيسي متعدد الأطراف في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في سبتمبر/أيلول الماضي، يكشف كذلك عن صورة من صور هذا التوتر الصامت بين الرباط وباريس، بعدما عقد وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، اجتماعاً مع نظيره الجزائري صبري بوقدوم، تمحور حول قضايا اقتصادية وسياسية، من بينها الحالة في ليبيا ومالي، وقضية الصحراء، فيما تفادى الاجتماع بنظيره المغربي ناصر بوريطة، في سابقة من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين.
هذا التوتر الدبلوماسي وإن كان صامتاً، فإنّ بعض تجلياته قد ظهرت أكثر في تصريحات وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومیر، الذي خرج عشية الزيارة التي قادت رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني إلى باريس، للمشاركة في اللقاء الاقتصادي بين المغرب وفرنسا منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، لمهاجمة الاستثمارات الفرنسية في قطاع صناعة السيارات بالمغرب، خصوصاً تلك التي تعدّ الأكثر مبيعاً في فرنسا، وطالب بـ"تشكيل لجنة مختصة لإعادة التفكير في هذا النموذج الاستثماري، في إطار إعادة توطين هذه الاستثمارات".
ويأتي توالي محطات التوتر في وقتٍ فقدت فرنسا مكانتها التاريخية كأول شريك تجاري واقتصادي للمغرب لصالح إسبانيا، وفي ظلّ تراجع واضح لنفوذها لصالح قوى دولية مثل الصين، التي تسير نحو الظفر بصفقة مشروع القطار السريع المرتقب بين مدينتي مراكش وأكادير، بعدما قدمت بكين عرضاً منخفض التكلفة بنحو 50 في المائة عن عرض باريس، علاوة على اهتمامها المتزايد بصفقة الشطر الثاني لتمديد القطار فائق السرعة بين مدينتي الدار البيضاء ومراكش.
وبالتوازي مع ذلك، لا تنظر فرنسا بعين الرضى للخطوات التي اتخذها المغرب خلال السنوات الماضية لتنويع شركائه الاقتصاديين والسياسيين والتقليل من تبعيته الاقتصادية لها، وكذلك تثبيت أقدامه في أفريقيا جنوب الصحراء كأحد الشركاء الاقتصاديين للعديد من الدول حتى بات يحتل المرتبة الثانية من حيث الاستثمار.
وبحسب أستاذ القانون الدولي في جامعة القاضي عياض في مراكش، رئيس "المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات"، عبد الفتاح البلعمشي، فإنّ "العلاقات المغربية الفرنسية وإن كانت تاريخية، إلا أنها في العديد من المحطات تشهد نوعاً من التوتر، يتعلّق بشكل أساسي بالمصالح الفرنسية في المنطقة، وهو أسلوب معروف من أجل الضغط على المملكة". ورأى البلعمشي في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هناك بعض الجهات التي يضايقها تحرك المغرب واستثماراته في القارة الأفريقية، وكذلك رسمه منذ عام 2016 لملامح سياسة خارجية جديدة تقوم على تنويع تصريف تلك السياسة في وجهات متنوعة لا تقتصر على شركائه الكلاسيكيين".
واعتبر البلعمشي أنّ "المغرب مطالب بانتهاج سياسة جديدة تجاه فرنسا تتميز بالوضوح والطموح، وتضع كل الملفات (الاستثمارات، الجالية المغربية، المواقف السياسية، الشراكة) في سلة واحدة"، مشيراً إلى أنّ "تراجع فرنسا عن استثماراتها في المغرب، ستكون له نتائج عكسية عليها، لا سيما على صعيد ملفات من قبيل الجالية المغربية والمواقف السياسية الدولية وأفريقيا".