وشهدت البصرة، منذ بداية الأسبوع الماضي، هدوءاً نسبياً، بعد عمليات حرق وتدمير نفّذها محتجون غاضبون، وطاولت مقرات الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران، عدا عن القنصلية الإيرانية في المحافظة، ومبان حكومية ومنازل مسؤولين محليين وزعامات سياسية مختلفة، دفعت على أثرها بغداد بقوات إضافية إلى المدينة الجنوبية، وفرضت حظراً شاملاً للتجوّل، فيما يؤكّد ناشطون استمرار عمليات الاعتقالات السرية للمتظاهرين، وقتل بعضهم في ظروف غامضة.
وفي هذا الإطار، قال الناشط منار الأسدي، وهو مسؤول الإعلام الإلكتروني لـ"ثورة البصرة"، إنّ "حملات الاعتقال الليلية والسرية للمتظاهرين ما زالت مستمرة، وقد سجلنا أكثر من 70 حالة منذ بداية الشهر الحالي"، مبيناً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الاعتقالات تمارسها قوات تابعة لجهاز سوات وعناصر من حركة النجباء وعصائب أهل الحق". وأضاف أنّ "ما يصل إلى العراقيين عبر الإعلام عن عدد القتلى غير حقيقي، فهناك قتلى لم يتم التحدّث عنهم، وتحديداً من ساكني الأرياف، حيث تمّ قتلهم وسحبهم مباشرة إلى بيوتهم ودفنهم في ظروف هادئة". وأشار الأسدي إلى أنّه "وفق المعلومات الحقيقية التي نسجّلها حول الاغتيالات والتصفيات، فإنّ حصيلة الاحتجاجات هي أكثر من 50 قتيلاً وأكثر من 700 جريح، ومن الجرحى من هم عرضة للموت بسبب قوة الإصابة".
وكانت وزارة الصحة العراقية ومديرية دائرة الطب العدلي في محافظة البصرة، أكدتا السبت الماضي، استلامهما جثث 4 شبان قضوا رمياً بالرصاص في المحافظة، في حين كشفت وسائل إعلام عراقية أنّ الشبان الذين قتلوا "كانوا ضمن المتظاهرين في منطقة القرنة غرب البصرة، وحين انسحبوا من التظاهرات ليلاً تمّت تصفيتهم عبر مجهولين". يُذكر أنّ منظمة "هيومن رايتس ووتش" أكدت في تقرير، في يوليو/تموز الماضي، أنّ القوات العراقية "استخدمت القوة القاتلة والمفرطة إلى حدّ كبير" ضدّ المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بالخدمات والوظائف والماء والكهرباء، ودعت القوات العراقية، إلى تنفيذ القانون وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة الأساسية، بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية.
في غضون ذلك، أشار عضو مجلس محافظة البصرة، غانم حميد، إلى أنّ "المتظاهرين في أحياء البصرة، مثل كرمة علي وفلكة العروسة، وأبي الخصيب، والأمن الداخلي، والحكيمية، والبصرة القديمة، والمشراق، والبراضعية، عادوا للتظاهر من جديد بعد هدوء استمر أياماً. واليوم هم عازمون على عدم ترك ساحات الاحتجاج حتى تحقيق مطالبهم المشروعة". ولفت حميد في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "وكلاء وزارات المالية والموارد المائية والبلديات، موجودون حالياً في البصرة، والعمل مستمرّ من أجل توفير الحلول للمشاكل في المدينة"، مضيفاً: "المياه الحلوة بدأت بالوصول إلى المناطق الشمالية من المدينة بعد التفعيل الجزئي لقناة قلعة صالح المائية، وهناك ترميم في خطوط النقل المائي، لإطلاق المياه بطريقة المراشنة، أي أن المياه ستتوفّر ساعتين لكل منطقة، وأعتقد أنّه خلال شهر واحد ستكون المعالجة كاملة في البصرة".
وبيَّن حميد أنّ "البصرة تشهد انفراجاً جزئياً في أزمتها، يقابله تصعيد من قبل المتظاهرين الغاضبين، فيما عادت مرة أخرى المطالبة بالانفصال وإنشاء إقليم البصرة، لكن كلّها تدخل ضمن الانفعالات للشباب الغاضبين من الفشل الحكومي".
ولا تزال أعداد المصابين بالتسمّم في البصرة، بسبب المياه المالحة والرديئة في تزايد، بحسب المسؤول في دائرة صحة البصرة، عادل الموسوي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "المستشفيات في المدينة بلا مغذّيات وأدوات طبية. فمنذ ثلاثة أشهر وحالات الإصابة بالتسمم والمغص والإسهال في تزايد، وهو ما أدى إلى استنزاف جميع المواد الطبية"، مبيناً أنّ "مستشفى البصرة العام يسجّل يومياً أكثر من 250 حالة تسمّم، ولا يوجد أيّ تدخّل من قبل وزارة الصحة. وفي ناحية الهارثة وحدها، تمّ تسجيل أكثر من 4000 حالة تسمم منذ بداية الأزمة وحتى الآن".
ميدانياً، وبعد فشل البرلمان العراقي في مناقشة أوضاع البصرة في جلسته الخاصة التي عقدها الأسبوع الماضي، والتي انتهت باتهامات متبادلة بين محافظ البصرة أسعد العيداني ورئيس الحكومة حيدر العبادي، بالفشل الإداري والتقصير والفساد، عقد وزير الموارد المائية حسن الجنابي، الأربعاء، "اجتماعاً للوزارة بغية مناقشة الوضع المائي في المدينة التي تشكو العطش والملوحة، ومناقشة تحويل المقطع الأخير من قناة البدعة (المائية) إلى أنبوبي، من أجل زيادة ضخّ المياه، وتوفير الصالح للشرب إلى أحياء البصرة، وزيادة كمية الإطلاقات الواصلة من ناظم قلعة صالح في مدينة ميسان بنحو 20 في المائة"، وذلك بحسب ما ذكر بيان رسمي.
إلى ذلك، قال الجنابي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "العجز المائي الحاصل في مدينة البصرة، يحدث بسبب التجاوزات الكثيرة على نهري دجلة والفرات، وتحويل مسارَيهما بما يلبي رغبة المتجاوزين في محافظات شمال البصرة، مثل الديوانية وذي قار"، مؤكداً أنّ "هذه التجاوزات تسبّبت بضياع حصة البصرة". وبيّن الوزير أنّ "العمل جار على استرجاع حصة البصرة بعد توفير الغطاء المالي للعملية. وبعد معالجة هذه التجاوزات، ستشهد البصرة استرخاءً مائياً ملحوظاً، فيما يبقى على الحكومة محاورة المتجاوزين ومن ثمّ اتخاذ إجراءات قوية ورادعة بحقهم".
برلمانياً، أعلن أعضاء مجلس النواب العراقي الجديد عن البصرة، عن تشكيل خلية "مجلس البصرة النيابي"، لمتابعة عمل الحكومة وتكوين جبهة ضاغطة عليها لحلّ أزمة مدينتهم. وقال عضو الخلية عامر الفايز، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الهدف من الخلية هو متابعة عمل الحكومة وتوحيد صفوف نواب البصرة لتمثيل شعبهم ومطالبه"، مبيناً أنّ "الخلية ستعقد جلسات خلال الدورة البرلمانية الجديدة، ولن ينتهي عملها حتى يتحقّق كل ما طالب به أبناء البصرة".
يشار إلى أن رئيس الحكومة حيدر العبادي، قد فشل في الحوار مع وجهاء وشيوخ العشائر خلال زيارته البصرة الأسبوع الماضي، على خلفية تفاقم الخلاف بينه وبين المحافظ أسعد العيداني. وقد تعرّض العبادي لانتقادات شديدة في اللقاء الذي جرى في فندق "الشيراتون" وسط البصرة. وقبل مغادرته المدينة وتوجهه إلى بغداد، قال لتلفزيون "العراقية" الرسمي، إن "محافظة البصرة لم تحظ بإدارة مناسبة تنهض بواقعها".