العراق: قانون "العفو العام" نافذة الساسة والمسؤولين للإفلات من محاكم الفساد

03 ديسمبر 2019
"إرهابيون" غادروا السجن بموجب قانون العفو (حيدر كارالب/الأناضول)
+ الخط -
يقرّ مراقبون وسياسيون عراقيون بأنّ قانون "العفو العام" الذي أقرّ عام 2016 من قبل البرلمان يعتبر صورة واضحة من صور الالتفاف على القوانين وصياغتها بما يخدم الأحزاب والقوى السياسية، بعدما أفرغ من محتواه وتحول لقانون يستفيد منه المسؤولون المتهمون بجرائم الفساد.

وتتهم أطراف سياسية متنفذة "الدولة العميقة" بتشريع قانون كهذا ملغوم لحماية عناصرها وأفرادها، في حال القبض عليهم بتهم اختلاس ورشوة، أو حتى استغلال النفوذ الوظيفي، بل شمل القانون بعض الإرهابيين.

ويعد قانون العفو العام من أكثر القوانين التي شهدت شدّا وجذبا سياسيَين، وأنّ الحكومة (حكومة حيدر العبادي) عملت على إفراغه من محتواه، ومن ثم أجرت عليه تعديلات تسببت بخلافات سياسية وبرلمانية.

وكان البرلمان العراقي قد أقرّ، نهاية أغسطس/ آب الماضي 2016، قانون العفو العام، بعد مناكفات وخلافات سياسية طويلة، عطّلت تمريره. وكشف مجلس القضاء الأعلى، في قت سابق، عن شمول معظم المتهمين بقضايا النزاهة بالعفو العام، بعد أن تم تسديد المبالغ التي قدمت القضايا بخصوصها، وبعد تنازل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة عن المتهمين بها.

مصادر في البرلمان العراقي قالت، لـ"العربي الجديد"، إن محافظي صلاح الدين وبابل السابقين أحمد الجبوري (النائب الحالي) وصادق مدلول، اللذين تم اعتقالهما الأسبوع الماضي بتهم فساد وهدر للمال العام، بذروة الاحتجاجات العراقية، تم إطلاق سراحهما بعد يوم من الاعتقال بكفالة.

ووفقا للمصادر ذاتها، فإن "النائب عن تيار الحكمة محمود ملا طلال سيتم الإفراج عنه قريباً بعد اعتقال من قبل قوة النزاهة، بتهمة استلام الرشوة، كونه سيكون مشمولا بقانون العفو العام، وهناك ثلاثة مدراء عامين في وزارة العدل، أيضا سيتم الإفراج عنهم، بعد إكمال إجراءات دفع الأموال المختلسة".

وأكدت المصادر أن "هيئة النزاهة ومحاكم الفساد نفذت الكثير من الحملات ضد مسؤولين سابقين وحاليين بتهم فساد واختلاس، لكن غالبيتهم سوف يتم إطلاق سراحهم، لشمولهم بقانون العفو العام، المشرع في سنة 2016، فالتهمة الموجه لهم القانون النافذ يشملها".

وقال القيادي في ائتلاف دولة القانون سعد المطلبي، لـ"العربي الجديد"، إن "قانون العفو العام يجب أن يلغى، ويبقى العفو العام باستثناءات رئاسية للحالات الإنسانية فقط، كما هو معمول بكل دول العالم، ويكون العفو للظروف الإنسانية الخاصة جداً".

وبيّن المطلبي أن "قانون العفو العام الحالي هو استثناء للفاسدين والسراق، وهذا القانون يشجع الكتل السياسية على الاستمرار بعمليات الفساد وسرقة المال العام وهدره، وعدم محاسبتها، فهذه بحد ذاتها هي جريمة".

وأضاف أن "هذا القانون بحد ذاته جريمة، إذ يجب أن يلغى، وعلى القوى السياسية أن تستجيب لمطالب الشعب المنادي بالقضاء على الفساد والفاسدين، وإذا لم تفعل ذلك فهي أمام الشعب شريكة في عمليات الفساد، وهذا القانون نافذة لبعض الساسة والمسؤولين للإفلات من محاكم الفساد".

إلى ذلك، أكد النائب عن تحالف سائرون رعد المكصوصي، لـ"العربي الجديد"، أن "الكثير من القوانين المشرعة فُصّلت على مقاسات الفاسدين والأحزاب والكتل السياسية التي لا تريد الخير للعراق، والكثير من تلك القوانين بحاجة إلى إعادة نظر وتعديل جوهرية وشاملة، من ضمنها قانون العفو العام".

وأضاف المكصوصي أن "قانون العفو العام تم تشريعه وفق مقاس الفاسدين، وهو بحاجة إلى تعديل، حتى يتم القضاء على منظومة الفساد في العراق، ونحن في تحالف سائرون لدينا حراك من أجل تعديل هذا القانون، وغيرها من القوانين التي فيها ثغرات تمكن الفاسدين من الهروب من العقاب".

من جانبه، قال القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، إن "الترقيعات في تعديل قانون العفو العام حالياً لم تعد تنفع، فالمصيبة كبيرة والفساد كبير جداً، وهناك عدة وسائل يستطيع الفاسدون بها التخلص من كل الأحكام الصادرة بحقهم".

وبيّن النجيفي أن "تعديل قانون العفو العام حالياً ليس مهما، ولم يعد من المفيد مناقشته إذا لم يحدث هناك تغيير كبير في الوضع القانوني والقضائي والتشريعي والتنفيذي في الدولة العراقية، وعليه فإن الدولة العراقية ذاهبة إلى الفوضى العارمة، ولا نعتقد أن كل الإجراءات التي نراها الآن يمكن أن تحد من الفوضى القادمة".

في المقابل، قال الخبير القانوني علي التميمي، لـ"العربي الجديد"، إن "قانون العفو العام صدر في 26 أغسطس/ آب 2016، وهو شمل كل الجرائم تقريباً التي حدثت قبل هذا التاريخ من عمليات اختلاس الأموال والرشوة واستغلال النفوذ الوظيفي، ويتم إسقاطها وفق القانون مقابل دفع الأموال، بل تم تقسيط هذه الأموال".

وبين أنه "لهذا أغلب المتهمين بقضايا الفساد خرجوا من السجون، وتمت تسوية جميع القضايا المتعلقة بالشخصيات الفاسدة، وأغلبهم الآن خارج العراق".

وأكد الخبير القانوني العراقي أن "قانون العفو العام كان بوابة لتسوية الديون والجرائم، حتى إن إرهابيين تم إطلاق سراحهم وفق القانون، وذلك لأن القانون تضمن الكثير من الأخطاء التشريعية، وكانت فيه ثغرات استفاد منها حتى الإرهابيون الذين غادر بعضهم السجون".

المساهمون