ومن المفترض، حسب المدد الدستورية، أن يعقد البرلمان العراقي في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، جلسته الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية الذي سيطلب في الجلسة ذاتها من الكتلة الأكبر عدداً، تشكيل الحكومة خلال 30 يوماً. وهو ما يعني أنّ على القوى الشيعية العراقية أن تحسم مرشّحها لهذا المنصب في فترة أقصاها سبعة أيام.
في موازاة ذلك، يواصل المبعوث الأميركي، بريت ماكغورك، لقاءاته في بغداد مع أطراف مختلفة، ليس من بينها كتل تحالف "البناء" (معسكر المالكي ـ العامري)، وذلك ضمن جولة تهدف "للضغط نحو تشكيل حكومة مقبولة أقلّ ما يقال عنها إنّه يمكن التعامل معها مستقبلاً"، على حدّ تعبير أحد أعضاء الوفد الكردي الموجود في بغداد حالياً، والذي وصف جميع الأسماء المطروحة حالياً لمنصب رئاسة الحكومة "بأنّها تتمتّع بعلاقات وثيقة مع إيران".
وللمرّة الأولى، تدخل مرجعية النجف بشكل مباشر مع القوى السياسية العراقية من أجل اختيار رئيس وزراء غير مجرّب سابقاً، كما سمته في خطاباتها الأخيرة، في إشارة إلى عدم رضاها عن اختيار أي من الوجوه التي سبق أن تولّت رئاسة الحكومة أو مناصب رفيعة المستوى.
وبعد إعلان سابق، مطلع الشهر الجاري من قبل نوري المالكي، عن قرار عدم ترشّحه لمنصب رئيس الوزراء، أعلن العامري رسمياً أمس الثلاثاء، سحب ترشيحه للمنصب أيضاً. وقال العامري في مؤتمر صحافي عقده في بغداد "أعلن سحب ترشيحي رسمياً لمنصب رئاسة الوزراء"، مؤكداً على ضرورة أن "يكون اختيار رئيس الوزراء وفق مبدأ التوافق الوطني وتوافق القوى السياسية". وألمح العامري إلى فشل "الضغوط الخارجية، بعد أن أغلق الباب بوجه الأميركيين والمال الخليجي لتشكيل الكتلة الكبرى، كما يريدون"، مشيراً إلى أنّ "تحالف البناء لم يعد شيعياً، ففيه أكثر من 50 نائباً سنياً، وقد تجاوزنا التخندق الطائفي منذ واجهنا داعش معاً".
وفي هذا الإطار، رأى المحلّل السياسي العراقي محمد شفيق، أنّ انسحاب العامري من الترشّح لمنصب رئيس الوزراء "هو تحصيل حاصل بعد بيان المرجعية، والمرحلة الجديدة المقبلة على العراق"، معتبراً أنّه "إذا لم يتم اختيار وجوه جديدة للحكم، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث كوارث على المستويين الداخلي والخارجي؛ الأوّل يتمثّل باشتداد التظاهرات والاحتجاجات، والثاني بعدم منح القوى الخارجية الثقة للحكم الموجود في البلاد".
وبيّن شفيق أنّه "حتى الآن، لا توجد أسماء مطروحة بشكل رسمي حتى نقول هذا صاحب حظّ أوفر من ذاك، وكل ما يجري تداوله هو تكهنات. لكن أعتقد أنّ رئيس الوزراء المقبل سيكون مرشح صدمة مثلما حصل في الوقت الذي اختير فيه (رئيس الحكومة حيدر) العبادي".
ويأتي ذلك، فيما أشارت معلومات موثوقة حصل عليها "العربي الجديد" إلى أنّ وزير النفط السابق، عادل عبد المهدي، اعتذر عن تسلّم المنصب، كذلك، بسبب صعوبة مهمة الأربع سنوات المقبلة في العراق، داخلياً وخارجياً، رغم طرح اسمه وبروز توافق أولّي لكتل سياسية عدة حوله، في حين أنّ طرح اسم الوزير السابق علي عبد الأمير علاوي، كمرشح للمنصب، لم يحظَ بموافقة من المعسكر المدعوم إيرانياً.
ووفقاً لقيادي بارز في "الحزب الشيوعي العراقي"، المتحالف مع كتلة الصدر ضمن قائمة "سائرون"، فإنّ "المرجعية الدينية في النجف، ممثلةً بعلي السيستاني، دخلت فعلاً على خط الأزمة لوقف الصراع الحالي بين الكتل الشيعية، مع وجود ضغوط شعبية على المرجعية حيال الفشل في إدارة البلاد من قبل الأحزاب الإسلامية الشيعية، إلى جانب مطالبتها بالتدخّل".
وبحسب القيادي نفسه، الذي تحدّث لـ"العربي الجديد"، فإنّ "الأسماء التي تسرّبت خلال الأيام الماضية لشغل منصب رئيس الوزراء نسف أغلبها من قبل النجف أو من قبل كتل سياسية في بغداد"، وذلك بسبب كونها "مجرّبة سابقاً أو أنّه تلاحق بعضها ملفات فساد أو أنّها غير متوازنة في ما يتعلّق بالمعادلة الإيرانية الأميركية في العراق".
وكشف القيادي أنّ "مقتدى الصدر يحاول أن يضع المسؤولية الكاملة على عاتق المرجعية في اختيار مرشّح رئاسة الوزراء، لتلافي أيّ فشل مستقبلي للحكومة، وهو ما تعمل عكسه تماماً قوى أخرى تدفع بمرشحين آخرين للمنصب"، مبيناً أنّ "رأي الحزب الشيوعي هو تقديم أسماء ودعمها للمنصب، لكن الصدر يخشى من احتراق شعبيته في حال فشلت هذه الشخصية في ظلّ التحديات الأربعة في الشارع العراقي اليوم التي تتمثّل بالفقر وغياب الخدمات والبطالة والفساد".
من جانبه، أكّد مسؤول كردي ضمن الوفد الموجود حالياً في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأميركيين يريدون حكومة يمكن التعامل معها على أقلّ تقدير، بعد تلاشي حظوظ العبادي، واتفاق الصدر مع العامري على حكومة توافقية تجمع قطبي المعسكرين". وأضاف المسؤول "عملياً، رئيس الوزراء المقبل لن يكون للسنة والكرد أي تأثير في اختياره أو تحديده، لكن المؤكّد أنّه لن يكون بعيداً عن إيران كما كانت تطمح واشنطن ودول خليجية مثل الإمارات والسعودية".
بدوره، قال عضو الوفد المفاوض عن تحالف "الوطنية" بزعامة إياد علاوي، رعد الدهلكي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "مسألة التوافق بين المحورين (العامري والصدر) أضعفت أهمية الكتلة الكبرى. فالحكومة ستشكّل بالتوافق في النهاية، والمرجعية ستكون حاسمة في اختيار رئيس الوزراء"، مضيفاً "أعتقد أنّ رئيس الوزراء سيكون شخصية جديدة ولديه رؤى مختلفة لا تشبه أيّ حكومة سابقة". وتابع الدهلكي قائلاً "الأرجح أنّ الحكومة أيضاً لن تشكّل إلا بوجود توافق بين الأميركيين والإيرانيين".
إلى ذلك، وفي ثاني تهديد من نوعه لفصائل مسلحة في العراق، قالت مليشيا "حزب الله" العراقية، إنّها ستسقط أي رئيس حكومة جديد، "ما لم يتعامل باحترام مع الحشد الشعبي". وقال القيادي في الحزب، أبو طالب السعيدي، في كلمة له أمام أنصاره، أمس، إنّ "ما يحدث من اتفاقات بين الكتل السياسية في البرلمان بشأن بعض المناصب، لم يكن ليحدث لولا دماء مقاتلينا"، مضيفاً "رغم أنّ كتائب حزب الله التي تقاتل ضمن صفوف الحشد الشعبي حالياً لا تعمل بالسياسة، وتركّز على العمل العسكري فقط، فإنّها تسير على نهج مرشد إيران السابق روح الله الخميني، الذي قال إنّ السياسة عين الدين". وتابع السعيدي قائلاً: "بناءً على ذلك، فإنّ أحد الشروط التي تفرضها الكتائب في هذه المرحلة، أن يتعامل رئيس الحكومة المقبل باحترام مع المجاهدين (في إشارة إلى عناصر الحشد)، ويمنحهم حقوقهم"، مهدداً "سنسقط عرش رئيس الحكومة المقبلة، في حال عدم احترامه لدماء مقاتلينا". ويأتي هذا التصريح بعد أيام من تصريح مماثل لقيادي في مليشيا "الخراساني"، حسن البصري، قال فيه إنهم لن يسمحوا بحكومة "لا تقدر دماء وتضحيات الحشد".