العقوبات تعلن بداية الحرب الاقتصادية العالمية

17 مارس 2014
+ الخط -
"إذا تدخلتم في شؤوننا، فباشروا في جمع الحطب".
عبارة كتبها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مطلع مارس/ آذار الجاري بخط يده على أحد أنابيب الغاز التي تنطلق من روسيا مروراً بأوكرانيا وصولاً إلى أوروبا، في إطار تهديده بقطع إمدادات الغاز عن الاتحاد الأوروبي.

اليوم الإثنين، سيكون هذا الشعار مدار بحث جدي على الطاولة الرئاسية الروسية. أو على الأقل، سيكون احتمالاً مطروحاً للرد على ما أعلنته الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات ضد مسؤولين روس، بعدما سارت روسيا في إجراءات ضم شبه جزيرة القرم إلى أراضيها.

الأكيد أن اقتصاد روسيا لن يستطيع الصمود في حال توسعت العقوبات، وفق ما هدد الرئيس الأميركي باراك أوباما، اليوم الإثنين، لتصبح عقوبات اقتصادية، وذلك بفعل ترابط السوق الروسية المتين مع الأسواق الأوروبية، وكذلك الأميركية في شتى المجالات.
ولكن هل تستطيع أميركا وأوروبا السير في عقوبات تحاصر اقتصادها بعد محاصرة الاقتصاد الروسي؟

لعبة الروليت الروسية

في الواقع تعتبر روسيا من بين أكبر الاقتصادات العالمية برغم الأزمات المستمرة التي تضرب أسس سياساتها المالية والنقدية، والتي تصنّف من ضمن سياسات الأنظمة المافيوقراطية.

وتعتبر روسيا أكبر مورد للطاقة في العالم، ومنها يتغذى الاتحاد الأوروبي بالغاز والنفط، وعبر إمداداتها يتأمن استقرار الأسواق المالية والبورصات العالمية.

إضافة إلى قوتها في مجال الطاقة، تعتبر روسيا جزءاً من مجموعة بريكس، وهي المجموعة التي تضم أضخم الاقتصادات العالمية: الصين، البرازيل، الهند، جنوب إفريقيا إضافة إلى روسيا.

وتعتبر الصين أكبر دائن للولايات المتحدة الأميركية، وتستحوذ على مليارات الدولارات من الدين العام الأميركي، وكذلك تسيطر مجموعة "البريكس التي تضم الصين إضافة إلى الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وروسيا على حصة ضخمة من العمليات التجارية مع أميركا والدول الأوروبية.

وفي حال قررت مجموعة "البريكس" الدفاع عن روسيا، كونها عضوا مؤسسا في المجموعة، حينها يمكن القول، إن الزلزال سيقضي على الاقتصادات العالمية، حتى تلك التي أطلقت شرارة الحرب الاقتصادية العالمية، أي روسيا وأميركا وأوروبا.  

أوروبا إلى نقطة الصفر

أما الاتحاد الأوروبي، فيعيش منذ سنوات وسط تعثر اقتصاداته. ألمانيا، تعتبر صاحبة الاقتصاد الأكثر متانة، وقد ساهمت في تمويل خطط الإنقاذ المالي في عدد من البلدان الأوروبية المتعثرة.
كذلك تمتاز ألمانيا بتراجع حجم البطالة فيها، وكذلك، تعتبر ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية قدرة على امتصاص الأزمات، وسط نمو مرتفع في حجم الصادرات والتطور الصناعي.

إلا أن مميزات ألمانيا لا تنسحب على اقتصادات الدول الأوروبية الأخرى التي تعاني تراجع النمو وارتفاعا ضخما في معدلات البطالة. إضافة إلى ذلك، وقع عدد من الدول الأوروبية في أزمات مالية واجتماعية كبيرة، ولّدت معدلات مرتفعة من البطالة والفقر.
ومع فرض العقوبات على روسيا، من المتوقع أن تشهد الأسواق الأوروبية ارتفاعاً صاروخياً في نسبة البطالة مع إقفال مئات، لا بل آلاف المؤسسات الروسية أبوابها في أوروبا، ومع تراجع حجم التبادل التجاري، والاختلال الذي سيصيب إمداداتها النفطية التي ستؤثر بطبيعة الحال على الاقتصاد الأوروبي برمته.

وبذلك، وبعدما أعلنت رئاسة الاتحاد الأوروبي نهاية الأزمة الاقتصادية التي ضربت أوروبا في الشهر الأخير من العام 2013، سيعود الأوروبيون إلى الشوارع، والحكومات الأوروبية إلى الغرف المغلقة لاستنباط خطط وسياسات للإحاطة بالأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية المقبلة.

وإذا كان الروبل الروسي يعاني من تخبط شديد هذه الأيام، إلا أن الضغوط الاقتصادية الضخمة التي ستنتجها الحرب الاقتصادية الغربية الروسية ستعيد اليورو إلى حالة الرعب من الانهيار التي عاشها خلال السنوات الماضية.

ماذا عن أوكرانيا؟

أما أوكرانيا، فتعيش على فتات الأزمة العالمية. فهي من جهة، غير مقبولة في الاتحاد الأوروبي بسبب اقتصادها المتخلخل، يضاف إلى ذلك، الوضع السياسي الحالي المأزوم، ومن جهة أخرى، أصبحت معادية لروسيا التي ستضم شبه جزيرة القرم إلى ربوعها.

وإن كان الأسطول الروسي في البحر الأسود هو جاذب روسيا وأميركا والدول الأخرى للاهتمام بشبه جزيرة القرم، فإن أنابيب الغاز الروسية، التي تمر عبر أوكرانيا الى أوروبا الغربية والوسطى، هي النقطة شبه الوحيدة التي تجعل من هذا البلد وجهة البلدان الكبرى المتناحرة.

فأوكرانيا لا تنتج الكثير من النفط، واقتصادها يقوم على الصناعات المعدنية. في حين أن أكثر من 80 في المئة من النفط المستخدم في أوكرانيا هو النفط الروسي. وبالتالي، أصبحت أوكرانيا في ظل الصراع الطاحن مجرد ساحة للصراع، ولا يمكنها أن تفيد من تجاذبات الدول، سوى فيما يتعلق بحجم الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا لكي تبقي لهذه الدول موطىء قدم في ساحة المعركة.

المساهمون