15 مايو 2024
العراق وتقسيم المملكة المتحدة
لم يكن الغزو الأميركي – البريطاني للعراق عام 2003، بسبب ترسانة العراق العسكرية، أو ما يمتلكه من أسلحة (دمار شامل) بحسب ما روجت إدارة الرئيس الأميركي السابق، جورج دبليو بوش، وحليفها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. انكشف زيف ما حاولوا إقناع العالم به من أكاذيب، بعد أن تم لهم احتلال هذا البلد، وانكشاف خلوه من كل هذه الأسلحة. ولعل من المهم بمكان أن نعرّج على ما ذكرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قبيل عام من الغزو (2002) حول سيناريو تقسيم العراق بعد احتلاله، باقتطاع محافظاته السنية، وضمها إلى المملكة الأردنية، وإعلان انفصال دولة كردية في شماله، ودولة أخرى للشيعة في الجنوب.
يُضاف إلى هذا السيناريو منحى آخر؛ حيث لم يمض عام منذ 2003، من دون أن يكون شبح تقسيم العراق حاضراً في كل أزمة سياسية أو أمنية وطنية أو إقليمية، خصوصاً وأن دستور العراق الحالي؛ والذي وضعه الحاكم المدني للعراق بعد الاحتلال مباشرة، الأميركي بول بريمر، قد أسّس لهذه الاحتمالية بشكل قاطع من خلال شرعنة الفيدرالية، وهو ما يعني ضمناً أو علناً تقطيع العراق إلى دويلاتٍ مؤسسة على دوافع طائفية أو عرقية.
ولأن مساحة النشر محدودة، ولا تتسع لها معلومات ووثائق تاريخية، قاطعة في دقتها ومصداقيتها، بشأن موضوع البحوث والكتب والمخططات الاستراتيجية التي كتبت طوال سنوات حول مشاريع تقسيم العراق إلى دويلاتٍ ضعيفةٍ ومتناحرة، فإنني أؤكد، هنا، أن غزو العراق واحتلاله كان فصل الخطاب للمشاريع والمخططات نحو هذا الهدف، وبسعي أميركي – بريطاني مباشر، وبمساعدة دول إقليمية، في مقدمتها إيران ودول عربية مجاورة للعراق. لكن، ما لم يكن دقيقاً في حسابات هذه الدول القدرة الكبيرة والمميزة والمستمرة للشعب العراقي في مواجهة الاحتلال، ومن ثم تحقيق كامل أهدافه.
وعلى الرغم من تصويت مجلس الشيوخ الأميركي في 26 سبتمبر/ أيلول2007، لصالح تمرير مشروع نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، سنية وكردية وشيعية، وعلى الرغم من ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في 2014، وسيطرته على كل المحافظات السنيّة في العراق، بما يؤكد ذهاب المشروع إلى طريق التطبيق الجيوسياسي القسري، إلا أن الواقع الوطني العراقي الشعبي مازال متمسّكاً بالحقيقة التاريخية الدامغة حول وحدة العراق ومركزية الحكم فيه، على الرغم مما تعرّض له هذا البلد من عواصف الغزو والاحتلال الأجنبي المتكرّر عبر التاريخ، واعتماد سياسة تدمير تراثه الحضاري والفكري مع كل غزو.
تحدثت وسائل إعلام أميركية وبريطانية، مرات كثيرة، عن موضوعٍ يُراد منه الترويج النفسي لفكرة أن العراق، بشكله وخريطته وتركيبته السكانية الحالية، هو من صنع "بريطانيا العظمى"، إبان الحرب العالمية الأولى، وأنه حان الوقت لإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، من خلال دفع العراقيين إلى الاقتتال فيما بينهم، وتحديد حدود كل فئة أو طائفة أو قومية على حدة؛ فالأكراد والأيزيديون والعرب السنّة والعرب الشيعة والمسيحيون و..إلخ، كلٌّ يجب أن تكون له دويلته التي تتكفل بها الدول الإقليمية، وبحسب مصالحها وأجنداتها بحمايته. وعلى هذا التقسيم، ستكون هناك دويلة تدين بالولاء لإيران بالكامل، وتكون مسرحاً أو بوابة خلفية لنفوذها ومشاريعها السياسية والاقتصادية والعقائدية، وكذلك بالنسبة لتركيا والمملكة العربية السعودية والأردن والولايات المتحدة وبريطانيا .. وهكذا.
مئات المخططات والاستراتيجيات وضعت من أجل تقسيم العراق منذ بدايات القرن العشرين، كتبها مشاهير في علوم السياسة والمجتمع والاقتصاد والحرب، لم تغب إسرائيل عن معظمها، إلا أن العراق مازال واحداً، ولو بالشكل المضطرب الحالي، إلا أنه، وفيما يبدو، أن من سعى إلى تنفيذ مشروع تقسيم العراق نالته "لعنة العراق"، سواء على مستوى الخسائر البشرية أو المكانة الدولية أو الاختلال الاقتصادي الذي حدث للولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من دول الحرب على العراق، أو على مستوى الوحدة الوطنية، كما فجرته مفاجأة الاستفتاء الذي أجرته بريطانيا في 24 يونيو/ حزيران 2016، وكانت نتائجه لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبي، بما يعني وقوع بريطانيا في فخ التفكك والانقسام.
المملكة المتحدة التي ساق رئيس وزرائها السابق، توني بلير، الأكاذيب على شعبه ومجلس العموم البريطاني، لخوض الحرب على العراق، مهدّدة بشكل فعلي بأمر تقسيمها إلى خمس دول منفصلة، هي إنكلترا وويلز في مملكةٍ واحدة بدون لندن، والدولة الثانية أسكتلندا والثالثة إيرلندا الشمالية، والتي تطالب بالوحدة مع الجنوبية، والرابعة لندن، والخامسة جبل طارق؛ فاسكتلندا التي صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي أعلنت، بوضوح، رغبتها بالانفصال عن بريطانيا في دعوة رئيسة وزراء أسكتلندا، نيكولا سترجن، بإجراء استفتاء جديد حول تقرير مصيرهم ضمن المملكة المتحدة، كما أعلنت أن "أسكتلندا ترى مستقبلها داخل الاتحاد الأوروبي" .
كما دعا حزب الشين فين، الجناح السياسي للجيش الجمهوري الإيرلندي، إلى استفتاء حول (إيرلندا الموحدة) بنية الانفصال عن بريطانيا، من خلال استفتاء سريع لسكان جزيرة إيرلندا المقسمة بين إيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا المستقلة. وأعلن رئيس بلدية العاصمة البريطانية لندن، صادق خان، أن المدينة يجب أن تكون لها كلمة في مفاوضات الانفصال، وأنه استلم عريضةً موقعة من عشرات الآف اللندنيين تطالب بـ "إعلان لندن مستقلة عن المملكة المتحدة"، وتطالب بـ "الانضمام للاتحاد الأوروبي".
شبه جزيرة جبل طارق المتنازع عليها بين لندن ومدريد، والخاضعة للمملكة المتحدة منذ عام 1713، صوّت سكانها بنسبة 96% لصالح بقاء بريطانيا ضمن المنظومة الأوروبية، ما يعني تغييرات متوقعة بقوة لإقرار سكان هذه الجزيرة، لصالح بقائهم ضمن السيادة الإسبانية.
يتساءل بعضهم عن عواصف ارتدادية عصفت بدولة عظمى خلال ساعات، وعن متغيراتٍ ستفقدها ربما صفة (العظمى) خلال أسابيع أو أشهر؛ هل هي "لعنة العراق" الذي قتل بسبب حربهم عليه واحتلالهم له وسعيهم إلى تقسيمه، أكثر من مليون عراقي وملايين النازحين والمهاجرين وتدمير مستقبل أجياله وثرواته؟ هل ستصيب هذه "اللعنة" البريطانيين في عقر دارهم ومستقبل بلادهم الوطني والأوروبي والدولي، بعد أن أصابت من الولايات المتحدة الكثير؟ وهل سيفقد التاج البريطاني نفوذه على أسكتلندا وإيرلندا الشمالية وربما العاصمة (لندن) وشبه جزيرة (جبل طارق)؟ تكاد المؤشرات تؤكد كل تلك المخاوف، وتلك هي الصدمة الكبرى التي سيقابلها، فيما يبدو، عراق واحد.
يُضاف إلى هذا السيناريو منحى آخر؛ حيث لم يمض عام منذ 2003، من دون أن يكون شبح تقسيم العراق حاضراً في كل أزمة سياسية أو أمنية وطنية أو إقليمية، خصوصاً وأن دستور العراق الحالي؛ والذي وضعه الحاكم المدني للعراق بعد الاحتلال مباشرة، الأميركي بول بريمر، قد أسّس لهذه الاحتمالية بشكل قاطع من خلال شرعنة الفيدرالية، وهو ما يعني ضمناً أو علناً تقطيع العراق إلى دويلاتٍ مؤسسة على دوافع طائفية أو عرقية.
ولأن مساحة النشر محدودة، ولا تتسع لها معلومات ووثائق تاريخية، قاطعة في دقتها ومصداقيتها، بشأن موضوع البحوث والكتب والمخططات الاستراتيجية التي كتبت طوال سنوات حول مشاريع تقسيم العراق إلى دويلاتٍ ضعيفةٍ ومتناحرة، فإنني أؤكد، هنا، أن غزو العراق واحتلاله كان فصل الخطاب للمشاريع والمخططات نحو هذا الهدف، وبسعي أميركي – بريطاني مباشر، وبمساعدة دول إقليمية، في مقدمتها إيران ودول عربية مجاورة للعراق. لكن، ما لم يكن دقيقاً في حسابات هذه الدول القدرة الكبيرة والمميزة والمستمرة للشعب العراقي في مواجهة الاحتلال، ومن ثم تحقيق كامل أهدافه.
وعلى الرغم من تصويت مجلس الشيوخ الأميركي في 26 سبتمبر/ أيلول2007، لصالح تمرير مشروع نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، سنية وكردية وشيعية، وعلى الرغم من ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في 2014، وسيطرته على كل المحافظات السنيّة في العراق، بما يؤكد ذهاب المشروع إلى طريق التطبيق الجيوسياسي القسري، إلا أن الواقع الوطني العراقي الشعبي مازال متمسّكاً بالحقيقة التاريخية الدامغة حول وحدة العراق ومركزية الحكم فيه، على الرغم مما تعرّض له هذا البلد من عواصف الغزو والاحتلال الأجنبي المتكرّر عبر التاريخ، واعتماد سياسة تدمير تراثه الحضاري والفكري مع كل غزو.
تحدثت وسائل إعلام أميركية وبريطانية، مرات كثيرة، عن موضوعٍ يُراد منه الترويج النفسي لفكرة أن العراق، بشكله وخريطته وتركيبته السكانية الحالية، هو من صنع "بريطانيا العظمى"، إبان الحرب العالمية الأولى، وأنه حان الوقت لإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، من خلال دفع العراقيين إلى الاقتتال فيما بينهم، وتحديد حدود كل فئة أو طائفة أو قومية على حدة؛ فالأكراد والأيزيديون والعرب السنّة والعرب الشيعة والمسيحيون و..إلخ، كلٌّ يجب أن تكون له دويلته التي تتكفل بها الدول الإقليمية، وبحسب مصالحها وأجنداتها بحمايته. وعلى هذا التقسيم، ستكون هناك دويلة تدين بالولاء لإيران بالكامل، وتكون مسرحاً أو بوابة خلفية لنفوذها ومشاريعها السياسية والاقتصادية والعقائدية، وكذلك بالنسبة لتركيا والمملكة العربية السعودية والأردن والولايات المتحدة وبريطانيا .. وهكذا.
مئات المخططات والاستراتيجيات وضعت من أجل تقسيم العراق منذ بدايات القرن العشرين، كتبها مشاهير في علوم السياسة والمجتمع والاقتصاد والحرب، لم تغب إسرائيل عن معظمها، إلا أن العراق مازال واحداً، ولو بالشكل المضطرب الحالي، إلا أنه، وفيما يبدو، أن من سعى إلى تنفيذ مشروع تقسيم العراق نالته "لعنة العراق"، سواء على مستوى الخسائر البشرية أو المكانة الدولية أو الاختلال الاقتصادي الذي حدث للولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من دول الحرب على العراق، أو على مستوى الوحدة الوطنية، كما فجرته مفاجأة الاستفتاء الذي أجرته بريطانيا في 24 يونيو/ حزيران 2016، وكانت نتائجه لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبي، بما يعني وقوع بريطانيا في فخ التفكك والانقسام.
المملكة المتحدة التي ساق رئيس وزرائها السابق، توني بلير، الأكاذيب على شعبه ومجلس العموم البريطاني، لخوض الحرب على العراق، مهدّدة بشكل فعلي بأمر تقسيمها إلى خمس دول منفصلة، هي إنكلترا وويلز في مملكةٍ واحدة بدون لندن، والدولة الثانية أسكتلندا والثالثة إيرلندا الشمالية، والتي تطالب بالوحدة مع الجنوبية، والرابعة لندن، والخامسة جبل طارق؛ فاسكتلندا التي صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي أعلنت، بوضوح، رغبتها بالانفصال عن بريطانيا في دعوة رئيسة وزراء أسكتلندا، نيكولا سترجن، بإجراء استفتاء جديد حول تقرير مصيرهم ضمن المملكة المتحدة، كما أعلنت أن "أسكتلندا ترى مستقبلها داخل الاتحاد الأوروبي" .
كما دعا حزب الشين فين، الجناح السياسي للجيش الجمهوري الإيرلندي، إلى استفتاء حول (إيرلندا الموحدة) بنية الانفصال عن بريطانيا، من خلال استفتاء سريع لسكان جزيرة إيرلندا المقسمة بين إيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا المستقلة. وأعلن رئيس بلدية العاصمة البريطانية لندن، صادق خان، أن المدينة يجب أن تكون لها كلمة في مفاوضات الانفصال، وأنه استلم عريضةً موقعة من عشرات الآف اللندنيين تطالب بـ "إعلان لندن مستقلة عن المملكة المتحدة"، وتطالب بـ "الانضمام للاتحاد الأوروبي".
شبه جزيرة جبل طارق المتنازع عليها بين لندن ومدريد، والخاضعة للمملكة المتحدة منذ عام 1713، صوّت سكانها بنسبة 96% لصالح بقاء بريطانيا ضمن المنظومة الأوروبية، ما يعني تغييرات متوقعة بقوة لإقرار سكان هذه الجزيرة، لصالح بقائهم ضمن السيادة الإسبانية.
يتساءل بعضهم عن عواصف ارتدادية عصفت بدولة عظمى خلال ساعات، وعن متغيراتٍ ستفقدها ربما صفة (العظمى) خلال أسابيع أو أشهر؛ هل هي "لعنة العراق" الذي قتل بسبب حربهم عليه واحتلالهم له وسعيهم إلى تقسيمه، أكثر من مليون عراقي وملايين النازحين والمهاجرين وتدمير مستقبل أجياله وثرواته؟ هل ستصيب هذه "اللعنة" البريطانيين في عقر دارهم ومستقبل بلادهم الوطني والأوروبي والدولي، بعد أن أصابت من الولايات المتحدة الكثير؟ وهل سيفقد التاج البريطاني نفوذه على أسكتلندا وإيرلندا الشمالية وربما العاصمة (لندن) وشبه جزيرة (جبل طارق)؟ تكاد المؤشرات تؤكد كل تلك المخاوف، وتلك هي الصدمة الكبرى التي سيقابلها، فيما يبدو، عراق واحد.