العرب والانتخابات الأميركيّة: مشاركة لا نفوذ

03 نوفمبر 2014
اهتمام الناخب الأميركي ينصبّ على مواضيع داخلية (لوك شارت/Getty)
+ الخط -

لن تكون للسياسة الخارجيّة للولايات المتحدة الأميركية، كلمة مهمة في الانتخابات النصفيّة، التي تشهدها البلاد، غداً الثلاثاء، إذ إن الناخب الأميركي ينشغل عموماً بمواضيع أخرى كالاقتصاد، والضرائب، والرعاية الصحيّة، والهجرة، ويُظهِر اهتماماً أقلّ بالسياسة الخارجيّة، باستثناء الفترات التي تشارك فيها بلاده بصورة مباشرة في حرب ما، كحرب أفغانستان والعراق مثلاً.

ويتجلّى للعيان بشكل واضح، شحّ اهتمام الناخب الأميركي بالسياسة الخارجيّة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بـ "الانتخابات النصفيّة"، التي تُجرى كل عامين، وتشمل كلّ مقاعد مجلس النواب الأميركي الـ435 (تسيطر عليه أغلبية جمهوريّة)، ونحو ثلث مقاعد مجلس الشيوخ المائة (تسيطر عليه أغلبية ديمقراطية)، كما تشمل ستة وثلاثين منصب حاكم ولاية أميركيّة من أصل خمسين.

للوهلة الأولى، لا يبدو أن هناك اختلافاً في سلّم أولويات الناخب العربي الأميركي، مقارنة بغيره من الناخبين الأميركيين من الأغلبية البيضاء أو الأقليات الأخرى. لكن المتابعين لوضع الجالية العربية الأميركية يلاحظون نقاط تحوّل في اهتماماتها، وزيادة في انخراط أبنائها في الأطر السياسية المختلفة، وهو ما يعكسه ارتفاع نسبة التصويت، والانتساب إلى الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، وزيادة عدد المرشحين العرب الأميركيين على المستوى المحلي أو القومي، أي مجلس النواب ومجلس الشيوخ.

يُقدر عدد أبناء الجالية العربيّة الأميركيّة في الولايات المتحدة بثلاثة ملايين شخص، ويحوز هؤلاء واحدة من أعلى نسب حملة الشهادات الأكاديميّة بين الأقليات، كما أنّ معدل دخل الفرد بين العرب الأميركيين أعلى من معدل متوسط الدخل لدى أغلب الأقليات الأخرى، ويزيد على معدل متوسّط الدخل القومي في الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من ذلك، لا يُسمع الكثير في الإعلام الأميركي السائد، أو حتّى العربي، عن تأثير هذه الجالية على الواقع السياسي أو حتى الاهتمام بآرائها. وتُطرح أسئلة كثيرة عن مدى ترجمة الوضع القائم للجالية العربيّة الأميركيّة بنفوذ أو قوة سياسيّة، وما إذا كان سينعكس على الانتخابات العامة النصفيّة التي ستشهدها الولايات المتحدة يوم غد، خصوصاً في ظل الأهمية التي تتميّز بها هذه الانتخابات، باعتبار أنّها ستُقرّر ما إذا كان أحد الحزبين الكبيرين (الديمقراطي والجمهوري) سيسيطر بصورة كاملة على الكونغرس بقسميه، أي مجلس الشيوخ ومجلس النواب، أو سيبقى منقسماً كما هو الوضع حالياً، حتى موعد الانتخابات الرئاسيّة والنصفيّة المقبلة عام 2016.

وبالنسبة للمرشّحين العرب الأميركيين، يتنافس على الأقل عشرة مرشحين على مقاعد في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، إضافة إلى تنافس بعضهم على رئاسة بعض الولايات ومقاعد في برلماناتها. ومن أبرز هؤلاء داريل عيسى (جمهوري، عضو مجلس النواب ومرشح لإعادة انتخابه عن ولاية كاليفورنيا)، وكذلك شارلي كريس (عن الحزب الديمقراطي، ويتنافس على منصب حاكم فلوريدا)، ونِك رحال (عن الحزب الديمقراطي ويتنافس لإعادة انتخابه في غرب فيرجينيا).

ويقول رئيس "المركز العربي الأميركي"، جيمس زغبي، في هذا السياق، إنّ "العرب الأميركيين، وعلى وجه التحديد الأجيال المولودة في الولايات المتحدة، يدركون أهمية أن يكونوا متكاتفين، وخصوصاً في ما يتعلق بالسياسة الخارجيّة، وكذلك في الأمور الداخلية". ويشير في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "أبناء الجالية العربية في الغالب، وعلى الرغم من اختلاف انتماءاتهم الحزبيّة، يدركون أهميّة التصدّي لمسائل أساسية ومحاربتها، كمعاداة الإسلام (الإسلاموفوبيا) في الولايات المتحدة، على الرغم من أن أغلبيتهم ينتمون لعائلات مسيحيّة وليست مسلمة".
ويتحدّر ستون في المائة من العرب الأميركيين، من عائلات مسيحيّة من سورية ولبنان وفلسطين والأردن. ولعلّ الوعي بأهمية محاربة الخوف من الإسلام والعرب، تصاعد بشكل خاص بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، حين واجه الكثير من العرب والمسلمين في الولايات المتحدة العنصريّة والتخوين. ومن ضمن ما كُشف عنه في هذا الصدد، فضيحة تجسّس شرطة نيويورك ونيوجيرسي على الجاليات العربية والمسلمة في هاتين الولايتين على مدى سنوات.

أما في ما يتعلق بالسياسات الأميركيّة الخارجيّة في الشرق الأوسط، كالقضيّة الفلسطينيّة وغزو العراق مثلاً، فإنّ شريحة واسعة من العرب الأميركيين، تأخذ مواقف مناصرة لتلك القضايا ومناهضة للاحتلال والسياسة الأميركيّة الخارجيّة المنحازة لإسرائيل عامة.

وعلى الرغم من أن قدرتهم على التأثير في هذا المجال، ما زالت شبه معدومة، إذا ما قورنت بتأثير اللوبي الصهيوني، لكنّ الكثيرين منهم، خصوصاً في المجال الأكاديمي، يدعمون المقاطعة الأكاديميّة والفنيّة للمؤسّسات الإسرائيليّة، ويقومون بحملات توعية في هذا الصدد في الإعلام الأميركي وغيره من المجالات الممكنة.

وعمّا إذا كان المرشحون الأميركيون يأخذون القضايا التي تعني العرب الأميركيين والمسلمين عموماً وهمومهم، بعين الاعتبار، يلاحظ زغبي في هذا الصدد "تحوّلاً في توجّه المرشحين، وأخذهم للجاليات العربية على محمل الجدّ، وخصوصاً في المناطق التي تعيش فيها جاليات عربيّة ومسلمة كبيرة، كميشيغان، وديربورن وفيرجينيا ونيوجيرسي ونيويورك". ويلفت إلى أنّ مرشحي الحزب الجمهوري، الذين يستخدمون في دعايتهم خطاب الترهيب من المسلمين، لم ينجحوا في أغلبيتهم في الانتخابات الأخيرة، مشيراً إلى أنّ "من أصل 17 مرشحاً استخدموا الدعاية ضد الإسلام والمسلمين في مناطق كان فيها الصوت العربي مهمّاً، لم ينجح منهم إلا اثنان".

ويتوقّف زغبي عند تطور آخر مهمّ، ويتعلّق بمسألة التبرّعات، "إذ بدأ العرب الأميركيون يتبرعون أكثر للحملات الانتخابية، كما أن الكثير من المرشحين بدأوا بزيارة مناطقهم وتلبية دعوات احتفالات يقيمونها لمناسبة ما".

وعلى الرغم من التقدّم الذي يشهده تأثير العرب الأميركيين في الانتخابات الأميركيّة، لكنّ الطريق لا يزال طويلاً أمامهم لترجمة أعدادهم، وتحويل وجودهم إلى كتلة سياسيّة مؤثّرة على المستوى القومي، لأن ذلك يتطلب وجود مؤسّسات فاعلة لهم تنجح في عقد تحالفات بنّاءة، كما يفترض وجود أجندة موحّدة نسبياً. وكل هذا يبدو حالياً بعيد المنال في ظلّ المناخ السياسي الحالي والواقع القائم.

المساهمون