يسعى العديد من المهاجرين المغاربة في مختلف بلدان العالم إلى استثمار ما يدخرونه من أموال طيلة سنوات خدمتهم في بلاد الغربة، لإقامة مشاريع تجارية وأعمال ومبادرات تعود عليهم وعلى البلاد بالنفع، من خلال إحداث رواج اقتصادي يتيح خلق الثروة وتأمين فرص العمل للعاطلين.
وتشير إحصائيات رسمية إلى ارتفاع التحويلات المالية من العاملين المغاربة في الخارج لاقتصاد بلدهم الأصلي، حيث ارتفعت تحويلاتهم المالية من 20 مليار درهم في عام 1990 إلى 56 مليار درهم لهذا العام، وهو ما يمثل 7 في المائة من الناتج الداخلي، كما وصل حجم الودائع المصرفية الى 130 مليار درهم، ما يعني انخفاض نسبة الفقر 3.4 نقطة. الدرهم يساوي حوالي 8.2 دولار أميركي.
مشاريع متنوعة
تتركز استثمارات الجالية المغاربية المقيمة في مختلف بلدان العالم في مجال العقارات ما نسبته 41 في المائة، وسجلت استثماراتهم في المشاريع المُنتجة نسبة 14 في المائة من مجموع الاستثمارات داخل الوطن، كما أن 13 في المائة منهم أقاموا مشاريع تجارية.
وتقدر اليد العاملة المغربية في الخارج بنحو 4.5 مليون شخص، يشكل الشباب 70 من المائة منهم، مما لا تزيد أعمارهم عن 45 عاماً، ويوجد هؤلاء في أكثر من 100 بلد موزعين على 5 قارات، غير أن 80 في المائة منهم يعيشون في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وألمانيا.
ترويج اقتصادي
عاد الحاج الغازي، في العقد الخامس من عمره، والذي قضى 30 عاماً في هولندا، بشكل نهائي إلى المغرب قبل سنوات قليلة، ليستثمر في إنشاء مزرعة تربية الأرانب في ضواحي مدينة عين عودة، القريبة من العاصمة الرباط، في محاولة لاستثمار كل ما أدخره من أموال خلال سنوات الاغتراب في هذا المشروع.
وقال الغازي لـمراسل "العربي الجديد": إن الأزمة الاقتصادية العالمية أثرت على عدد من بلدان القارة العجوز دفعتني لإعادة حساباتي من جديد، فضلاً عن أن تقدم سني لا يسمح لي بالاستمرار في عملي في إحدى شركات تعليب الكارتون، مضيفاً أن هذه العوامل أفضت إلى اتخاذ قرار باستثمار الأموال في مشروع اقتصادي يعود بالنفع على البلاد.
ورأى الغازي أن مشروعه الاستثماري في مزرعة عصرية لتربية الأرانب، لا يجلب له الأرباح المالية فقط، بل يساهم في تحريك الرواج التجاري في المنطقة التي شيد فيها المزرعة، خاصة أنها تعاني من التهميش، كما تمكن المشروع من تشغيل عدد من شباب المنطقة العاطلين عن العمل.
استثمار الأموال في مشاريع داخل الاقتصاد المغربي اهتمام العديد من المغاربة المهاجرين، فبدوره قرر محمد قاسمي العودة إلى البلاد برفقة أسرته الصغيرة بعد أن قضى سنوات في العمل في إحدى المطاعم الكبرى في العاصمة الإيطالية ميلانو، وقال لمراسل"العربي الجديد": جئت لأشاطر خبرتي في تسيير المطاعم في أوروبا مع أبناء بلدي، من أجل الترويج الاقتصادي في مسقط رأسي.
واعتبر قاسمي أنه فضل الانخراط في مشروع تجاري كمطعم متخصص في الأكلات المغربية والمشرقية، على أن يضع أمواله في اقتناء عقار لن يفيد حركية الاقتصاد في شيء، مبرزاً أن المطعم الذي يضع آخر اللمسات قبل افتتاحه يساهم في تشغيل عدد من الشباب المتخرج من معهد الفندقة في مدينة سلا المغربية.
أشواك في الطريق
وإذا كان غازي وقاسمي، وآخرون مثلهما، قد استثمروا حصيلة ما ادخروه من أموال في بلدهم الأصلي، محاولين ضخ دماء جديدة في الدينامية الاقتصادية لبلدهم، من دون مشاكل كبيرة في إقامة مشاريعهم، فإن عدداً كبيراً من المهاجرين المغاربة لم يجدوا طريق الاستثمار في وطنهم مفروشاً بالورود.
وفي هذا الاطار قال مصطفى الرس، أحد هؤلاء المهاجرين المغاربة في هولندا: جئت متحمساً لإقامة مشروع ترفيهي كبير، غير أنني واجهت مشاكل عدة في التمويل من المؤسسات المالية في البلاد.
وأضاف: خسرت مبالغ مالية كبيرة في إعداد الأرض لإقامة المشروع عليها، وتحضير الملفات والأوراق الإدارية المطلوبة، صُدمت بعدم قبول ملفي لدى المصارف، رغم وجاهة المشروع ومردوديته المالية المشجعة.
من جهة أخرى، أشار بوشعيب الرامي، رئيس نادي المستثمرين المغاربة في الخارج، لـ"العربي الجديد"، الى أن هناك جهات تعمل على وضع الأشواك في طريق المهاجرين المغاربة في الخارج الذين يأتون للاستثمار في بلدهم الأصلي، حيث يطالبون دائماً بنصيبهم من المشروع، ما يفسد إكمال المشاريع.
ولحل هذه العراقيل التي تقف في طرق المهاجرين المغاربة للاستثمار في البلاد، ارتأت الحكومة تأسيس صندوق خاص يهدف إلى منح التمويل المشترك مع المصارف للراغبين في إقامة مشروعات جديدة، شرط مساهمة المستفيد في حدود 25 في المائة على الأقل، علماً أن التمويل المصرفي يمكن أن يصل إلى 65 في المائة من كلفة المشروع.