العرب وسباق الرئاسة الأميركية

27 أكتوبر 2015

أوباما.. رئيس أميركي يوصف بأنه يساري (Getty)

+ الخط -
لا يميز عرب كثيرون بين الإدارات الأميركية المختلفة، فيرونها جميعها، من العين نفسها؛ داعمة لإسرائيل، وكأن العلاقة الأميركية الإسرائيلية المعيار الوحيد لتقييم أية إدارة، على الرغم من أن هذه العلاقة أيضاً ليست خطاً بيانياً مستقيماً، بدليل علاقة الإدارتين الإسرائيلية والأميركية الحالية.
يختلف الرئيس الأميركي، باراك أوباما عن سلفه جورج بوش، كما أن أميركا أوباما غير أميركا بوش. وعليه، فإن طريقة التعامل مع كلا الأميركيتين تختلف، وتحتاج منهجاً مختلفاً.
لم يكن الجمهوري بوش، في بدايته، من مناصري السياسة الخارجية التدخلية، بل كان يدعو إلى التخفيف من حدة الوجود العسكري الأميركي في الخارج، منتقداً المرشح الديمقراطي، آل غور الذي كان منافساً له وقت ترشّحه للرئاسة. وعموماً، فإن الجمهوريين الذين هم بالأصل أقل تدخّلية، يدعون إلى التركيز على أميركا، والعمل للحفاظ على الستاتس كو العالمية، أي الوضع الراهن، إلا أن بوش غيّر من سياسته مع أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2011، وعندها برز تيار المحافظين الجدد الداعي إلى نشر الفكر الديمقراطي وبالقوة، تحقيقاَ لما يرون فيه مصلحة للأمن القومي الأميركي، فكانت الحربان في أفغانستان والعراق، وكانت إسرائيل شريكاً قوياً للولايات المتحدة فيهما، ليس بسبب ما تتمتع به مِن شعبية في أميركا وحسب، وإنما لما يمكن لإسرائيل تقديمه لمساعدة أميركا في حربها في الشرق الأوسط، المنطقة التي لا ينازع الإسرائيليين أحدٌ في فهم تعقيداتها ومعرفة أسرار حكامها.
تُوّجت مرحلة ما بعد الحرب على العراق بفشل ذريع. صحيح أن الولايات المتحدة حققت نصراً عسكرياً مبيناً في تدخلها ضد قوات صدام حسين، إلا أنها لم تنتج حكومات واعدة في البلاد، ولم تنجز أي استقرار في المنطقة، بل سبّبت مزيداً من الفوضى، إضافة إلى الخسائر في أرواح الأميركيين، الأمر الذي لعب دوراً كبيراً في النظر إلى حرب العراق، على أنها حرب فاشلة بنظر الأميركيين، ما لعب دوراً كبيراً في تعزيز موقف التيار المناهض للحرب.
برز أوباما وخياره الديمقراطي اللاتدخلي في الواجهة نهج تغيير، بالإضافة إلى الكاريزما في شخصه، والتي لعبت دوراً مهماً في انتخابه، إضافة إلى أمور كثيرة. وقد ركّز أوباما اهتمامه على الداخل الأميركي، مبتعداً قدر ما استطاع عن الأزمات في منطقة الشرق الأوسط التي حمّلت حروب بوش فيها الأميركيين وزراً كبيراً، إلا أن أوباما الذي آمن بالتغيير في أميركا، كما في باقي دول العالم، لم يؤمن بالتغيير المفروض من الأعلى كما بوش، بل الذي يكون صنيعة أهله، لا الولايات المتحدة أو سواها، على أن يكون التغيير تقدّمياً وليس رجعياً، أي يتطابق مع عقلية أوباما التقدمية. وعمل أوباما على تعزيز فكرة السياسة الناعمة التي يؤمن بها، وخصّصت إدارته ملايين الدولارات لدعم الربيع العربي عن طريق منظمات المجتمع المدني العاملة في المنطقة.
أما دعاة التغيير في بلادنا، والذين لم يبذلوا جهداً يذكر باتجاه إدارة أوباما، وإقناعها بأنفسهم قوة يمكنها التطابق مع خيار الإدارة الأميركية الحالية، فقد استحوذت عليهم قوى تدعو إلى التغيير، لكنه تغيير رجعي، يخالف تيار أوباما الذي يطالبونه بالتدخل، على الرغم من انتقادهم أميركا في حقبة بوش.

يتحمس اليوم السوريون الأميركيون للمرشحين الجمهوريين، والذين يعتقدون أن التغيير سيأتي عن طريقهم، غير مدركين حقيقة أن تيار بوش (التدخلي المرحلي) ليس أصيلاً في الحزب الجمهوري، بل ويحاول الابتعاد عنه معظم المرشحين الجمهوريين، بمن فيهم جيب بوش الذي لا يشترك مع جورج بوش بالقرابة وحسب، بل بالممولين والمستشارين.
سيذهب أوباما، لكنه أسس مدرسة لها منتقدوها، ولها محبوها، يمكن الاستفادة من أخطائها، وعدم تكرار الوقوع فيها. وأهم هذه الأخطاء أن الرئاسة يجب أن تكون استمراراً للفترة الرئاسية التي سبقتها فلا تنسفها كلياً، كما فعل أوباما حين سحب القوات الأميركية من العراق، وابتعد كلياً عن المنطقة في مناهضة سياسة بوش الذي سبقه. والواضح أن أبناء المنطقة من المسلمين يتمنون رئيساً جمهورياً في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، ويتطلعون إلى تغيير، وتدخّل تفرضه واشنطن، وهذا حساب خاطئ، نقع فيه سهواً، ليأسنا من سياسة أوباما غير التدخلية، فهو لم ينه معاناة آلاف من السوريين والعراقيين، وزاد سحبه القوات الأميركية من العراق الطين الشرق أوسطي بلة، حيث اختل توازن القوى لصالح القوى المدعومة من إيران، والتي استلمت العراق بعد الحرب الأميركية هناك. وكان وصول أوباما الذي وصف بأنه يساري إلى البيت الأبيض بمثابة ثورة غيرت كثيراً في الأميركيين، وأدخلت الأفارقة الأميركيين بقوة عنصراً أساسياً ومهماً يُنتخب ويؤثر في اختيار الرئيس، وكان أوباما أيضاً من أكثر الرؤساء الأميركيين نزوعاً إلى الصداقة مع منطقة الشرق الأوسط، ومع العالم الإسلامي عموماً.
فوّت السوريون التقدميون فترة حكم أوباما الذي كان يردّ على نظرائه الجمهوريين بأن "حربنا ليست ضد الإسلام"، حين كانوا يطالبونه بحصر عدو الولايات المتحدة "بالإرهاب الإسلامي تحديداً". لم يتمكنوا من الاجتماع على كلمة واحدة، تقنع إدارة أوباما بأننا نستحق الدعم وبأننا سنكون الجماعات التي تقوم فعلاً بالتغيير التقدمي الإيجابي ضد نظام الأسد. أوباما الديمقراطي المتأثر بإدوارد سعيد، والذي لا يقتنع بكل ما يقوله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، جعله اللوبي الموالي لإسرائيل عدوّاً له. أوباما الذي يمتعض و يشمئز من كلام الجمهوريين عن المسلمين في أميركا أو خارجها، كان أكثر رئيس يسهل إقناعه بثورة الشعب السوري .
إسرائيل والإعلام الأميركي اليميني غاضبان، اليوم، من مواقف أوباما "غير المنحازة لإسرائيل"، بعد أن تجاهل كلمة نتنياهو في الأمم المتحدة عن حوادث طعن إسرائيليين ومقتل 37 فلسطينياً، وقد أصدرت واشنطن تصريحات عديدة أن حوادث الطعن جرائم يجب ألا تتكرر، وأدانت العنف غير المنطقي والتعسفي من إسرائيل. ولذلك، بوجود رئيس مثل باراك أوباما تبقى إسرائيل محرجة وغير قادرة، على الرغم من حوادث طعن المدنيين الإسرائيليين، على الرد على الفلسطينيين بعنف مشابه لعنف الدكتاتوريات العربية.
أمل العالم الإسلامي اليوم هو في وصول رئيس ديموقراطي إلى البيت الأبيض في انتخابات 2016، يكمل مسيرة أوباما "الفكرية" وغير الفوقية في نظرتها إلى المسلمين، على أن يستفيد من أخطاء الإدارة السابقة، وخصوصاً في الانسحاب الكلي من المنطقة. أما وصول رئيس جمهوري فيعني شراكة أمتن مع أنظمة عربية تشارك الجمهوريين عنصريتهم تجاه المسلمين، وشراكة مع روسيا القادرة على إقناع أي رئيس جمهوري بأن علينا ضرب مزيد ممن يدّعون أنهم معارضون للأسد، فيما هم من القاعدة وداعش وإرهابيون لا يستحقون الحياة. فأي رئيس يميني، سيتحالف، وبكل تأكيد، مع قوى اليمين في العالم، ولن يجد من هو أكثر يمينية من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للتحالف معه.

94C34C0A-F467-43D8-968C-FE51A8B0CF8B
هديل عويس

صحافية وناشطة سورية، اعتقلت في مارس/آذار 2011 لتوزيعها مع طلاب من جامعة حلب مناشير تدعو إلى التغيير في سورية. بعد إطلاق سراحها، استمرت في نشاطها لتعتقل مرتين. تقيم اليوم في واشنطن، وتكتب في الشؤون السورية والأميركية.