العرب وتركيا

31 مارس 2016
ملك الأردن ورئيس وزراء تركيا (Getty)
+ الخط -
بعد تأخر أسبوع عن موعدها، بسبب التفجيرات الإرهابية في إسطنبول، قام رئيس وزراء تركيا أحمد داود أوغلو بزيارة للمملكة الأردنية الهاشمية، التقى خلالها كبار المسؤولين، من الملك عبدالله الثاني إلى رئيس الحكومة وأعضائها. كما عقد لقاءين آخرين، الأول مع رجال الأعمال، والثاني مع عدد محدود من المفكرين وقادة الرأي، وكنت أحدهم.
وقد استثمر السيد أوغلو اللقاء من أجل الإسهاب في شرح سياسة تركيا الخارجية، والمبادئ التي تقوم عليها. وتكلم بانفتاحٍ واضح عن علاقات تركيا بجيرانها العرب، ومع إيران، ودول الخليج العربي.
أكد أن سياسة تركيا تقوم على التعامل مع الدول أو الأمم أو الشعوب، ولا تستند إلى علاقةٍ فوقيةٍ مع رؤساء الدول فحسب. وقال إن تركيا تبنت سياسة "لا خلافات"، أو "خلافات عددها صفر" مع الجيران، طالما أن قيادات الدول وشعوبها تنعم بتفاهم بينها وانسجام. أما المبدأ الثاني فهو احترام خيار الشعب في قياداته. وطالما أن القيادة قد انتخبت من الشعب، فإن تركيا تحترمها، ونتعامل معها. أما أن يقوم انقلاب على القيادات المختارة من الشعب، فهذا لا تقبل به تركيا، خصوصاً وأنها قد انكوت أكثر من مرة بالانقلابات العسكرية، والتي جلبت على تركيا الفوضى والإفلاس. والمبدأ الثالث الذي تحدث عنه، سياسة الاشتمال لكل مكونات الشعب، ضمن إطار سياسي عادل وممثل لهم. وقال إن تركيا بلد القوميات والإثنيات والطوائف والمذاهب والأديان. ونحن نريدهم جميعاً أن يشعروا أنهم مواطنون لا أقليات. ونبّه إلى خطورة إثارة النعرات ضد الأقليات العددية، لما في ذلك من خطر داهم على الأمن والاستقرار.
وفي ضوء هذه المبادئ، قال إن علاقاتنا مع سورية كانت متميزة، مذكّراً أنه، كوزير خارجية لتركيا، زار الرئيس، بشار الأسد، مرات عدة، كان آخرها بعد حوادث درعا، وبُعيد اندلاع الثورة هناك. وأكد أنه نبه وزير الخارجية السوري إلى خطورة استخدام الجيش ضد الثورة، لأنه، حسب قوله، جيش من طائفة واحدة، ما سيزيد النار اشتعالاً، وألّا يستخدم السلاح الحي ضد الشعب، وعرضنا عليه أن نقدم لهم وسائل سلمية (الرصاص المطاطي) للسيطرة على المظاهرات، وبعد ستة أشهر من القتل والدمار في سورية، كان لا بد لنا أن نتخذ موقفاً.
أما علاقتنا مع إيران، فقد حذّرتها تركيا من التدخل في دول الجوار. وذكر أنه لما كان وزيراً للخارجية، قابل نظيره الإيراني الذي اتهم نظام أردوغان بالعلمانية، فأجابه أوغلو، دعنا نرى لماذا تعتقد أن "نظامك الديني الإسلامي" خير من نظامنا العلماني. فأنتم كنتم غائبين عن كل مساعدة للدول التي عانت من الفقر، لكنكم كنتم هنالك كلما اندلعت فتنة تناصرون جانباً على الآخر. ألم تقولوا، إن أربع عواصم عربية صارت تحت قبضة إيران، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء؟ تركيا تساعد وتبني وتدافع عن نفسها، أما أنتم فلا تساعدون، بل تشعلون النار وتؤججونها، وتنقلون المنطقة كلها إلى حرب شيعية سنية مدمرة.

وبالنسبة للعلاقة مع مصر، أكد داود أوغلو أن عدم استقرار مصر ينطوي على كارثةٍ كبرى في المنطقة، بصفتها دولة كبيرة وأساسية، لكنه قال، إن خلافنا مع مصر ليس قائماً على الإطلاق على تأييدنا الرئيس السابق محمد مرسي، لأنه من حركة الإخوان المسلمين، بل لأنه كان الرئيس الشرعي المنتخب، وقام ضده انقلاب عسكري، يذكّرنا بتاريخنا المظلم الذي نود نسيانه.
أما إسرائيل، فنحن في مفاوضات معهم. وموقفنا منهم واضح في هذه المفاوضات. المسجد الأقصى خط أحمر، القدس خط أحمر، وأما ثالثة هذه الأولويات فهي رفع الحصار عن غزه، والسماح لأهل غزه ببناء ميناء، واقتصاد.
وأكد أن تركيا تسعى إلى إيجاد منطقة متحالفة ومتماسكة اقتصادياً، قائلاً إن سورية والأردن والعراق وتركيا تشكل دول الشرق "ليفانت" الذي يتكامل مع بعضه، وقد سبق لتركيا أن طرحت الفكره، لكن أحداث العراق وسورية جعلت ذلك غير ممكن في الوقت الحاضر.
وقال إن المنطقة مرّت بأربعة براكين في الفترة الأخيرة: أحداث "11 سبتمبر"، والتي حوّلت الإسلام إلى عدو للغرب. احتلال العراق عام 2003، انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية، الثورة العربية في الدول الفاشلة.
وأكد أن الأردن وتركيا هما الدولتان الوحيدتان المجاورتان لكل من العراق وسورية، وأن أي نتائج ستتبلور فيهما سوف تؤثر على مستقبل الأردن وتركيا.
ولذلك، فنحن متمسكون بالحفاظ على وحدة أراضي الدولتين. وقال إن على الأردن وتركيا أن يعملا معاً من أجل مواجهة التحديات الأربعة القادمة. التحدّي الأيديولوجي لمحاربة الإرهاب، والتصدي للإسلاموفوبيا، التحدّي الأمني لمقاومة الإرهاب والفلتان، التحدّي السياسي في الوصول إلى نظم عاملة فعّالة قادرة على خدمة شعوبها ونمائها، التحدي الاقتصادي لضمان رفاه الشعوب ودعم قدراتها الإنتاجية.
كان حديثه مرتباً وممنهجاً. والرجل أستاذ جامعة ويعرف اللغة العربية، إذ سبق له أن درس في مصر والأردن، وكذلك زار سورية عشرات المرات. وهو يتحدث العربية والإنجليزية بشكل جيد.
نفى أن لتركيا أطماعاً لعودة السلطنة العثمانية. وقال نحن دولة نريد علاقات متميزة مع الجيران. وعلى الرغم من كل ما عانته تركيا من الإرهاب واللجوء، إذ هي أكبر مستقبل للاجئين، إلا أنها ترى أن قيام الدولة على مبادئ ثابتة هي الطريق الأفضل والأسلم.
وقال نحن مسلمون بدون تطرّف، أصحاب مبادئ مع أخذ واقع العالم بعين الاعتبار، ونحن دولة متعددة الأعراق، ونريد أن نبقي البوتقة التي تمزج الجميع، في الوقت الذي تحترم فيه معتقداتهم ولغتهم وثقافتهم وخصوصيتهم.
هذه هي تركيا اليوم كما يراها رئيس وزرائها. ولكن، لا شك أن كثيرين سيقولون إن لتركيا تطلعات إقليمية، وتتدخل في شؤون الدول الأخرى، وإنها تريد بيع نموذجها والهيمنة على المنطقة العربية وعلى جمهوريات وسط آسيا.
مهما قلنا وحللنا، تبقى تركيا حاضرةً بواقعها، وجغرافيتها، وتاريخها، وثقافتها. وعلينا أن نبقي الحوار معها، ولديها الكثير الذي يمكن للعالم العربي أن يتعلّم منه ويستفيد.



المساهمون