يبدأ رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي، اليوم السبت، أولى مشاوراته مع قادة وزعماء الكتل السياسية المختلفة في البلاد في إطار سباقه مع الزمن لتقديم حكومته والتصويت عليها قبل بدء شهر رمضان (في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي)، وفقاً لمصادر سياسية أكدت لـ"العربي الجديد"، أن الكاظمي لا ينوي استهلاك مهلة الشهر الدستورية له (تنتهي في الأسبوع الأول من شهر مايو/ أيار المقبل)، بل ساهم بقاؤه مرشحاً محتملاً طيلة الفترة الماضية في تكوين مشروع حكومته سريعاً في حال تم تكليفه. وكان الكاظمي قد تحدث في خطابه، مساء أول من أمس الخميس، عن ملفات ستتولاها حكومته التي اعتبرها "حكومة خدمية"، لا يبدو أنها ستكون بعيدة عن نظام حصص الأحزاب والمكونات، وهو ما يتم عادة وصفه من قبل القوى السياسية المشاركة بالحكومة بـ"الاستحقاق الانتخابي". يدفع هذا الأمر مراقبين وحتى أعضاء برلمان إلى عدم الإسهاب كثيراً بالتفاؤل في حكومة الكاظمي، كونها ستكون شبيهة بحكومة عادل عبد المهدي في فكرة تشكيلها وتوزيع الحصص الوزارية على الكتل والقوى السياسية.
ووفقاً لعضو بارز في تحالف "البناء" البرلماني، المعسكر المحسوب على إيران، ويضم قوى سياسية بارزة، أبرزها "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"الفتح" بقيادة هادي العامري، فإن "تكليف الكاظمي بتشكيل الحكومة تم بناءً على شروط وتفاهمات مسبقة، منها برنامج الحكومة وكذلك شكل تشكيلته الوزارية". وأضاف أنها "ستكون حكومة كفاءات، لكن الكتل السياسية ستقدّم له مرشحين، ومن حقه رفض من يريد وقبول من يريد، وفي حال رفض أي مرشح سيتم ترشيح آخر له"، كاشفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حكومة الكاظمي قد تكمل الدورة الانتخابية كاملة لغاية عام 2022 في حال استمرت الأزمة الصحية (كورونا) والمالية إثر انهيار أسعار النفط، لأن الانتخابات المبكرة ستحتاج إلى جهود وموازنة مالية لا تقل عن مليار دولار لتغطيتها في كل محافظات العراق الـ19.
وأكد العضو في تحالف "البناء" أن "برنامج الكاظمي الذي تم الاتفاق عليه مع قادة الكتل السياسية وبشكل خطوط عريضة، تضمن إبعاد شبح أي مواجهة أميركية إيرانية في العراق، ومواجهة الأزمة المالية الحالية، ومواجهة وباء كورونا". وقال إن الكاظمي تلقى إشارات من قيادات وزعامات سياسية مختلفة بدعمه في ما يتعلق بملف الفصائل المسلحة، التي تصر على مواصلة التصعيد بهجمات "كاتيوشا" ضد المصالح الأميركية. وفي ما يتعلق بعدم احتواء خطاب الكاظمي أي إشارة للانتخابات المبكرة، على عكس سلفيه المكلفين محمد توفيق علاوي، وعدنان الزرفي، أوضح العضو في "البناء" أن الكاظمي أبلغ قادة الكتل السياسية بأنه لا ينوي التحدث عن شيء غير متأكد من إمكانية تنفيذه.
في السياق، قال عضو تحالف "الفتح" رزاق الحيدري لـ"العربي الجديد"، إنه "من الصعب للغاية أن يتمكن الكاظمي من اختيار وزراء حكومته بمفرده من دون العودة للكتل السياسية، لأن تجربة محمد توفيق علاوي ما زالت حاضرة"، مضيفاً أن هناك "تنسيقاً مشتركاً مع الكتل السياسية ولا مشكلة في اختيار وزراء سياسيين، ولكن شرط ألا يكونوا متهمين بملفات فساد وغير متورطين بجرائم أو تدور حولهم الشبهات بقضايا تلاعب أو اختلاس مالي". وأشار الحيدري إلى أن من "أهم الملفات التي لا بد أن ينفذها الكاظمي هي الانتخابات المبكرة، وهو ملف ليس صعباً إذا ما توفرت الأموال الكافية له والأجهزة والأدوات الفنية، ولعل مفوضية الانتخابات قادرة على إجرائها خلال 6 أشهر، لإعادة الحياة إلى العملية السياسية، وإنهاء عصور التزوير الذي تعاني منه كل عملية اقتراع شهدتها البلاد".
وبشأن تبدل مواقف الكتل الشيعية التي كانت رافضة للكاظمي أول مرة بحجة اشتراكه بحادثة اغتيال نائب رئيس "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس وقائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ومن ثم الموافقة عليه مرشحاً لرئاسة الحكومة، اعتبر الحيدري أن "الجهات التي اتهمت الكاظمي بهذا الأمر، لم تعط أي أدلة ولم توفر الشهود على هذا الادعاء، وكان عليها أن تحرج القضاء العراقي لو كان الأمر صحيحاً، وطالما لا تتوفر الأدلة، فما يدور بالإعلام لا يعدو كونه اتهامات".
من جهته، رأى عضو "تيار الحكمة" محمد اللكاش، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مهمة الكاظمي صعبة للغاية، لأن تسلّم هذا المنصب في ظل هذه الظروف يُعد انتحاراً، لا سيما مع الأزمة الاقتصادية والصحية والذعر واليأس لدى المواطنين العراقيين بسبب انتشار كورونا". وأشار إلى أن "مهمة الكتل السياسية الحالية، إذا كانت جادة في إخراج العراق من دائرة الاحتجاجات والاعتراضات ونزول الشباب إلى الشوارع وقطعها مرة أخرى، تقتضي التنازل عن الرغبة بالمناصب في الفترة الحالية، لأن المتظاهرين وعدوا بأن ينزلوا إلى الشوارع مرة أخرى بعد نهاية كورونا، وليس من الحكمة والعقل أن تعطي الأحزاب مبرراً جديداً للمتظاهرين لتعطيل العمل الحكومي، لذلك عليها ألا تتنافس من جديد على الحصص، وأن تترك الكاظمي يعمل على راحته، ولكن لا يبدو أن هذا الأمر سيحدث".
أما النائب عن تحالف القوى يحيى المحمدي، فقد أكد "بدء المشاورات بين الكاظمي والكتل السياسية بخصوص تشكيل الحكومة"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لا يمكن القول إن الحكومة الجديدة مستقلة خالصة ولا سياسية، لأنها ستكون مزيجاً، وتراعي مبدأ التوازن بين المكونات والكتل ولكن وفقاً لضوابط وشروط الرئيس المكلف".
ويحدث هذا في ظل تعليقات مسؤولين من إقليم كردستان، شمال العراق، مفادها أن الكاظمي لن يختار الوزراء الأكراد في حكومته، بل ستختارهم الأحزاب الكردية، حسبما كشفت تصريحات أخيرة مفادها أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني، عازم على الإبقاء على وزير المالية فؤاد حسين، كما بدا أن الاتحاد الوطني سيقوم بتحديد وزرائه في الحكومة الجديدة على طريقته.
من جانبه، أشار النائب المستقل باسم الخشان، إلى أن "حكومة الكاظمي قد تشهد وجود شخصيات سياسية معروفة، وبعضها شاركت في حكومة المستقيل عبد المهدي. كما ستعتمد المحاصصة الحزبية والطائفية وستُراعى مبادئ الاستحقاقات الانتخابية، فالكاظمي لن يختار أي وزير في حكومته من دون أخذ الأذن والموافقة من الأحزاب العراقية". وأوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أي عناد يبدر من الكاظمي مع الكتل، فسيواجه حينها مصير عدنان الزرفي ومحمد توفيق علاوي".
وأكمل الخشان: "الكاظمي قليل الخبرة في العمل السياسي، وبالتالي قد يكون من السهل افتراسه من قبل حيتان السياسة والفساد في العراق، وهو سيراعي علاقاته الطيبة مع كثير مع الأحزاب، وهذا الأمر سيُساهم بغضب جديد على الساحة الشعبية العراقية، مع عدم التزامه بكثيرٍ من الملفات التي وعد بها العراقيين، ومنها الانتخابات المبكرة ومحاكمة قتلة المحتجين ومحاسبة الفاسدين".