العراق: مطالبات بدمج دواوين الأوقاف

17 ابريل 2020
يطالب المتظاهرون بإلغاء الدواوين (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

على الرغم من أن مطلب إلغاء دواوين الأوقاف الدينية المختلفة في العراق، التي استُحدثت عقب الغزو الأميركي للعراق بأمر من الحاكم المدني آنذاك بول بريمر، في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2003، يعتبر أحد أبرز مطالب المتظاهرين، في بغداد وجنوب ووسط البلاد، والتي اعتبرتها ترسيخاً للطائفية وعائقاً أمام الدولة المدنية، غير أن الحديث حول الموضوع أخيراً عاد من أبواب جديدة غير تلك التي ينشدها المتظاهرون، وهي تقليل النفقات مع اتساع حدة الأزمة المالية في البلاد، إثر انهيار أسعار النفط، وكذلك القضاء على الفساد المالي والإداري الذي ينخرها كحال باقي المؤسسات الرسمية. وفتح إعلان وزارة الصحة حاجتها إلى الأموال للاستمرار في حربها ضد فيروس كورونا، بعد نفاد موازنتها المالية المخصصة لها، الباب للتذكير بالمخصصات المالية السنوية الكبيرة للوقفين السني والشيعي رغم مواردهما الكبيرة، في وقت تشكو فيه الوزارة من إفلاسها ومطالبتها المصارف والمؤسسات الأخرى بالتبرع لها لشراء أجهزة التنفس وبناء مناطق عزل صحي للمصابين والأدوية اللازمة. وهو ما أعاد طرح مطلب "دمج الأوقاف الدينية بوزارة واحدة".

في السياق، يصف مسؤول في بغداد مطالبات ناشطين ومواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي بإعادة دمج الأوقاف الدينية المختلفة، كالوقف السني والوقف الشيعي والوقف المسيحي والصابئي، بوزارة واحدة، بأنها "ترف غير واقعي في ظل وجود حكم أحزاب طائفية". ويكشف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "البرلمان وحكومة تصريف الأعمال بقيادة عادل عبد المهدي تلقت قائمة مطالب المتظاهرين، وكان أولها إلغاء الدواوين. وهو مطلب أصرّ عليه متظاهرو ذي قار وكربلاء واعتبروه أساسياً، لكن لم يلتفت أحد إليه ولم تتم مناقشته أصلاً، على غرار باقي المطالب، مثل تعديل الدستور وإجراء الانتخابات المبكرة، فهو أشبه ما يكون بشعار الشعب يريد إسقاط النظام".

ويبدي المسؤول اعتقاده بأن الوفد الذي من المقرر أن يلتقي رئيس الحكومة المكلف مصطفى الكاظمي ممثلاً عن المتظاهرين في اليومين المقبلين، سيطرح طلب إلغاء الدواوين ودمجها بحكومته في وزارة واحدة بعنوان وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، كما كانت منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة مطلع القرن الماضي، لكن الموضوع مرتبط بتعديل الدستور المكتوب عام 2005 من جهة وبتمريره في البرلمان من جهة أخرى.



وسبق أن خصصت الميزانية العامة، العام الماضي، نحو تريليون دولار عراقي (نحو 800 مليون دولار)، للوقفين السني والشيعي تحت خانة موازنات المؤسسات الحكومية السنوية، وهو ما يعادل ضعفي موازنة وزارة الزراعة الاتحادية، وموازنة أربعة محافظات مجتمعة، مثل نينوى والمثنى وبابل والأنبار.

وحول عملية الدمج، يقول النائب عدي عواد إنها "ليست جديدة ونسمعها منذ مدة من عدة جهات"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تطبيق فكرة دمج الأوقاف الدينية أمر ليس سهلاً في الوقت الحالي، وهي بحاجة إلى دراسة معمقة ومباحثات وموافقات من جهات متعددة". ويوضح أنه "إذا ثبت أنها فعلاً مصدر من مصادر الفساد، فإما أن تتم محاسبة المتسببين بالفساد أو اللجوء إلى دمجها في حال كان ذلك في صالح المجتمع العراقي وخزينة الدولة".

في المقابل، يعتبر عضو التيار المدني، علي الصراف، أن أهمية إلغاء الأوقاف وتوحيدها تكمن في كونها عناوين طائفية تعيق هدف الدولة المدنية ودولة المواطنة. ويشير إلى أن العراقيين يشتاقون لدار عبادة لا يصنفهم بين سني وشيعي "فالأمر وصل لدرجة مقززة والأحزاب نفسها تريد بقاء الوضع، لأن وجودها أصلاً واستمراريها في الحكم قائم على الطائفية السياسية والتكسب بها". ووفقاً للصراف، فإن "إبقاء المطالبة بإلغائها حتى مع تأكد عدم إقدام الأحزاب الحاكمة على مثل هذه الخطوة، يمثل صوتاً عفوياً يميزه عن السلطة الحاكمة".

بدوره، يقول الناشط قتيبة التميمي، لـ"العربي الجديد"، إن "مطالب المحتجين ليست تفصيلية بل عامة ووافية، وأن تجفيف منابع الفساد هو من أبرز ما يطالب به المحتجون في الميادين، ومنها الاستغناء عن بعض المؤسسات والدوائر الحكومية التي لا أهمية لها، إضافةً إلى دمج بعض المؤسسات ببعضها الآخر"، مشيراً إلى أن "الكثير من الشبهات تحوم حول الأوقاف الدينية، لا سيما الوقفين الشيعي والسني، ونحن مع أن يتم الكشف عن الفساد في الوقفين، أو دمج الوقفين وبقية المؤسسات الدينية في وزارة واحدة".

من جهته، يرى النائب باسم خشان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه من المفترض أن "تمول الأوقاف نفسها بنفسها، بل وتعود بأموال للدولة، لكن العكس هو ما يجري اليوم، والأمر ينطبق على هيئة الحد والعمرة أيضاً، التي لا تحصّل الدولة منها أي أموال بل على العكس هي التي تصرفها، وتكاد المبالغ المخصصة تساوي ميزانية وزارة مهمة". ويشدّد على أن هناك استغلالاً سياسياً للأموال المخصصة للأوقاف الدينية المختلفة، ولا أثر لهذه الأموال على أرض الواقع، لا من ناحية التعمير ولا التنمية، والخطأ الحكومي هو عدم وجود بند في الميزانية مخصص لإيرادات من هذه الأوقاف". ويختم بالقول "لذلك لا بد من مناقشة ملف دمج الأوقاف الدينية في وزارة واحدة". أما رئيس حزب المواطنة غيث التميمي، فيبدو مصراً على أن "هناك ضرورة ملحة لإلغاء الأوقاف الدينية وحصرها في وزارة واحدة، أو إدارة واحدة، وتكون من قبل شخصيات دينية معروفة بنزاهتها ووطنيها"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أنه "من الأولى أن تتجه هذه الأموال لبناء المستشفيات والمدارس والمعاهد الفنية والصالونات الثقافية".

المساهمون