طوال السنوات الماضية، لم يتمكّن العراق من إقرار قانون العنف الأسري لحماية المرأة والطفل، على الرغم من الحوادث التي تشهدها البلاد من حين إلى آخر، والتي تؤدي إلى مقتل نساء من جراء العنف تحت عنوان جرائم الشرف. وكانت الأحزاب الدينية إحدى أكبر العقبات التي حالت دون تمرير القانون.
وتبدو حكومة الرئيس مصطفى الكاظمي عازمة على تمرير القانون خلال فترته الحالية المؤقتة، بعد إقراره من قبل مجلس الوزراء ورفعه إلى مجلس النواب. وأعلن المتحدث باسم رئيس مجلس الوزراء العراقي، أحمد ملا طلال، أخيراً، عن مصادقة المجلس على مشروع القانون وإحالته إلى مجلس النواب للمصادقة عليه.
ويحمي القانون، بحسب بنوده، "الشرائح الضعيفة في المجتمع"، مثل الأطفال والنساء، ويعاقب الرجال الذين يمارسون العنف والضرب والقتل. ويأتي إقرار القانون بعد سنوات من مطالبات منظمات محلية ودولية، وفي ظل ارتفاع معدلات العنف الأسري، التي ارتفعت نسبتها خلال الحجر المنزلي ضمن إجراءات الوقاية من فيروس كورونا خلال الأشهر الماضية.
وقالت وزيرة الهجرة والمهجرين ايفان جابرو، وهي ناشطة نسوية: "نأمل التصويت عليه في مجلس النواب بأسرع وقت ممكن لإيقاف العنف الذي تتعرض له العديد من الأسر العراقية"، مؤكدة أن "لهذا القانون أهمية كبيرة كونه سيشكّل نقلة نوعية في حماية حقوق الأسرة العراقية أسوة بالقوانين والأنظمة المعمول بها في غالبية دول العالم".
وكان بيان مشترك صادر عن ممثلات المرأة في البرلمان والحكومة قد أوصى في وقت سابق بالإسراع في تشريع قانون الحماية من العنف الأسري وجعله من أولويات عمل مجلس النواب، والتوصية لرئاسة مجلس النواب بجعله في جدول أعمال أولى الجلسات.
ويوضح البيان أن "المجتمعات أصدرت توصية أخرى تتعلق بمناشدة السلطة القضائية لإيلاء جرائم العنف الأسري أهمية قصوى، والعمل على عدم إفلات مرتكبيها من القصاص العادل"، فيما طالب الحكومة ووزارة الداخلية "تقديم الدعم اللازم لمديرية حماية الأسرة والشرطة المجتمعية لتمكينها من القيام بواجباتها بالشكل الأمثل وبما يتلاءم مع التحديات الكبيرة".
في هذا السياق، تشير الناشطة المستقيلة من عضويتها في البرلمان هيفاء الأمين إلى أنّ "المصادقة على قانون العنف الأسري وتحديد العقوبات الخاصة بالعنف سيؤدي إلى محاسبة مرتكبي الجرائم، والحد من الظاهرة. ولا يمكن أن ننكر حصول بعض حالات العنف ضد الزوج، الذي يندرج أيضاً ضمن قانون العنف الأسري". تتابع في حديثها لـ "العربي الجديد": "القانون تأخر كثيراً في العراق، من جرّاء سوء الفهم لمشروع القانون من قبل بعض النواب الإسلاميين الذي يظنون أنه يتعارض مع الشريعة الإسلامية، لكن حان الوقت لإقراره".
أما الحقوقية هالة العزاوي، فتقول لـ "العربي الجديد" إن "إعلان وصول مشروع القانون إلى البرلمان والمصادقة عليه ليس كافياً، بل تطبيقه وتحديداً بين الأوساط العشائرية، خصوصاً أن بعض المناطق في العراق تنعدم فيها الرحمة بسبب الذكورية والحصانة المعنوية التي يحظى بها الرجل على حساب المرأة. وبين فترة وأخرى، نسمع عن جرائم مروعة".
تضيف لـ"العربي الجديد" أن "الكثير من العراقيات يُقتلن سنوياً بسبب العنف الأسري، كما أن كثيراً من الأطفال يقتلون ويعذبون ويشوهون بسبب التعنيف من دون أن يكون هناك أي دور للحكومة العراقية. وتندرج هذه الحوادث ضمن جرائم الشرف والموت المفاجئ".
وتلفت إلى أن "الأحزاب الدينية في البرلمان العراقي قد تتحرك خلال الأسابيع المقبلة من أجل منع المصادقة عليه، لأنها تجد أنه يحد من أهمية الرجل في بيته ويمنع ممارسة دوره المهم في تربية الأطفال وتأديب الزوجة، وهذه جدلية خطيرة بحاجة إلى حديث رسمي أو شبه رسمي بين الحكومة والمرجعيات الدينية في البلاد"، موضحة أن "هناك تقصيراً لدى كثير من المرجعيات الدينية في العراق لقانون في ما يتعلق بقانون العنف الأسري. فهذه المرجعيات تعتبره مخلاً بالنظام العام، وأداة من أدوات تحويل المجتمع العراقي إلى مجتمع غربي".
من جهتها، توضح الناشطة النسوية فرح عوّاد ناصر، وهي من بغداد، أن "غالبية الاعتداءات التي تستهدف الأطفال والنساء في العراق تصدر عن الأخ والزوج، وتحدث لأسباب عصبية لا تستوجب التعنيف، كما أن للفقر دوراً كبيراً في انتشار ظاهرة العنف الأسري"، مبينة لـ "العربي الجديد" أن "بعض الرجال في العراق يستندون إلى نصوص دينية تبيح لهم تأديب الزوجة، وسمعنا كثيراً عن نساء توفين من جرّاء التأديب، وهذا ما لا يقبله العقل والدين".
بدوره، يؤكد عضو البرلمان العراقي علي البديري أنه "من المهم قراءة قانون العنف الأسري والمصادقة عليه، التزاماً بالدور الحقيقي لمجلس النواب، وللحاجة الملحة إليه، ولا سيما مع استمرار أعمال العنف داخل الأسرة العراقية وتوسع الظاهرة بسبب عدم محاسبة المتسببين بالعنف"، مشيراً في اتصالٍ مع "العربي الجديد" إلى أن "بعض حالات العنف تؤدي إلى القتل، وهذا يعني أن بعض حالات العنف تشبه الإرهاب، وبالتالي لا بد للبرلمان وهو ممثل الشعب من وقفة إزاء هذه الظاهرة ومنعها عبر قانون يدعم السلطة القضائية في عدم استمرار العنف".
وبحسب المسودة السابقة التي أرسلت إلى مجلس النواب العراقي في نهاية سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، فإن القانون يحمي الأسرة، خصوصاً النساء والفتيات، من كافة أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي، ويحدّ من انتشاره ويقي منه، ويعاقب مرتكبيه، ويعوَض عن الضرر الناتج عنه، ويوفّر الحماية للضحايا، ويقدّم الرعاية اللازمة لهم ويؤهلهم، ويحقق المصالحة الأسرية.