استمع إلى الملخص
- **العلاقات الاقتصادية بين الهند وروسيا**: الهند تنمو بسرعة وتعتبر شريكًا تجاريًا مهمًا لروسيا، خاصة في استيراد الطاقة، مع ترتيبات نقدية لتعزيز الروبية في التجارة الآسيوية.
- **التحولات الجيوسياسية والتعاون الهندي الروسي**: زيارة مودي لموسكو تهدف لتوسيع العلاقات الاقتصادية وتقسيم العالم إلى ثلاث مجموعات، مع نظام دفع ثنائي بالعملات الوطنية، مما قد يقلل التنسيق بين بكين وموسكو.
لا يستبعد محللون أن يكتب دونالد ترامب نهاية الحقبة الحالية من النظام الاقتصادي العالمي الذي تسيطر على أميركا، وذلك في حال فاز بالانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وبالتالي، فإن الحرب الباردة بين بكين وواشنطن ربما تصل إلى مرحلة الحرب الساخنة خلال دورة ترامب الرئاسية المقبلة، في حال فوزه، على جميع المستويات السياسية والتجارية والتقنية وحروب الوكالة العسكرية.
ووفق مراقبين، فإن موسكو غير راغبة في التخلي عن نفوذها وتظل تابعة في هذه الحرب لبكين، كما أن نيودلهي لا ترضى بالتبعية للولايات المتحدة رغم المصالح الاقتصادية الواسعة التي تربط كلاً منهما ببكين وواشنطن. وبالتالي، ينظر هؤلاء إلى زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى موسكو يوم الاثنين الماضي (8 يوليو/تموز) أنها تأتي في سياق الترتيب لعالم متعدد الأقطاب بعد نهاية النظام العالمي الحالي، يكون لكل من موسكو ونيودلهي دور كبير فيه، إذ إن كلتا الدولتين لها ثقل اقتصادي وتجاري كبير في العالم.
ووفق البيانات الرسمية الهندية، يبلغ الاقتصاد الهندي نحو 3.732 ترليونات دولار، كما أن الهند تنمو بشكل سريع ولديها كتلة استهلاكية ضخمة، حيث يقدر عدد سكانها بأكثر من 1.4 مليار نسمة، بالتالي فهي دولة مهمة للتجارة الروسية خاصة في مجال استيراد الطاقة والسلع.
وفي المقابل، فإن روسيا لها نفوذ جيوسياسي كبير ومتقدمة عسكرياً، خاصة في مجال الأسلحة الذرية والصاروخية. ورغم أن اقتصادها صغير مقارنة بالصين والولايات المتحدة وحتى الهند. ولا يفوق حجم الاقتصاد الروسي 2.5 تريليون دولار وفق تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين في 8 مايو/أيار الماضي، ولكنها دولة غنية بموارد الطاقة والقمح والشعير والحبوب والمعادن الرئيسة في الصناعة.
وتحتاج روسيا التي تعاني من العقوبات الغربية إلى السوق الهندية بشدة في تصدير النفط والغاز الطبيعي والسلع الأولية الأساسية مثل الألومنيوم. كما أن الهند بحاجة لترتيبات نقدية لتسديد ثمن الواردات الروسية بالروبية بدلاً من الدولار واليوان الصيني، وبالتالي، تتمكن من مساعدة سعر صرف عملتها الروبية لتصبح العملة الحاملة للتجارة في آسيا وسط التراجع المتواصل للين الياباني، ومخاوف دول جنوب شرق آسيا من الأطماع التوسعية للصين.
ووفق تقرير في صحيفة "إيكونوميك تايمز" الهندية أمس الخميس، ناقش رئيس الوزراء مودي أثناء لقاء القمة مع بوتين هذه الترتيبات إلى جانب ترتيبات عملة بريكس، ونظام الدفع البديل لسويفت. وفي السياق، قال الخبير الأميركي فينسنت لانسي في تحليل يوم الأربعاء، نشره موقع "زيرو هيدج"، إنه من المؤكد أن مجموعة بريكس تسير نحو تطبيق المعيار الذهبي خلال السنوات الخمس المقبلة. وهذا بالنسبة للغرب يعني أنه إذا أرادت دولة غربية التجارة مع مجموعة بريكس مقابل سلعة معينة، فإنها تحتاج إلى المزيد من الذهب لتسديد فاتورة وارداتها. وإذا كان الغرب لا يرغب في التجارة مع مجموعة بريكس في ما يتعلق بهذه العناصر، فيجب عليه إيجاد سلاسل التوريد الخاصة به. ومثل هذا الترتيب النقدي يروق للهند وروسيا وللعديد من الدول الناشئة التي تعاني من قوة الدولار وتهديده موازين مدفوعاتها.
ولاحظ الخبير الاستراتيجي الأميركي أندرو كوريبوكو، المتخصص في الحرب الباردة، في تحليل على موقعه يوم الأربعاء، أن زيارة مودي كانت في إطار الترتيب لعالم ثلاثي الاقطاب تقوده الولايات المتحدة والصين وتحالف نيودلهي ـ موسكو. وحسب الخبير كوريبوكو، فإن الزعيمين ناقشا مفهوم تقسيم العالم إلى ثلاث مجموعات، وهي: المليار الذهبي للغرب بقيادة الولايات المتحدة؛ الوفاق الصيني الروسي؛ والجنوب العالمي بقيادة الهند. ويلاحظ أن هذه المجموعات الثلاث أصبحت أكثر بروزاً بعد أن تسارعت عملية تحول النظام العالمي بشكل غير مسبوق بسبب الحرب الروسية.
ولاحظ محللون الحفاوة التي استقبل بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضيفه مودي في موسكو يوم الاثنين، حيث منحه أعلى وسام في روسيا. ومن المفترض أن اجتماع مودي، الذي دام ثلاث ساعات مع بوتين في منزله الريفي، ناقش الجوانب الأكثر حساسية في الشراكة الاستراتيجية بين بلديهما. ووصف القائم بالأعمال الروسي رومان بابوشكين الزيارة بأنها تاريخية، وكان الهدف منها توسيع العلاقات الاقتصادية، وتنفيذ نظام دفع ثنائي باستخدام العملات الوطنية. كما وصفتها صحيفة "إيكونوميك تايمز" بأنها زيارة تاريخية لتغيير اللعبة الجيوسياسية.
وقال تحليل في مجلة "فورين بولسي"، يوم الأربعاء، إن روسيا تنظر إلى الهند باعتبارها زبوناً تجارياً ذا موثوقية عالية، حيث واصلت الهند شراء النفط الروسي حتى بعد فرض الغرب العقوبات الغربية على الطاقة الروسية، وبالتالي، كانت الداعم الثاني بعد الصين لتمويلات روسيا أثناء الحرب في أوكرانيا. كما أن روسيا لا تزال أكبر مصدر لتسليح الهند، رغم أن الهند خفضت مشترياتها من السلاح الروسي لصالح السلاح الأميركي في الآونة الأخيرة. ورغم أن الهند تعارض الحرب الروسية في أوكرانيا، ولكنها لم تدن موسكو.
ولاحظ خبراء أن الهند كانت من كبار المستفيدين من الحرب، حيث مكنتها من الحصول على الطاقة الرخيصة التي ساهمت في تسريع النمو الاقتصادي الهندي وخفض معدل التضخم مقارنة بكارثة نقص الطاقة في أوروبا.
ويلاحظ أن الاقتصاد الهندي نما من 2.671.6 تريليون دولار في عام 2020 إلى 3.732 تريليونات دولار في نهاية عام 2023، وفق بيانات "ستات تيستا" الصادرة في العام الجاري.
وبلغ معدل النمو الهندي نسبة 8.4% في الربع الثالث من العام المالي 2024 متجاوزاً كل التوقعات، حيث توقع محللو السوق نموا أبطأ في هذا الربع، يتراوح بين 6.6% و7.2%. ويرى تقرير "فورين بوليسي" أن زيارة مودي ستكون في صالح أميركا رغم انتقادات واشنطن للزيارة، لأنها ستقلل من حجم التنسيق بين بكين وموسكو.