العراق: يوم حاسم لحكومة علاوي أمام البرلمان

27 فبراير 2020
جرت العادة أن تولد الحكومات خارج رحم البرلمان (Getty)
+ الخط -

من المقرر أن يتجه رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد توفيق علاوي، خلال الساعات القليلة المقبلة، إلى مبنى البرلمان للتصويت على منح حكومته الثقة، في جلسة أعلن عنها مسبقاً من قبل هيئة رئاسة البرلمان التي ما زالت منقسمة حيال دعم الحكومة من عدمه. وهذا الأمر انسحب على النواب أيضاً، إذ تحول الحديث نهار أمس، الأربعاء، إلى أشبه ما يكون بمعادلة رياضية، عبر احتساب النواب الرافضين لمنح الثقة والداعمين لها، وهي أرقام تتغير باستمرار مع سرعة تبدل مواقف الكتل والقوى السياسية. ويمكن اعتبار هذا الأمر أول تصويت يتم في العراق منذ العام 2003، على حكومة غير مؤكدة المصير، إذ جرت العادة أن تولد الحكومات خارج رحم البرلمان، الذي تحول إلى مجرد إطار دستوري في هذا الملف تحديداً، حيث تلعب توافقات قادة الكتل السياسية، والفاعلين الإيراني والأميركي، دوراً في حسم الملف مسبقاً.

الجلسة التي تحمل عدة سيناريوهات، من بينها احتمال تأجيلها في حال عدم اكتمال النصاب، إذا لم يصل نواب القوى الكردية إلى بغداد، حيث ما زالوا في إقليم كردستان العراق (حتى الرابعة من عصر أمس)، فضلاً عن مقاطعة تحالف "القوى العراقية" ونواب المكون المسيحي (كتلة الرافدين)، ونواب أقليات عرقية ودينية أخرى، أبرزها التركمان. كما يطرح سيناريو عقد الجلسة، وإخفاق علاوي في الحصول على الثقة، صورة أخرى محتملة لجلسة اليوم، الخميس، في حال انعقادها. إلا أن مسؤولين عراقيين ونواباً أبلغوا "العربي الجديد"، أن حراكاً واسعاً تجريه أطراف إيرانية، إلى جانب المسؤول في "حزب الله" اللبناني محمد كوثراني، لحل الخلافات، والتوجه نحو جمع أصوات (النصف + 1) في البرلمان لتمرير الحكومة ومنحها الثقة، على غرار جلسة التصويت على قانون إخراج القوات الأميركية من العراق، الشهر الماضي، وهو ما قد يجر إلى طرح آخر يتمثل بمنح الثقة للحكومة لكن ليس بكامل تشكيلتها التي سيعرضها علاوي على البرلمان اليوم.

ووفقاً لمصدر مقرب من فريق محمد علاوي التفاوضي، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن الكتل السياسية الداعمة لرئيس الحكومة المكلف، والتي أكدت بشكل حاسم ونهائي أنها ستصوت له بجلسة اليوم، هي تحالف سائرون (54 نائباً)، وكتلة بدر (19 نائباً)، وكتلة جبهة الإنقاذ بزعامة أسامة النجيفي (5 نواب). في هذا الوقت، وضعت القوى السياسية العربية الشيعية الأخرى، وهي دولة القانون، والنصر، والحكمة، وكتل صغيرة أخرى ضمن تحالف الفتح، شروطاً للتصويت له، مثل أهمية خلو التشكيلة من أي وزراء حزبيين، أو مدعومين من جهات سياسية، لمخاوف لديها من أن تكون بعض الوزارات قد أصبحت من حصة تحالفي "سائرون" و"الفتح". وطالبت بعض الكتل بمشاركة الكتل الكردية والسنية في جلسة التصويت، ودون ذلك لن تشارك في الجلسة أو لن تصوت لصالح علاوي، وقسم منها اشترط أن يعلن علاوي صراحة وعلناً ببرنامجه فقرة إخراج القوات الأميركية من العراق وتنفيذ الاتفاقية مع الصين.

وأضاف المصدر أن "الساعات القليلة، قبل عقد جلسة التصويت على الحكومة الجديدة، ستشهد حوارات وتفاوض مع كافة القوى السياسية من مختلف المكونات، على أمل أن تصل إلى نتائج إيجابية، بعد فشل كافة الحوارات طيلة الأيام الماضية". فيما تبرز كتل تحالف القوى، والحزب الديمقراطي الكردستاني وكتلة الرافدين المسيحية، ونواب مستقلون، ضمن تصنيف الرافضين بشكل معلن للحكومة حتى الآن مع استمرار المفاوضات.


تشكيلة الحكومة العراقية المقدمة إلى البرلمان اليوم، بحسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، تراعي التكوين الطائفي، لكن الوزراء من اختيار علاوي، بمعنى أن وزارات الدفاع والتخطيط والتربية والصناعة، على سبيل المثال، ستبقى للسنة، والداخلية والخارجية والتعليم العالي والكهرباء ستبقى للشيعة، والمالية والتجارة والهجرة ستبقى بيد الأكراد، بينما تتوزع وزارات بلا حقائب، أو بحقائب هامشية غير سيادية، على غرار البيئة والمرأة وشؤون المحافظات للأقليات. وهذا التقسيم كان قد اعتمده الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر، في أول حكومة شكلها في العام 2004 برئاسة إياد علاوي. وهو سبب كافٍ يجعل الشارع المتظاهر مصراً على موقفه الرافض لتكليف علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة.

أما أبرز الأسباب التي خلقت الأزمة الجديدة حول منح الثقة للحكومة، فهي تحفظات القوى السياسية السنية والكردية على آلية تشكيل الحكومة، باعتبار أن علاوي رئيس وزراء محاصصة، ولا يجب أن يحل لنفسه شيئاً ويحرمه على الآخرين، بالإضافة إلى مطالبة القوى الكردية بما تسميه وضعها الخاص في العراق الفيدرالي. كما تشترط القوى السنية أيضاً تحديد موعد ثابت للانتخابات المبكرة، وحسم موضوع إعمار المدن المدمرة، وتعويض ضحايا الإرهاب والأخطاء العسكرية، وفتح ملف المفقودين والمختطفين من سكان المدن المحررة في شمال العراق وغربه، عدا عن شكوك أعلنت عنها من تقريب علاوي لكتل سنية على أخرى تتم بالعادة وفقاً للقرب من إيران.

وقال علاوي، في تغريدة: "غداً (اليوم) بمشيئة الله سيكون التصويت على أول تشكيلة حكومية من مرشحين مستقلين أكفاء ونزيهين، سيعيدون للشعب حقه وللعراق هيبته". وأضاف "غداً (اليوم) موعد التقاء الشرفاء من أعضاء مجلس النواب أصحاب المواقف الوطنية الذين صمدوا أمام التحديات الكبيرة مع الشعب الذي قاوم القتل والقمع"، مستدركاً بالقول "سوياً، شعباً ونواباً ومرشحين وقوى سياسية وطنية، سنطوي صفحة المحاصصة ونتطلع إلى عراق قوي وأبيّ".

وقال رئيس كتلة "إرادة" البرلمانية حسين عرب، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "عدة قوى، سياسية وبرلمانية، وصلتها معلومات بأن تشكيلة حكومة علاوي فيها وزراء تابعون لجهات وشخصيات سياسية، تم وضعهم في الحكومة بعنوان مستقلين". واعتبر أن "وجود شخصيات كهذه في حكومة علاوي، يعني أن التشكيلة الوزارية لن تمرر، فأغلب النواب أكدوا دعمهم لعلاوي والتصويت له شرط أن تكون حكومته مستقلة". وأضاف "إذا كانت حكومة علاوي فيها 70 في المائة من الوزراء المستقلين و30 في المائة من الحزبيين والسياسيين، فسيتم التصويت على الـ70 في المائة فقط، ورفض التصويت على باقي التشكيلة. لكن إذا كانت هناك نسبة عالية للوزراء الحزبيين، فلن تمر الحكومة بجلسة الغد (اليوم)". وتابع "لا توجد أي تأكيدات على التصويت على حكومة علاوي في الجلسة، فهذا الأمر يعتمد على التشكيلة التي سيقدمها، فإذا كانت مستقلة فسوف تمرر، حتى وإن قاطعت القوى السنية والكردية الجلسة".

في المقابل، تصر كتلة "سائرون"، بزعامة مقتدى الصدر، على أن هناك أغلبية داعمة لحكومة علاوي بجلسة اليوم. وقال النائب عن الكتلة رعد المكصوصي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك أغلبية برلمانية داعمة لحكومة محمد توفيق علاوي". واعتبر أنه "من غير المستبعد أن تكون هناك جهات سياسية ستعمل على إفشال جلسة التصويت على منح الثقة لحكومة علاوي، من خلال كسر النصاب أو اختلاق مشاكل أخرى. لكن مقابل ذلك، هناك إصرار وعزم سياسي وبرلماني كبيرين على حسم ملف الحكومة اليوم، إذا كانت بوزراء مستقلين قادرين على إدارة المرحلة المقبلة".