العراق: شكاوى من انتهاكات لمليشيات عشائرية في المدن المحررة

01 مايو 2019
مطالبات بأن تكون اليد العليا للقوات العراقية النظامية (Getty)
+ الخط -
للشهر الثاني على التوالي، تتصاعد شكاوى سكان مدن عراقية محررة من انتهاكات يتعرضون لها على يد تشكيلات عشائرية مسلحة من أبناء تلك المناطق نفسها، يقولون إنها تتعدى الضرب والإهانة واقتحام المنازل ليلاً بلا مذكرات اعتقال، وصولاً إلى استغلال عناصرها مواقعهم في تصفية حسابات مع عشائر أخرى، مطالبين بأن تكون اليد العليا للقوات العراقية النظامية.

وفتحت حادثة تعذيب مواطن عراقي قبل أيام على يد قيادي في "الحشد العشائري" بمحافظة الأنبار، غربي العراق، الباب أمام الحديث عن جملة من الانتهاكات التي يرتكبها قيادات وعناصر ينتسبون لما يعرف بالحشد العشائري، وذلك للتفريق بينها وبين الفصائل المسلحة الأخرى التي لا تنتمي إلى هذه المناطق.

ووفقاً لمسؤول عراقي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فإن الشكاوى التي ترد من المواطنين لا تنحصر على فصائل مسلحة عرفت خلال الفترة الماضية بمخالفاتها أو أخطاء فردية لعناصرها، بل تتعدى ذلك إلى أفراد من قوات العشائر من نفس تلك المناطق، مؤكدًا أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أمر بمتابعة تلك الانتهاكات ووقفها ومعاقبة مرتكبيها.

وبحسب المسؤول ذاته الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن ما لا يقل عن 30 انتهاكاً ومخالفة قانونية ارتكبها مقاتلو العشائر في الأنبار وصلاح الدين والموصل، بينها اعتقال بدون سند قضائي وضرب وإهانة مواطنين ومداهمة منازل وابتزاز آخرين من الفلاحين ورجال الأعمال أو محاولة أخذ مال منهم لتمرير مصالح لهم، مستغلين نفوذهم في تلك المناطق.

وأشار إلى أن "ملف الانتهاكات بشكل عام فتح بأمر رئيس الوزراء بعد وصول صور لمواطن تم ضربه بشكل مبرح هو ووالده المسن في الفلوجة على يد قيادي بالحشد العشائري بشكل وحشي".

وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي، مؤخراً، مقطع فيديو لشخص تعرض للتعذيب من قبل ضابط بـ "الحشد العشائري" يدعى العقيد سعد في مدينة الصقلاوية بمحافظة الأنبار، وبحسب الفيديو فإن الشخص المصاب تعرض لأضرار صحية كبيرة من بينها توقف إحدى كليتيه، فضلاً عن حروق وكدمات في مناطق متفرقة من جسمه.


مسؤول محلي بمحافظة الأنبار قال لـ"العربي الجديد" إنّ ما حدث لهذا المواطن ما هو إلا مثال على تمادي ضباط ومنتسبين للتشكيلات العشائرية، موضحاً أنّ مسلحي العشائر يتدخلون في كل شيء بالمحافظة، لا سيما في المناطق البعيدة عن مراكز المدن التي يقل وجود الجيش والشرطة النظاميين فيها.

وأشار إلى أن أغلب الانتهاكات تحدث بصورة فردية، ولا تتم بتوجيه مركزي من قيادات "الحشد العشائري"، مبيناً أن بعض مسلحي العشائر ثبت تورطهم في الضغط على أسر يشتبه بأن لها أقارب في تنظيم "داعش" من أجل الحصول على مبالغ مالية.

وأوضح أن بعضهم يتدخل في كل شيء حتى في حوادث السير والعقوبات المرورية، مؤكداً أن سبب هذا الإرباك يعود لحصول عدد غير قليل من المنتمين لـ "الحشد العشائري" على رتب عسكرية على الرغم من عدم حصولهم على شهادة الإعدادية، وذلك تكريماً لهم لاشتراكهم في المعارك ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.

ولفت إلى إبلاغ القيادات الأمنية المحلية بانتهاكات "الحشد العشائري"، مشيرا إلى أن أعدادهم الكبيرة وانتشارهم الأفقي الواسع على مستوى المدن والقرى والأرياف أمور تصعّب مسألة ضبطهم بشكل كامل.

ولا تقتصر انتهاكات الحشود العشائرية على محافظة الأنبار، إذ تشهد محافظة نينوى (شمالاً) هي الأخرى إرباكاً أمنياً بسبب انتشار هذه التشكيلات التي تستمد قوتها من ارتباطها بمليشيات "الحشد الشعبي".

ويتعرض مسلحو العشائر في نينوى كونهم جزءاً من "الحشد الشعبي" إلى اتهامات بالمساهمة في عمليات تهريب واستيلاء على أراضٍ مملوكة للدولة.

وأكد محمد الحيالي، وهو أحد الزعماء المحليين في محافظة نينوى، أنّ العشائر احتضنت التشكيلات العشائرية في بداية تأسيسها، وقدمت لها الدعم بالمال والسلاح، موضحا لـ"العربي الجديد" أنّ الغاية من ذلك كانت تحقيق النصر على تنظيم "داعش" الإرهابي.

وأضاف "من المفترض الآن وقد انتهت الحرب على التنظيم الإرهابي أن يتم تفكيك الحشود العشائرية، وتسليم المهام للجيش والشرطة"، مستدركاً "إلا أن ذلك لم يحدث بعد أن تحولت بعض الحشود العشائرية إلى مصادر لجمع الأموال".

واتهم بعض التشكيلات العشائرية المرتبطة بنواب وسياسيين بالتورط في عمليات تهريب، واستيلاء على ممتلكات، وفرض إتاوات على كبار التجار، موضحاً أن هذه التشكيلات تستمد قوتها من الدعم الذي تقدمه لها فصائل "الحشد الشعبي".

وسبق لعضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى، أحمد الجبوري، في وقت سابق، أن أكد أن  فصيلاً مسلحاً يتبع لـ "الحشد" يقوم بعمليات لتهريب النفط من حقول القيارة، متهماً عدداً من المسؤولين المحليين بالتواطؤ مع المهربين.

فيما أكد عضو مجلس محافظة نينوى، دلدار زيباري، لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، أن المحافظة تحكم من قبل بعض القوى التي كانت وما تزال تتحكم بمصير الموصل، وبيّن أنها مستعدة لفعل أي شيء من أجل تحقيق مصالحها.

بالمقابل، تحاول قيادات في "الحشد الشعبي" التقليل من أهمية الانتقادات الموجهة للإرباك في نينوى، من خلال محاولة إلقاء اللائمة على السياسيين.

وبين القيادي في "الحشد"، هادي الجزائري، أن بعض المحسوبين على السياسيين يستغلون الفراغ السياسي في نينوى من أجل زعزعة الأوضاع، مؤكدا خلال تصريح صحافي أن "الحشد" يسيطر على الأوضاع، خصوصاً غربي المحافظة.

وفي محافظة صلاح الدين (شمالاً) سبق أن منعت مجموعات من "الحشد الشعبي" و"الحشد العشائري"، عبر نقاط تفتيش على الطرق الرئيسية، مرور البضائع والمواشي والمحاصيل الزراعية من المدينة إلا بعد دفع أموال من التجار إلى العناصر المسلحة، حسبما كشف النائب السابق شعلان الكريم الذي أكد أن "الانتهاكات تمارس منذ سنوات وتحديداً بعد عمليات التحرير التي قادتها القوات العراقية ضد تنظيم داعش، تحديداً في المناطق التي أوكلت مهام حمايتها بعد التحرير لفصائل تدعي انتماءها للحشدين العشائري والشعبي".