نجحت القوى السياسية في العراق بعد عام 2003 في سنّ قوانين برلمانية عدة، اعتُبرت مشاريع سياسية خاصة فُصّلت على قياس هذه الأحزاب ومصالحها، وفي الوقت نفسه اتُهمت بتأسيسها لطبقات داخل المجتمع العراقي، تمتاز بحقوق مالية وقانونية ومدنية أعلى من باقي العراقيين. يتمتع عشرات آلاف العراقيين وأسرهم بامتيازات لا تتوفر لدى باقي العراقيين، وهي امتيازات مالية عبارة عن مرتبات شهرية والمفاضلة في التعليم والتوظيف الحكومي وحتى جوازات السفر التي بالعادة تكون "دبلوماسية" أو "خاصة". الفئات المستفيدة من هذه الامتيازات، هم المتمتعون بقانون ضحايا النظام السابق، وقانون الخدمة الجهادية، وقانون مؤسسة الشهداء، وقانون امتيازات أعضاء الحكومات والبرلمانات السابقة، وقانون المفصولين السياسيين وقانون محتجزي رفحاء (المشاركون في الانتفاضة الشعبانية، نسبة لشهر شعبان، عام 1991 الذين اضطرتهم ظروف البطش والملاحقة لمغادرة العراق إلى السعودية، وبعضهم ولد في المخيم).
عدد المستفيدين من تلك القوانين غير معروف، على وجه التحديد، إلّا أنّ مسؤولاً في مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي قدّره في حديث لـ"العربي الجديد"، بـ"عشرات الآلاف من المستفيدين من تلك القوانين"، وأنهم "باتوا واقع حال من خلال قوانين تم تشريعها لهم بين عامي 2005 و2017، يستفيد منها جميع أعضاء العملية السياسية بمختلف تسمياتهم بعد عام 2003". وأضاف أن "كل ذلك يكلّف الدولة مرتبات شهرية وامتيازات تتجاوز قيمتها السنوية 160 مليار دينار (نحو 148 مليون دولار أميركي)".
وأكد المسؤول أن "الحكومة ليست لها صلاحيات تعديل أو حذف أو تجميد تلك المرتبات الشهرية التي تدفع لهم، أو تقييد الامتيازات التي حصلوا عليها كقطع الأراضي والتنافس على المقاعد التعليمية والتوظيف"، مستدركاً بالقول: "يجب استثناء قانون مؤسسة الشهداء من هذا الجدل، ففيه تفصيل لمن هم مشمولون تحت قانونه وكثير منهم يستحقون تماماً مثل المواطنين المشمولين بقانون ضحايا الإرهاب". واعتبر أن "الامتيازات التي يحصل عليها المشمولون بالخدمة الجهادية أو ضحايا النظام السابق، أو المفصولون السياسيون قادرة على توظيف جميع الخريجين الجامعيين المعتصمين في بغداد والبصرة منذ شهر وثلاثة أضعافهم أيضاً". وتشهد بغداد والبصرة تظاهرات واعتصامات منذ نحو شهر لحملة الشهادات العليا، الدكتوراه والماجستير وخريجي كلية العلوم وهندسة النفط، مطالبين بتوظيفهم. مع ذلك، فإن البرلمان حالياً لا يستطيع تعديل أو وقف تلك القوانين، والمحاولات الخجولة تصطدم باستمرار هيمنة الأحزاب المستفيدة منها على المقاعد البرلمانية.
في السياق، ذكر عضو في اللجنة القانونية البرلمانية، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المحاولات الحالية لتعديل وتغيير بعض تلك القوانين لم ترق إلى مستوى الطموح، فالجهات التي تريد ذلك هم ليسوا من أحزاب السلطة ولا قدرة لهم على التغيير". وأكد أنه "ما زالت أغلب الأحزاب السياسية المنتفعة من القوانين تهيمن على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، فضلاً عن أنّ أغلب تلك القوانين تُعدّ قوانين مقدسة والذي يتقرّب منها قد يعرض حياته للخطر، تحديداً قوانين الخدمة الجهادية وامتيازات الحشد الشعبي والمفصولين السياسيين وشهداء الحشد، والتي تدعم المليشيات استمرارها". ولفت إلى أنّ "من يسعى للتعديل أو الإلغاء من النواب سيجد نفسه بمواجهة المليشيات والأحزاب، وهذا ما لا يستطيعه أحد". وحمّل النائب "رئاسة البرلمان والحكومة مسؤولية التعاطي مع تلك القوانين، التي استنزفت موازنات الدولة، وأثرت سلبا على بناء مؤسساتها".
من جانبه، أكد النائب عن "المحور الوطني"، يحيى المحمدي، أنّ "القوانين التي شرخت المجتمع العراقي بين مستفيد من الدولة وناقم عليها، شرّعت في مراحل سابقة، وأنّ مجلس النواب حالياً يختلف بالأداء والتفكير والمخرجات، ويسعى في هذه الدورة لمعالجة الكثير من القوانين التي شرعت في ظروف استثنائية، لا سيما تلك التي تحمل طابعاً سياسياً وطائفياً ومجتمعياً". وقال المحمدي لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه القوانين أثّرت كثيراً بوجود تمييز بين شرائح المجتمع على حساب شرائح أخرى، وهي تخالف قانون الخدمة المدنية. هناك استياء من قبل كتل كبيرة في البرلمان، وتذمّر من داخل الكتل الشيعية التي وضعت هذه القوانين".
بدوره، ذكر النائب حنين قدو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك سوءاً إدارياً، وأخطاء بتوزيع الموارد المالية على العراقيين، ما أوجد نظاماً غير عادل في البلاد، وخلّف فوارق طبقية من خلال قوانين عدة"، مشيراً إلى أن "هناك من يستلم 10 رواتب عالية تحت مسميات محاربة النظام السابق (صدام حسين)، وهناك من يستلم 100 دولار فقط كل شهر. مع العلم أن كل العراقيين هم ضحايا لنظام صدام ولا يوجد شخص تعذب أكثر من آخر".
وأكد أنّ "البرلمان يشعر بالظلم والفجوة بين شرائح المجتمع التي أوجدتها القوانين الحكومية والبرلمانية، فتحرّك لتعديل قوانين مثل الخدمة الجهادية ورفحاء". وأشار إلى أنّ "التحركات النيابية لا يمكن لها أن تثمر دون وجود الأغلبية البرلمانية، من أجل فتح ملفات القوانين ودراستها من جديد وتعديلها، لأن بعض أعضاء مجلس النواب، هم أكثر المستفيدين من هذه القوانين، ناهيك عن تردد بعض القوى السياسية بفتح هذه الملفات".
ورأى مراقبون أنّ "تلك القوانين الظالمة على ما جرته من تهديم للمجتمع العراقي ومؤسساته، لا يمكن أن تلغى إلّا بوجود إرادة قوية من قبل رئيس الحكومة ورئيس البرلمان. وأكد الخبير السياسي عبد الرحمن العاني، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المطالبات والتحركات النيابية البسيطة لا يمكن لها فعل أي شيء تجاه تلك القوانين، التي تدرّ أرباحاً ومنافع طائلة على المستفيدين منها. الأمر الذي يتطلب من رئيسي الحكومة والبرلمان موقفاً واضحاً تجاهها، وأن يتبنيا تلك المطالب ويدعماها لإعادة مراجعة تلك القوانين". وأكد أنّ "استمرار العمل بتلك القوانين ستترتب عليه أضرار كبيرة في المجتمع ومؤسسات الدولة لا يمكن تداركها مستقبلاً". وفضلاً عن الضرر المادي الكبير الذي تتسبب به تلك القوانين على موازنات البلاد، فإنّها في الوقت ذاته تسببت بتهديم مؤسسات الدولة من خلال تعيين غير المؤهلين للتعيين والعمل فيها، من ذوي الشهداء والمفصولين والمتضررين من النظام السابق، الذين اجتاحوا مؤسسات الدولة وجامعاتها.