العطش يهدّد قرى نائية في موريتانيا

30 سبتمبر 2017
المياه غير صالحة للشرب (العربي الجديد)
+ الخط -
يلجأ سكان القرى النائية في موريتانيا إلى وسائل مختلفة لتأمين المياه الصالحة للشرب، بعدما فشلت الحكومات المتعاقبة في حلّ مشكلة نقص المياه وتزويد مناطق آهلة بالسكان باحتياجاتها الضرورية. وفي بلد صحراوي، يجد سكان القرى أنفسهم مضطرين إلى اتباع وسائل متعبة للحصول على المياه، في وقت تؤكّد تقارير أن العطش والجفاف اللذين يفتكان حالياً بسكان الجنوب والوسط في موريتانيا، يؤديان إلى زيادة معدلات الهجرة والبطالة.

ولا يقتصر الوضع على القرى النائية، بل يمتدّ إلى تلك القريبة من الطرقات الرئيسية، التي تعاني بدورها لتأمين حاجتها من المياه. وبدت هذه القرى أكثر عزماً من غيرها على إيصال صوتها، وقد نُظمت احتجاجات على الطرقات الرئيسية وأمام المباني الوزارية والقصر الرئاسي في العاصمة، حتّى أن المحتجين قطعوا طرقات رئيسية. ورداً على ذلك، أعلنت الحكومة عن مشروع "آفطوط الشرقي" لجلب المياه من نهر السنغال إلى مناطق الوسط التي تعاني شحاً كبيراً في مياه الشرب. لكن إلى حين انتهاء المشروع، كيف يتصرف القرويّون؟

اضطرّ سكان قرية "تذررت" إلى استعمال مياه المستنقعات الناتجة عن الأمطار الخفيفة التي تساقطت خلال فصل الخريف، للشرب، رغم خطورتها الكبيرة على الصحة. إلّا أن السكان لم يجدوا حلاً آخر. يقول أحد سكان القرية صالح ولد الناجي، لـ "العربي الجديد"، إنّه يضطرّ إلى تصفية المياه من أجل استعمالها للشرب، وذلك من خلال وضع ثوب أبيض على الإناء وسكب المياه، أو تركها مدة من الزمن بعد جلبها من البرك. يضيف أنّه "حين يشتدّ العطش في بعض المواسم، وبسبب صعوبة نقل المياه، لا تجد الأسر ما تسقي به أطفالها، ما يدفعها إلى شرب مياه البرك وأحياناً المستنقعات التي كانت مخصصة للبهائم في السابق".

يشير إلى أنّ الفقر يزيد من معاناة القرويّين مع العطش، وتتأثر زراعاتهم ومواشيهم بسبب الجفاف. وفي ظل تراجع أرباحهم القليلة أصلاً من تجارة المواشي، لم يعد في استطاعة القرويين شراء المياه. كذلك، تُعاني القرى الواقعة على الطريق الرئيسي "الأمل"، الذي يربط بين العاصمة نواكشوط ومحافظات الشرق والوسط، من العطش الشديد، نتيجة تعطل الشبكة المائية. واضطرّ سكان القرى الواقعة على مقربة من الطريق إلى إيقاف العربات والشاحنات لملء حاوياتهم بما يحمله العابرون على الطريق. مشهد أثار تعاطف المسافرين وسائقي الشاحنات الذين أصبحوا يحملون معهم حاويات لمساعدة القرويين في الحصول على مياه الشرب، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وعجز السلطات المعنية عن إغاثة القرى من خطر العطش.



وتُطلق منظّمات وجمعيّات خيرية وأحزاب نداءات استغاثة من حين إلى آخر لإنقاذ سكان القرى من شحّ مياه الشرب ونضوب الآبار القديمة التي لم تعد صالحة للاستخدام. ويحرص ناشطون في المجتمع المدني على نشر صور وشهادات أسر تقضي الليل أمام الحنفيات القليلة، بهدف تعبئة خمسة ليترات من المياه، فيما تقف أخرى على الطرقات في انتظار من "يتصدّق" عليها بحاويات مليئة بالمياه. من جهة أخرى، زادت بعض الأمراض، مثل الإسهال والحمى وغيرها.
وتفكّر بعض العائلات في النزوح إلى المدن، وقد باتت مهدّدة بالعطش، عدا عن تأثيرات الجفاف والتصحّر وفقدان الغطاء النباتي. كذلك، خفّت نسبة الأمطار، ولم يعد القرويون يحصدون إلا الخسائر، حتى أن عائلاتهم باتت مهددة بالموت عطشاً.

ودفع جفاف منابع المياه والسدود الطبيعية القرويين إلى قطع مسافات شاسعة بحثاً عن المياه في طرقات وعرة، وبين قرى متباعدة تفرّقها الانتماءات القبلية. يومياً، يخرج أطفال ونساء بحثاً عن أقرب مورد للمياه، ويقضون ساعات سيراً على الأقدام أو على الدواب، لجلب المياه.
في قرية "كيمي" وسط موريتانيا، يتولّى الأطفال مهمّة جلب المياه من الآبار القليلة الموجودة على مسافة بعيدة، من دون أن يكترثوا للشمس الحارقة أو المدارس التي هجروها بسبب معاناة أهلهم من شح المياه. أحمد ولد محمد لمين (13 عاماً) هو أحد هؤلاء. يقول إن جلب المياه مهمّة أساسية في عائلته، وتأخذ كل وقته، وتغني عائلته عن شراء المياه بأسعار مرتفعة من الصهاريج. يضيف أنه والعشرات من أقرانه يغادرون القرية يومياً إلى القرى المجاورة لجلب المياه للماشية، علماً أنه اضطر إلى ترك المدرسة. الأهم بالنسبة إليه في الوقت الحالي هو تأمين المياه لعائلته.

وتأمل الحكومة أن يساهم مشروع "آفطوط الشرقي" في إنقاذ القرى من العطش من خلال تأمين احتياجاتها. وتكشف وزارة المياه والصرف الصحي أنّه يفترض أن يستفيد من هذا المشروع نحو 180 ألف نسمة في 450 قرية، من ضمنها 146 قرية في منطقة أمبود. وتوضح أن القرى الأخرى التابعة لهذه المناطق، والتي لم تستفد من المشروع بسبب بعدها عن مسارات الأنابيب، ستحصل على المياه من خلال مشاريع أخرى.

وتؤكّد السلطات أن نسبة الوصول إلى مياه صالحة للشرب في موريتانيا ارتفعت من 40 في
المائة في عام 2009 إلى 68 في المائة في نهاية عام 2015، على أن تصل إلى 80 في المائة بعد الانتهاء من مشروع "أفطوط الشرقي". لكنّ بعض المنظمات المعنية تشكّك في صحة هذه الأرقام في ظل معاناة نصف سكان موريتانيا من العطش.

المساهمون