العرب وجيوش القرن 21

20 اغسطس 2015
+ الخط -
الدفاع عن الأوطان واجب مقدس، وهو حق مشروع للشعوب الحرة بطبيعة الحال، فالشعوب غير الحرة، أو المستعمرة، يسقط عنها هذا التكليف، لأنه عليها أولا أن تتحرر، وتمتلك إرادتها، ومن ثم تصبح مسؤولة عن الدفاع عن أوطانها ومقدراتها، والدفاع عن الأوطان يتطلب بناء جيوش وطنية قادرة على تحقيق الأمن والحماية لشعوبها، وردع ورد أي عدوان يستهدف المساس بسيادتها على حدودها البرية، أو البحرية، أو مجالها الجوي. وهكذا تكتسب الجيوش الوطنية لدى شعوبها مكانة رفيعة، لا تدانيها مكانة أي مؤسسة أخرى مهما كانت، وتعتز الشعوب بجيوشها، وتفاخر بها، وتحرص على النص فى كل دساتيرها على أن الجيش ملك للشعب، وأيضاً على أن التجنيد إجبارى وخدمة وطنية، والتهرب منه جريمة مخلة بالشرف، وحتى في الدول التى لا تعتبر التجنيد العسكري إجباريا، فإنه لا يجوز للمواطن التخلف عن الخدمة الوطنية في حالات التعبئة العامة والطوارئ. 

تلك هي طبيعة الأشياء التي قامت على أساسها الممالك العظيمة، والإمبراطوريات الكبرى على مر التاريخ، وانهيار تلك الأسس والقيم كان هو السبب، أيضاً، في انهيار تلك الممالك والدول، ونحن لسنا في مجال استعراض النماذج التاريخية، فهى كثيرة، لكننا في مجال طرح قضية شديدة المعاصرة، وشديدة التأثير على مستقبل أجيالنا فى الأقطار/ أو الوطن العربي؟
فمع انهيار آخر إمبراطوريات الشرق التي كانت ترفع راية خلافة إسلامية عثمانية، ورثتها عن خلافة إسلامية عباسية، كانت قد انهارت قبلها بسنوات طويلة، حتى أعلن إحياءها السلطان سليم الأول بعد فتح مصر، واصطحاب آخر الخلفاء العباسيين، اسماً، محمد المتوكل على الله، معه إلى الأستانة، وإعلانه هناك التنازل عن الخلافة. هكذا، طوال تلك السنوات، ذابت الهوية العربية فى إطار تلك الكيانات الإمبراطورية الكبرى، ولم يكن هناك مجال للحديث عن هويات عربية، ولا عن جيوش وطنية عربية، بالمفاهيم المتعارف عليها حديثاً.

ودار التاريخ دورته، وانهارت الامبراطورية العثمانية العتيدة، بعد هزائم متعددة، كان آخرها الحرب العالمية الأولى، على يد قوى الاستعمار الصاعدة، والتي كانت قد عقدت العزم على تفتيت قلب المنطقة العربية الإسلامية، ووضع نهاية لفكرة إمبراطورية الخلافة، ومع بوادر الانتصار الغربي، تم وضع مخطط سايكس - بيكو (1916) الذي يعتمد على تشعيب المنطقة، أي تقسيمها إلى شعوب متباينة ذات طابع وطني/ قومي، تتحول إلى دول منفصلة. وبالطبع، تم الإعلان عن سقوط دولة الخلافة، وإعلان قيام دولة تركيا على يد أتاتورك في عام 1924، والباقي معروف، وعد بلفور وقضية فلسطين، تشجيع إنشاء جامعة دول عربية، قرار تقسيم فلسطين، قيام دولة إسرائيل، سلسلة حروب وجولات عسكرية، موجات انتفاضات، وثورات، وانقلابات، تحت شعارات متعددة، وغالبا متباينة. عشرات بل مئات الآلاف من شباب الأمة يسقطون ضحايا حروب ومعارك، لم تقض على عدو، ولم تحرر أرضاً، مليارات المليارات من الدولارات وكل أنواع العملات تم إنفاقها، لم تبن صرحاً علمياً، ولم تنتج سلاحاً.
ينتقل العالم من حروب الأجيال الأولى التقليدية إلى حروب الأجيال التالية الأكثر تقدماً، إلى حروب الأجيال الرابعة والخامسة الفائقة التقدم، والعالم الذي أعنيه، هنا، هو العالم الغربي، القاطن فى نصف الكرة الشمالي، العالم الذي حدد عدوه بدقة، وأعد له السلاح الملائم له، وهو، باختصار شديد، أن تبقوا كما أنتم شعوباً مقسمة، كما حددتها لكم سايكس - بيكو، وإن كانت لم تعد ترضيكم، فلا بأس من إدخال تعديلات عليها، لتكون "كيرى – لاڤروڤ". وسنتعامل معكم كدول مستقلة، سنبيعكم سلاحاً حديثاً، مقاتلات، وحوامات مسلحة، ولنشات سريعة، ومدرعات، وراجمات صواريخ، وغيرها كثير، ولن تكون هناك قيود ولا سباقات وتنافسات بيننا، بل سنقدم لكم كل السلاح لجيوشكم الوطنية، من روسيا، وفرنسا، وأميركا، وألمانيا، وأيضاً من الصين، وأسبانيا، وغيرها من الدول المنتجة، وستكون لديكم جيوش وطنية حديثة تفخرون بها. ولكن، بشرط واحد، أن تلك الجيوش لا تصلح سوى للقتال ضد الإرهاب.
هذا هو الخطر الداهم الذي يهدد أوطانكم، كل أوطانكم، فهو يزحف من الموصل إلى الرمادي في العراق، ومن العراق إلى الرقة في سورية، ومن سورية إلى سرت في ليبيا، ويقترب من درنة، ومن حدود مصر الغربية إلى أقصى الشمال الشرقي في الشيخ زويد في سيناء، واتجه إلى الشمال الإفريقي، ليضرب سوسة والعاصمة تونس، ثم ينتقل إلى الجزائر، ولا يستثني من ذلك أرض الحرمين.
يقوم ذلك الإرهاب بكل تلك الجولات في المنطقة، لكنه لا يقترب من موطن الإرهاب نفسه، والذي يجب أن تبنى الجيوش استعداداً له، وهو إسرائيل. العكس ما يحدث، وهو حرق المستوطنين الإرهابيين الأطفال وأسرهم أحياء، من دون أن يفكر الغرب في تقديم، ولو وسائل وقاية، إو إطفاء للمواطنين العرب الفلسطينيين، وليس مقاتلات وحوامات ولنشات لمواجهة الإرهابيين الآخرين.
تلك هي جيوش العرب في القرن 21.

2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.