العراق: المتظاهرون يصعدون ضغطهم وعبد المهدي يستعد لتعديل وزاري واسع

27 نوفمبر 2019
لم تخفت وتيرة الاحتجاجات منذ اندلاعها (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -
تحت شعار "عذراً الطريق مغلق لصيانة الوطن"، صعّد المتظاهرون العراقيون، أمس الثلاثاء، من وتيرة احتجاجاتهم ضد الحكومة، التي يقترب رئيسها عادل عبد المهدي من طرح تعديله الوزاري الواسع على البرلمان، رافضين كذلك مشروع قانون الانتخابات الجديد الذي من المقرر أن يناقشه النواب يوم غدٍ الخميس. وعمد المتظاهرون إلى إغلاق عشرات الطرق الرئيسية والحيوية في مدن جنوبية عدة، بات لافتاً معه دخول مدينة النجف (مقر المرجعية الدينية)، ضمن قائمة المدن الأكثر سخونة، في الجنوب. كذلك أقدم المتظاهرون، أمس، على إغلاق عددٍ من المباني الحكومية في المحافظات العراقية كافة، رافعين شعارات مثل "ماكو وطن ماكو دوام"، و"أغلقت بأمر الشعب"، بالتوازي مع استمرار حملة القمع التي ساقتها السلطات ضدهم منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وفي آخر حصيلة لحملة القمع التي يواجهها الحراك، أعلن خلال الساعات الماضية عن مقتل متظاهرين اثنين في بغداد، أحدهما متأثراً بإصابته، فضلاً عن إصابة عشرات آخرين في جنوبي البلاد.

وبالتزامن مع دخول الإضراب الذي دعا إليه الحراك الشعبي يومه العاشر، والذي شمل الجامعات والكليات والمعاهد والمدارس ودوائر رسمية مختلفة، تنظم نقابة المعلمين العراقية، وهي أضخم نقابات العراق، إلى جانب اتحاد العمال، تظاهرة جديدة، اليوم الأربعاء، دعا إليها أعضاؤها أمس، في تحد جديدٍ منها على ما يبدو لوزارة التربية، التي اعتبرت أيام الغياب مضاعفة للمعلمين.

التعديل الوزاري
في هذه الأثناء، كشف المتحدث باسم الحكومة العراقية سعد الحديثي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن قرب تقديم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تعديله الوزاري الأول، وذلك على الرغم من أن الحراك لا يرى في المحاولات الحكومية الحالية على مستوى التعديل الوزاري، أو ما يعرف بحزم الإصلاح المتتالية التي أعلن عنها، سوى محاولةٍ لكسب الوقت، وسعي من قبل السلطة التنفيذية إلى عدم الظهور بمظهر من لا يمتلك في يديه سوى ورقة القمع. 

وأكد الحديثي قرب إجراء عبد المهدي تعديله الوزاري الذي سيشمل عدداً غير قليل من الحقائب، "على أن يكون الوزراء الجدد بعيدين عن الكتل والأحزاب السياسية"، في إشارة إلى أن التسميات لن تخضع لمعيار المحاصصة.


وبحسب المتحدث الحكومي، فإن "عبد المهدي عمل على استكمال ترشيح وزراء جدد مستنداً للمرة الأولى إلى معايير مختلفة، وهو اختار جملة من الأسماء يستعد لطرحها أمام البرلمان". وأرجع المتحدث الحكومي سبب التأخر في هذه الخطوة التي كان أُعلن عنها قبل أسبوعين، إلى تمهل عبد المهدي في انتقاء الأسماء المرشحة، وتوسيع هامش الحقائب المستهدفة، بعد اجتماع قادة الكتل السياسية، الذي منحه الضوء الأخضر للقيام بتعديل وزاري واسع بعيداً عن تدخلاتها، واحتمال عرقلته له في البرلمان.

وحول عدد الحقائب الوزارية التي قد يشملها التعديل، قال الحديثي إنه "قد يصل إلى ما يقارب نصف التشكيلة الحكومية، على أن تقدم الترشيحات ضمن حزمةٍ واحدة، ودون استباقها بتسريبات، لضمان تمريرها بسلاسة"، معرباً عن أمله في أن يتم الالتزام بالتخويل السياسي الذي منح إلى رئيس الوزراء، لدى طرحه تعديلاته".

من جهتها، قالت مصادر سياسية عراقية، بعضها مقربة من عبد المهدي، لـ"العربي الجديد"، إن أبرز الوزارات المشمولة بالتعديل هي الزراعة، الصناعة، الهجرة، التجارة، النقل، الموارد المائية، الرياضة، الاتصالات، النفط، المالية، والدفاع التي انضمت أخيراً إلى حزمة التعديلات. وبحسب هذه المصادر، فإن تعديلات أخرى ستطاول الحكومة بعد تمرير الدفعة الأولى، قد تشمل وزارات الداخلية والكهرباء والعمل والشؤون الاجتماعية والبلديات.

ووفق المعلومات التي أفادت بها المصادر، فقد راعى رئيس الحكومة التمثيل الطائفي في التعديل الوزاري، تحسباً لانتقادات الكتل السياسية، إلا أن تسمية الوزراء الجدد اعتمدت على معايير الكفاءة والاختصاص. 

وأكد النائب عن تحالف "الفتح" (الداعم للحكومة) عباس الزاملي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الوزراء لن يذهب إلى تقديم تعديله، وإحراج نفسه، ما لم يحصل على ضمانات وتأكيدات مسبقة بأنه سوف يمر في البرلمان"، مشدداً على أن ذلك "يحتاج الى أجواء توافقية بينه وبين القوى السياسية"، ومؤكداً من جهته "شمول 11 وزارة (لم يسمها) في التعديل".

في المقابل، رأى النائب عن كتلة "النهج الوطني" البرلمانية حازم الخالدي، أن "أي تعديلٍ وزاري لن يرضي الشارع العراقي، المتمسك بمطلبه بإقالة أو استقالة حكومة عبد المهدي". وجزم الخالدي أن "أي تعديل وزاري سيكون مبنياً على اعتبارات سياسية، وهو ما اختبر سابقاً مع التعديل الوزاري المقدم لثلاث وزارات، والذي رفض البرلمان التصويت عليه في وقته". ودعا النائب عن كتلة "النهج الوطني" عبد المهدي إلى المبادرة لتقديم استقالته، والذهاب إلى خيار الانتخابات المبكرة، تنفيذاً للحل الذي ينادي به المتظاهرون.

إغلاق الطرق
ميدانياً، سجلت تظاهرات أمس سقوط ضحايا جدد في بغداد، فضلاً عن عشرات المصابين، فيما سجلت محافظة المثنى، جنوبي البلاد، مواجهات هي الأولى من نوعها بين متظاهري مدينة السماوة، عاصمة المحافظة، وقوات الأمن، بعد إطلاق الأخيرة النار وقنابل الغاز على المحتجين، في محاولة لفتح طريق رئيسي في المدينة، ما أسفر عن إصابة العشرات من المتظاهرين وأفراد الأمن العراقي.

وصعد المحتجون العراقيون من حراكهم بعد إغلاق وقطع عشرات الطرق، بينها رئيسية تفضي الى حقول نفط وشركات نفطية وموانئ ودوائر حكومية، في البصرة وذي قار وميسان والمثنى، وكذلك في كربلاء، والنجف التي دخلت على خطّ المدن الأكثر سخونة في الجنوب.

وقطع المتظاهرون الطرق بجذوع النخيل والحجارة والبراميل، وعلقوا لافتات مكتوبة بخط اليد تقول "عذراً الطريق مغلق لصيانة الوطن"، و"نعتذر كثيراً عن الغلق المؤقت لأننا نبحث عن وطن دائم"، و"عزيزي المواطن تحملت 16 عاماً من أذية الحكومة، تحملنا بضعة أيام، لأننا نبحث عن وطن لك ولنا". وبدت عمليات قطع الطرق أكثر وضوحاً وإصراراً في النجف وكربلاء والبصرة.

وفي ذي قار، مسقط رأس رئيس الحكومة العراقية، أكد ناشطون ومتظاهرون لـ"العربي الجديد"، حرق منزلين لنائبين في البرلمان عن المحافظة، واستمرار عملية قطع جسري الزيتون والناصرية، وطرق أخرى عدة، وكذلك حرق مبنى مجلس المحافظة للمرة الثانية خلال أسبوع. يذكر أن ذي قار كانت قد أخرجت منها قوات فضّ الشغب المتورطة بقتل العشرات من أبناء المحافظة على مدى أسابيع الانتفاضة، والتي جرى سحبها من شوارع الناصرية، مركز المحافظة، وكذلك الرفاعي والغراف، واستبدالها بقواتٍ من الجيش العراقي.  

بدورها، شهدت العاصمة بغداد تظاهرات واسعة في ساحات الخلاني والطيران والوثبة، التي باتت تعرف بالعضيد لساحة التحرير القريبة منها ومركز التظاهرات الرئيسي، فضلاً عن خروج تظاهرات في شارع الرشيد وحافظ القاضي والسنك وجسر الجمهورية.

وقال الناشط رضا علاوي (27 عاماً)، إن التظاهرات في بغداد باتت تستقطب متظاهرين من مدن عدة في جنوبي البلاد، وحتى شمالها وغربها، "وهم متظاهرون غير قادرين على الاحتجاج ضد الحكومة في مدنهم لأسباب معروفة". ورحب علاوي في حديث لـ"العربي الجديد"، بجميع الوافدين لتظاهرات بغداد، مؤكداً توفر الخيم والأغطية والطعام للجميع.

رفض قانون الانتخابات
إلى ذلك، أكد المتظاهرون في بغداد، وفي مدن جنوبية عدة، رفضهم لقانون الانتخابات الجديد الذي من المقرر أن يناقشه البرلمان يوم غد، الخميس، رافعين شعارات ركزت خصوصاً على الفقرة الثالثة من القانون التي تتحدث عن أن 50 في المائة من الترشيحات للبرلمان تكون لقوائم الأحزاب السياسية فيما تكون الـ50 في المائة الأخرى للقوائم المنفردة (الأفراد). ويعتبر المتظاهرون في هذا الطرح التفافاً جديداً على القانون، وسعياً من الأحزاب للحفاظ على حصصٍ مضمونة لها.

وبحسب الناشط في كربلاء سعد فياض، فإن المتظاهرين اتفقوا على تصعيد الرفض ضد القانون الجديد خلال اليومين المقبلين، كونه يعتبر عملية تفصيل قانون على قياس الأحزاب، التي تريد لنفسها ضمان البقاء في الساحة السياسية، وداخل السلطة التشريعية، ولو بتمثيل أقل، لأنها تخطط لأن تجعل من تحالفاتها في ما بينها ممراً لتشبثها بالأكثرية في البرلمان.

ورأى فياض في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن القانون الانتخابي الذي ينشده الحراك "يشبه أي قانون آخر في الدول الديمقراطية، من دون نسب وحصص والتفافات".

(شارك بالتغطية من بغداد سلام الجاف)