إذ يجوب شوارع العراق ملايين الأيتام من الأطفال الذكور والإناث، قسم كبير منهم بلا مأوى، يختطفهم الموت من الشوارع بألوانه القاتمة، بدءا من السيارات المفخخة وانتهاء بعصابات سرقة الأعضاء البشرية أو الاعتداء الجنسي.
وتقف معضلة الأيتام بوضوح داخل مجتمع عراقي مثقل بالمشاكل الأمنية والسياسية والصحية، حيث تشير تقارير وزارة التخطيط العراقية ومنظمات محلية مدنية مستقلة، إلى وجود ثلاثة ملايين ونصف يتيم بالعراق، تتراوح أعمار غالبيتهم بين العام و12 عاما، لا يجدون الرعاية الكافية، و70 في المائة منهم تركوا التعليم ويعملون في مهنٍ شاقة لا تتناسب مع أعمارهم.
ويذكر رئيس قسم المتابعة والرصد في وزارة التخطيط العراقي، دائرة محافظة نينوى شمالي العراق، الدكتور علي الدراجي، لـ"العربي الجديد" إن "ظاهرة ارتفاع عدد الأيتام من كلا الأبوين أو أحدهما مخيفة ومقلقة، إذ بات عددهم يفوق أعداد مواطني دول مجاورة للعراق".
ويضيف الدراجي "المشكلة أن عددهم في تزايد ولا رعاية لهم، والمجتمع غارق في همومه، وجميع الحلول ترقيعية، ولن تصل إلى نتيجة ما دامت النار مشتعلة في البلاد، وتحصد مزيدا من الرجال".
نساء العراق.. من الأرامل إلى "المعلّقات"
وعلى أبواب مراكز الرعاية الاجتماعية في بغداد والمدن العراقية الأخرى، يجتمع صباح كل يوم الآلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من الأرامل ومن يطلق عليهن "المعلّقات".
وبحسب آخر التقارير العراقية الصادرة عن المنظمات المتخصصة في شؤون المجتمع العراقي ما بعد الحرب، فقد ارتفع عدد الأرامل في البلاد إلى مليون و200 ألف نسمة، في حين توجد 340 ألف سيدة لا يعرفن مصير أزواجهن، ويرفض القضاء اعتبارهن أرامل، ويرفض تطليقهن، وهو ما دعا تلك المنظمات إلى تسميتهن "المعلّقات".
وهي شريحة واسعة من النساء برزت بعد الاحتلال، ويقصد بها السيدة التي لا تعلم عن مصير زوجها وما آل إليه، هل هو حي في المعتقلات السرية للحكومة أو المليشيات أم أن الحال آل به إلى مقبرة جماعية، وما أكثرها في العراق اليوم.
تقول رئيسة منظمة "قوارير" لرعاية المرأة في العراق، الدكتورة نهلة عبد الله الحمداني
لـ"العربي الجديد" إن "التقارير الأولية التي تمتلكها المنظمة، تشير إلى وجود نحو مليون وربع مليون أرملة في العراق، تتراوح أعمارهن بين 18 و50 عاما، فيما يوجد أكثر من 340 ألف سيدة معلّقة لا يعرف مصير أزواجهن، والقانون العراقي متخلف في هذا الإطار ولا ينصف المرأة" بحسب وصفها.
وتشير الحمداني إلى أن غالبية ضحايا تلك الشريحة، هن من النساء اللاتي اختطف أزواجهن من قبل المليشيات والجماعات المتطرفة الأخرى، أو اعتقلوا في زمن حكومة المالكي، ولم يعرف لهم طريق، فقد شاعت في زمنه السجون السرية.
وتضيف الحمداني أن الأرامل والمعلّقات لا يجدن أي دعم أو رعاية من الحكومة، كحال باقي الشرائح في المجتمع العراقي، بل بتن مصدر تكسّب غير أخلاقي للأحزاب الدينية التي تسلمت السلطة بعد الاحتلال، كما أن ضعاف النفوس يحاولون استغلالهن، ذلك أن نظرة المجتمع للمرأة التي فقدت زوجها سيئة للغاية.
يموتون ببطء
ولا يختلف الحال بالنسبة للمعوقين، إذ تقدر منظمة الأطباء العراقيين المستقلة IDM، عدد المعوقين جراء الحرب والعنف في العراق، بنحو مليون مواطن، تتفاوت إعاقتهم بين شديدة وخفيفة لكنها ملازمة لهم، وغالبيتهم ممن فقدو أطرافا أو أصيبوا بتشوهات لا علاج لها، حدثت إصابات أكثرهم بها عقب احتلال البلاد في التاسع من مارس/آذار عام 2003.
فيما تضطر المراكز الطبية والمستشفيات المتخصصة في الأمراض المزمنة، إلى تعديل برنامج عملها اليومي ليسمح باستيعاب ثمانية آلاف معوق يوميا لرعايتهم، بينما يشكون اضطرارهم للانتظار شهرا وأكثر حتى يردهم الدور إلى المراجعة.
ويقول الدكتور مناضل محمد مدير المنظمة في حديث لـ"العربي الجديد": "إنهم يموتون ببطء"، في إشارة الى المعوقين.
ويضيف "غالبيتهم لا تتوفر لديهم كراسي متحركة ولا أطراف صناعية، التي تبلغ أسعارها في المتوسط بين ثمانية آلاف إلى عشرة آلاف دولار، ولا يتلقون العلاج اللازم، والكارثة الحقيقة هي أن ثلاثين في المائة من المعوّقين في العراق نساء، و20 في المائة منهم أطفال، ولا أحد يلتفت إليهم الآن.
ويعلق عضو البرلمان العراقي ومقرر لجنة المرأة والطفل في البرلمان محمد علي، على ذلك بقوله: "مجتمعنا العراقي متعب جدا حدّ الوجع بفعل الحرب، ولا ندري متى سينفجر بسبب الإهمال الذي يشترك في مسؤوليته الجميع البرلمان والحكومة".
ويضيف: جاء انخفاض أسعار النفط كالصاعقة، إذ لن تتأثر إلا الشرائح الفقيرة في المجتمع العراقي بذلك، من خلال تأجيل مشاريع وإلغاء أخرى تصب في مصلحتهم.
بينما يقول رئيس مركز بغداد للدراسات الحديثة، ماجد العوني، لـ"العربي الجديد" هذه نتائج الديمقراطية الأميركية وهذه آثار الاحتلال، ويمكن القول وبكل ثقة إن آثار احتلال العراق ستستمر لأكثر من 100 سنة قادمة إن لم نقل أكثر.