العراق يسعى للعودة إلى الساحة العربية من بوابة لبنان

16 نوفمبر 2017
الجعفري يزور لبنان الأسبوع المقبل (كيريل كودريافتسيف/فرانس برس)
+ الخط -
بدا الحراك العراقي أخيراً على الساحة العربية واسعاً على غير ما كان عليه في السنوات الـ14 الماضية التي أعقبت الاحتلال الأميركي للبلاد (2003). وبرزت توقعات عدة لمراقبين ومراكز بحثية مختلفة وضعت سيناريوهات عدة لعراق ما بعد تنظيم "داعش"، من سيناريو الانكفاء على نفسه مروراً بتقسيم البلاد إلى عدة أقاليم بإدارة ضعيفة من بغداد عليها وانتهاءً بطرح سيناريو أكثر رعباً، وهو تشظي العراق إلى دويلات صغيرة. مع العلم أن بغداد بسطت قوتها على المدن والمحافظات العراقية خصوصاً في شمال البلاد وغربها، واستعادت سيطرتها حتى على المناطق المتنازع عليها مع الأكراد. وأكد مسؤولون عراقيون أن "بغداد ستنهي قريباً علاقة الندّية مع حكومة إقليم كردستان، لتكون الأخيرة خاضعة لسلطة بغداد بحسب ست فقرات من الدستور العراقي النافذ، ظلّت معلّقة طيلة العقد الماضي بدعم إيراني تركي وأميركي لحكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، التي بدت أكثر حظاً في تقاطع مصالح الدول الإقليمية والغربية لخلق سلطة عراقية قوية في بغداد".

في هذا الصدد، كشف مكتب العبادي، أمس الأربعاء، عن تكليفه وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، بالبدء في تحركات سريعة بشأن الأزمة السياسية في لبنان. وهو أول حراك عراقي على المستوى العربي منذ الغزو الأميركي للبلاد، رغم تعدد السيناريوهات المطروحة حالياً عن سبب هذا التدخل، بين أنه جاء بطلب من طرف ثالث نتيجة لعلاقة العراق القوية مع حزب الله وقوى لبنانية أخرى، وبين أنها مبادرة عراقية خشية من أن تأخذ الأزمة اللبنانية منحى طائفياً أبعد يتسبب في رفع مستويات الشحن الطائفي بالعراق أيضاً.

وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية سعد الحديثي، في بيان صحافي، إن "رئيس الوزراء حيدر العبادي كلف وزير الخارجية إبراهيم الجعفري البدء بإجراء الاتصالات اللازمة بشأن الأزمة اللبنانية عقب استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري". وأشار إلى أن "التحركات العراقية تأتي في إطار البحث عن حل للأزمة وإيماناً من العراق بضرورة الحفاظ على الأمن الإقليمي وضمان الاستقرار". وأضاف أن "الحكومة العراقية يجب أن تؤدي دورها في الملفات الخلافية بين دول المنطقة والسعي إلى البحث عن حلول بهذا الجانب"، مؤكداً أن "الحكومة مدركة لمخاطر التوتر والتصعيد الذي يحدث في المنطقة، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على الوضع في العراق".


ووفقاً لمسؤول عراقي بارز في الحكومة، فإن "التحرك العراقي المقبل في المنطقة العربية يأتي باعتباره أكثر طرف يمتلك علاقات وثيقة مع إيران، وفي الوقت نفسه مع بلدان عربية عدة، أبرزها السعودية ومصر والإمارات ولبنان عبر قوى مهمة فيه". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بالنسبة لليمن، فإن العراق أعرب للسعودية عن استعداده لفتح قناة تواصل بين ممثل الحوثيين المقيم في بغداد محمد القبلي والجانب السعودي، إلا أن الرياض لم ترد على المبادرة العراقية التي تهدف لأن تكون لها مبادرة بالقضية اليمنية وأعربت عن استعدادها لاستضافة أي مفاوضات بين الجانبين".

ولفت المسؤول إلى أنه "في سورية، فإن العراقيين يتواصلون مع الأتراك بخصوص الفصائل الكردية المعارضة، وكذلك إمكانية لعبهم دور وسيط مع نظام بشار الأسد، إلا أن ذلك لم يتم حتى الآن". وأكد أنه "من المرجح أن يزور وزير الخارجية إبراهيم الجعفري بيروت خلال الأسبوع المقبل، للقاء أطراف لبنانية، بسبب علاقة الحكومة الطيبة مع حزب الله وقوى لبنانية أخرى تهدف بشكل عام إلى الخروج من الأزمة الحالية في لبنان". وبيّن أن "واشنطن تشجع العراقيين للدخول في الساحة العربية وتحاول أن تسوق للرأي العام تعافي البلاد ونجاح سياستها الأخيرة، من خلال الدور الذي سيأخذه العراق كوسيط بين أطراف الأزمة في لبنان وسورية واليمن أيضاً".



وتابع أن "لبنان قد يكون شرارة تشعل كل المنطقة، فالأزمة المفتعلة من الرياض أخذت بعداً طائفياً واضحاً، وهذا ما قد يؤثر على الشارع العراقي الذي بات يتأثر بما يجري بالمنطقة طائفياً، خصوصاً مع وجود 73 فصيلاً مسلحاً راديكالياً، ذات نفوذ غير خافٍ بالعراق". ولفت إلى أن "التحرّك العراقي عربياً في هذا الوقت مهم جداً بالنسبة للعراق. وهناك أطراف عربية ترى في سياسة السعودية أنها ستقود المنطقة للاشتعال كلها، لذا هي تفضل دخول العراق كقوة سياسية جديدة".

من جانبه، رأى المستشار في رئاسة مجلس الوزراء العراقي إحسان الشمري، أن "دور العراق الجديد بالمنطقة هو التهدئة ومنع تفاقم الأزمات السياسية بالمنطقة من خلال تواصله مع مختلف الأطراف". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الوزراء وجّه الجعفري لإجراء حوارات مع الأطراف اللبنانية، تستند إلى الثقة التي يتمتع بها العراق لدى الأطراف المضادة". وبيّن أن "تحرك العراق ليس بطلب من أحد إنما هو لحرصه على استقرار المنطقة والذي سيصب بالنهاية بصالحه على كل المستويات"، مؤكداً أن "العراق غادر دائرة الانكفاء وأن المضي بهذه المحاولة يؤكد أن للعراق دوراً قيادياً بالمنطقة".

وحول ذلك، رأى مقرر لجنة العلاقات الخارجية العراقية بالبرلمان محمد العبد ربه، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "السنوات الماضية كان فيها العراق مغيّب عن أحداث المنطقة لأسباب معروفة، لكن اليوم التوجه هو أن يكون رقماً مهمّاً ولاعباً أساسياً بالمنطقة لكن بشكل إيجابي، وتساعد على ذلك علاقات العراق مع كل الأطراف". وتابع قائلاً إن "خبرة العراق الحالية بالوساطة في أزمات المنطقة غير كافية، وهو حديث العهد بها بصراحة، لكن الثقة التي يتمتع بها تؤهله ليكون وسيط ثقة. وأعتقد أن هناك صعوبة، لكنه إن لم ينجح في حلّ الأزمة فإنه سيمنع تصاعدها"، في إشارة إلى الملف اللبناني.

أما عضو البرلمان العراقي، ماجد شنكالي، فرأى أن "دعوة العبادي للخارجية بالتوجه نحو دول عربية، هو بدء تدخل عراقي إيجابي بالمنطقة"، مضيفاً "لكن هناك دولاً كبرى تدخلت وحاولت احتواء أزمات عدة بالمنطقة ولم تنجح، لذا لا يجب التعويل كثيراً على الدخول العراقي للساحة، لكنه بالتأكيد خطوة إيجابية للجميع لتحقيق التوازن".


المساهمون