ورغم حصول التيار المدني، المعروف باسم "التحالف المدني"، على أكثر من ربع مليون صوت في الانتخابات الماضية عام 2014، إلا أنّه لم يظفر حينها إلا بـ 3 مقاعد برلمانية فقط، من أصل 228 مقعدا، وكانت كلّها عن العاصمة بغداد.
خلال يناير/كانون الثاني الماضي، توسّع هذا التحالف، ليضمّ قوى جديدة مثل "حزب الأمة"، و"الحركة الاشتراكية العربية"، و"الحزب الشيوعي العراقي"، و"الحزب الوطني الديمقراطي"، و"الحركة المدنية الوطنية"، فضلاً عن "كتلة الوركاء الديمقراطية"، و"الحزب الوطني الآشوري".
ولم يتوقّف الأمر على انضمام أحزب سياسية للتيار المدني المتوسّع في العراق، بل انضمت في المقابل، تيارات مدنية إلى أحزاب سياسية كبرى.
ووجدت حركات مدنية وشخصيات سياسية سوقاً رائجة لها في تحالفات كبيرة؛ أبرزها "تحالف النصر"، بقيادة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وتحالف انتخابي آخر يتزعمه مقتدى الصدر، بات "الحزب الشيوعي العراقي" جزءاً أساسياً منه، الأمر الذي اعتبر "مفاجأة" التحالفات الانتخابية الحالية، نظراً لاختلاف الأسس الأيديولوجية بين الطرفين.
وفي خضم موسم التحالفات، توجّه سياسيون آخرون كانوا على مدى سنوات منضوين تحت لواء الأحزاب الإسلامية، للانضمام إلى أحزاب مدنية لا دينية مثل علي العوادي عن "حزب الدعوة" سابقاً، والذي انضم إلى التيار المدني، وأحمد المساري عن "الحزب الإسلامي"، وسليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي الحالي، الذين شكّلوا تكتلات مدنية.
وفي هذا الإطار، قال عضو تحالف "القوى المدنية الديمقراطية" سعد العميدي، لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "القوى المدنية العراقية تأمل تحقيق نتائج جيدة خلال الانتخابات المقبلة، إذ إنّ بوصلة الشارع العراقي بدأت تميل نحو هذه التيارات، وهذا يبشّر بخير".
وأضاف أنّ "هناك إسلاميين شعروا بذلك، وغيّروا لهجتهم من الطائفية إلى الوطنية، بناء على استشعارهم نقمة الشارع على الأحزاب الإسلامية التي تولت السلطة، وأوصلت العراق إلى هذا الحال"، على حد قوله.
وأوضح العميدي أنّ "السنوات التي أعقبت العام 2003 كانت شديدة على المجتمع العراقي، وزرعت بذور التفرقة والطائفية في البلاد، الأمر الذي لم يحقق طموحات الشعب، بالتوجه نحو دولة ديمقراطية حقيقية".
ورأى أنّ "نسبة الوعي لدى الشعب، وخاصة الشباب، في أغلب المحافظات، تتصاعد بشكل كبير"، مضيفاً أنّ "الشعب بدأ يتخلّص من سيطرة الجهات التي توجهه، وتملي عليه شروطها، وتقوده إلى مصير مجهول، وبدأ بالبحث عن برامج حكومية وتوجهات نحو المستقبل".
وتابع "تصاعدت نسبة الوعي في المحافظات الجنوبية، وبات لديهم إقبال واسع على الانتماء للأحزاب المدنية، وحضور مؤتمرات وندوات التيارات المدنية، وبشكل عام هناك رغبة بالتغيير وعدم رؤية الوجوه المألوفة طيلة عقد ونصف عقد".
وأشار إلى أنّ تحالفه "أقام عدّة مؤتمرات وندوات، في أغلب المحافظات وحتى في النجف وكربلاء، ولاحظنا التأييد الشعبي الواسع، للتوجهات المدنية لدى المواطنين".
وأكد العميدي أنّ "تحالفه أجرى استطلاعات للرأي في المحافظات الجنوبية، أظهرت تصاعداً واضحاً للتيارات المدنية، وقد اتسعت دائرة مكاتبنا في أغلب تلك المحافظات"، من دون أن يذكر أرقاماً محدّدة.
ورأى أنّ "أسباباً كثيرة دفعت إلى التوجه نحو التيّار المدني، يرتبط أغلبها بالوعي الثقافي للمجتمع، وإدراكه لحجم الفساد والفشل في كافة مفاصل الدولة، بسبب الأحزاب التي حكمته".
اختبار الشارع
نجح التيار المدني في تحريك عدد من التظاهرات بالشارع العراقي، للمطالبة بمحاكمة المتهمين بملفات الفساد، وللضغط على الحكومة في تحريك ملف سقوط الموصل بيد تنظيم "داعش" الإرهابي عام 2014، فضلاً عن كشف ملفات ووثائق من داخل البرلمان والحكومة، للرأي العام العراقي، من بينها ملف صفقة الطائرات الروسية الفاسدة، وملف التلاعب بأموال النازحين.
وقال حسام العيسى عضو "التيار المدني"، لـ"العربي الجديد"، متحدثا عن نواب التيار في البرلمان، إنّه "لا يمكن رشوتهم ولا التضييق عليهم أو إسكاتهم، كما أنّهم لا يخضعون للمحاصصة والاتفاقات بين الكتل السنية والشيعية، لذا كانوا مصدر إزعاج لها".
وتابع: "صحيح لم يقدّموا (نواب التيار) شيئاً مهماً لكنّهم حاولوا بثلاثة مقاعد، والأهم أنّ أسماءهم لم تذكر في أي ملفات فساد".
وتوقع أن يحصل هؤلاء على "أصوات طيبة في حال لم يتم التلاعب بنتائج الانتخابات، أو تخدير الناس وعسكرتهم دينياً كما حصل في انتخابات عام 2014".
من جهته، أكد القيادي في "الحزب الشيوعي العراقي" غالب الجشعمي، أنّ "تقدّم التيارات المدنية في البلاد، دفع أحزاب السلطة إلى السعي لرفع الشعارات المدنية ومحاولة التستر بها".
وقال الجشعمي، في حديث مع "العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "التيارات المدنية العراقية، طوال السنوات الماضية، لم تحقّق ما حققته من تقدّم في الفترة الأخيرة".
وأضاف أنّ "التيارات المدنية بفضل منهجها الواضح والمعتدل، الذي يكسب كافة مكونات الشعب بدون أي تفرقة، استطاعت أن تكون أمل غالبية الشعب العراقي، وهي تركز هذا الشعب ووحدته من دون أي تسميات أخرى".
ورأى الجشعمي أنّ "ما يميّز التيارات المدنية عن أحزاب السلطة، أنّها واضحة وقريبة من معاناة الشعب في كل الأحوال، أما أحزاب السلطة فلا تقترب من الشعب إلّا خلال فترات الانتخابات"، معتبراً أنّ "تحالفنا مع التيار الصدري كاف للدلال على ذلك".
ويتألف مجلس النواب العراقي من 328 مقعداً، وتمتد ولايته لأربع سنوات. وستجرى الانتخابات البرلمانية المقبلة يوم 12 مايو/أيار المقبل.