على وقع التظاهرات التي تعم أنحاء العراق ، مرر البرلمان العراقي قانون "الكسب غير المشروع"، والمعروف في العراق باسم "من أين لك هذا"، بعد نحو عامين من الشد والجذب بين الكتل السياسية بسبب بعض فقراته التي تتناول صلاحيات هيئة النزاهة والمحاكم المختصة في تتبع أصول أموال المشتبه به وأقربائه، ومخاطبة البنوك للكشف عن الذمم المالية، بالإضافة إلى بند تطبيق القانون بأثر رجعي منذ عام 2003 وحتى الآن.
وحسب مراقبين لـ"العربي الجديد"، فإنه رغم سريان القانون على جميع العراقيين كما حال باقي القوانين الأخرى، غير أنه واقعيا أنشئ أو أقر خصيصا للطبقة السياسية الحاكمة في البلاد، على وقع التظاهرات كإجراء إضافي للتخفيف من حدة نقمة الشارع.
ورغم أن القانون يتضمن بنودا يراها البعض مهمة، غير أن العبرة بالتطبيق والقدرة على تنفيذ القانون، حسب المراقبين، بينما يعتبر آخرون أن القانون كان يمكن أن يكون أكثر شدة بشكل يناسب وضع العراق الذي يحتاج لجهد كبير من أجل اقتلاع جذور الفساد المتفاقم.
ويتضمن القانون الذي أقره البرلمان، نحو 20 بندا، أبرزها ينص على متابعة أموال موظفي الدولة من مدير عام فما فوق، وتعتبر أي أموال يمتلكها لا تتناسب مع راتبه الرسمي، شبهة ويتم التحقيق فيها آليا.
كما ينص القانون أيضا على فتح تحقيق بجميع أموال المسؤول التي اكتسبها بعد شغله للمنصب، على أنه يلزم المسؤول بتقديم كشف لذمته المالية، بين فترة وأخرى، ويحاسب في حال ثبوت أن لديه حسابات بنكية أو عقارات في دولة خارج العراق لم يكشف عنها مسبقا، كما يحاسب على أي أموال لم يثبت مصدرها ويحق للمحكمة مصادرتها.
ويخول للقضاء أو الادعاء العام فتح تحقيق مع المسؤولين الحاليين والسابقين حول مصادر ثروتهم منذ عام 2003 وحتى الآن، ما يعتبر النقطة الأهم والأقوى بالقانون.
كما يحظر القانون على المسؤول تعيين أقاربه ومعارفه أو تكليفهم بعمل ينتج عنه منفعة مالية، ويحظر أيضا العمل بالتجارة أو ما يتصل بها من أعمال، وتصل عقوبات القانون إلى السجن المؤبد ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة.
غير أن هناك من يشكك بإمكانية تنفيذها في ظل توافقات وصفقات سياسية منعت من فتح ملفات الفساد التي كبدت الدولة العراقية مئات المليارات من الدولارات في أقل من 12 عاما، حسب تقديرات غير رسمية.
ويقول عضو نقابة المحامين العراقيين، محمد عوني، لـ"العربي الجديد" إن القانون في حال طبق فعليا فإنه يضمن عدة أمور، ولا سيما استرداد أموال لا تقل عن 100 مليار دولار من المسؤولين والسياسيين في وقت قصير، وملاحقة الفاسدين بشكل أسرع.
ويضيف: "القانون سيفرض رقابة على حركة الحوالات المالية للخارج سواء كانت عبر البنوك أو الشركات الخاصة، ويمكن من خلاله الحد من عمليات تسرب العملة الصعبة من البلاد، كما أنه يضيق على السياسيين والمسؤولين دائرة الفساد ويمنعهم من الأعمال التجارية والسمسرة.
واستدرك: "الأهم بالقضية هو: هل سينفذ القانون أم لا؟ فقانون العقوبات العراقية النافذ فيه بنود وتفاصيل مماثلة لكن لم ينفذ، والقضاء عموما أسير التوافقات السياسية والإملاءات عليه من مختلف الاتجاهات، وهو انتقائي للأسف، ويتحمل جزءا كبيرا من آفة الفساد التي وصلنا لها اليوم".
النائب في البرلمان العراقي، عن تحالف "سائرون"، محمد الغزي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "تشريع القانون في الوقت الحاضر تحديدا يعتبر خطوة ممتازة، وإنجازا للمتظاهرين، رغم أنه كان من المفترض أن يشرع في الدورات السابقة".
ويضيف الغزي: "القانون سيحد من نفوذ سيطرة الشخصيات الحاكمة على الأموال ويلاحق الأموال التي نهبت أيضا"، مبينا أنه "في تسلسل القانون يمكن ملاحقة الأموال والكشف عن مصادرها ليس للمسؤول فقط، بل لأقربائه أيضا، الزوجة والابن وزوجة الابن وزوج البنت والأخ والأخت وأبناء العم.
من جهته، قال عضو التيار المدني، عيسى الكريماوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الشارع فقد الثقة في القوى السياسية التي فقدت بدورها كل أدوات الإصلاح، لذا لم يعد هناك من خيار سوى تطبيق القانون وإلا سنصل لمرحلة أخطر من ذلك"، معتبرا أن الضغط الشعبي هو من أعاد القانون إلى الواجهة.
ويخشى البعض من إمكانية التحايل على القانون ضمن فقراته، ومحاولات إفراغه من محتواه الحقيقي، إذ قال عضو لجنة النزاهة البرلمانية، عبد الرحيم الشمري: "هناك طرق شيطانية في عملية سرقة الأموال وغسلها وأخذ العمولات، لذا نأمل أن يكون القانون مواكبا لهذه الطرق وقادرا على كشفها".
خبراء قانونيون رأوا أن هذه القوانين لا تنهي الفساد المستشري في العراق لكنها قد تحجمه فقط. وفي هذا السياق، قال الخبير القانوني، طارق حرب، لـ"العربي الجديد"، إنه "مهما صدرت قوانين وأحكام فإنها لا تنهي الفساد في العراق"، مبينا أن "قانون (من أين لك هذا) قد يحد منه، لكنه لا يقضي على الظاهرة بالكامل، بسبب حجم الفساد الكبير في البلاد.