العراق: الحكومة رهينة الابتزاز والإغراءات

21 اغسطس 2018
يحاول معسكر المالكي ضمان الكتلة الكبرى (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -
تحولت جولة المباحثات بين الكتل السياسية العراقية المختلفة لتشكيل الكتلة الكبرى، في الساعات الأخيرة، إلى أشبه ما يكون بمساومات بشأن الشروط التي تطالب بها الكتل، لحسم أي من المعسكرين الشيعيين ستنضم إليهما، وسط تركيز المعسكر الموالي لإيران بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ورئيس تحالف الفتح (الجناح السياسي لمليشيا الحشد الشعبي) هادي العامري، على تقديم مغريات لضم الكتل النيابية الكردية والسنية إلى التحالف معه. ويستغل المعسكر الحليف لإيران عدم توصل "اجتماع فندق بابل" الذي عقد ليل الأحد بين رئيس الوزراء حيدر العبادي الطامح لولاية ثانية، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، والقيادي البارز في الحزب الشيوعي العراقي جاسم الحلفي، وممثلين عن ائتلاف الوطنية هما كاظم الشمري وصالح المطلك إضافة إلى محافظ النجف عدنان الزرفي، إلى أي نتائج حاسمة كما كان متوقعاً، وهو ما اعتبرته القيادات الشيعية الحليفة لإيران بمثابة دليل على فشل توحد معسكر العبادي-الصدر وانتصار لمعسكر المالكي-العامري.





وترافق الارتياح لدى المعسكر المؤيد لإيران مع ترويج قيادات سياسية فيه عن قرب إعلان الكتلة الكبرى، في وقت اتهم القيادي بتحالف الفتح، أحمد الكناني، أمس الاثنين، الإدارة الأميركية، عبر الضغوط التي تمارسها، بأنها تحول دون تشكيل الكتلة الكبرى وإعلانها.
وفي سبيل تشكيل الكتلة الكبرى، وبحسب موظف رفيع في مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن معسكر المالكي ـ العامري قدم لقيادات سنية مختلفة اغراءات تتعلق بسحب قوات الحشد من المدن وإعادة أهل جرف الصخر والعويسات وبيجي والإسكندرية ويثرب وحل ملف المختطفين. وفي السياق، تداولت مواقع إخبارية عراقية وثيقة مسربة صادرة عن "الحشد"، تفيد بأنّ "هيئة الحشد أصدرت أمراً بإخراج كافة مقرات ألوية الحشد، وغلق كافة المكاتب التابعة لها، تحت أي مسمى كان، من داخل المدن جميعها، وخاصة المحررة منها".
وأكد قيادي في تحالف المحور الوطني، الممثل للكتل السنية، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ العامري والمالكي "يواصلان منذ الأحد اتصالاتهما بقادة تحالفنا، محاولين كسبه لصفهما لأجل تشكيل الكتلة الكبرى"، مبيناً أنّ "المحور وضع شروطاً عديدة للتحالف مع أي جهة سياسية، من ضمنها إخلاء مقرات مليشيا الحشد من مدننا المحررة". وأكد أنّ "قرار الحشد، هو بمثابة عربون ثقة أو مغازلة لتحالفنا، لأجل التقرب منه"، مشدّداً على أنه "لا يمكن لنا أن نثق بهذا القرار، فالمعروف عن المالكي والعامري، أنهما لا يفيان بأي تعهد يتعارض مع مصالحهما الشخصية".
ووفقاً للمصدر نفسه في مكتب العبادي، الذي تحدث مع "العربي الجديد" فإن معسكر المالكي – العامري قدّم "مغريات" أكثر خطورة للأكراد، إذ عرض عليهم إدارة مشتركة لمناطق كركوك وسنجار وطوزخورماتو ومناطق أخرى متنازع عليها، بما يتيح للبشمركة أن تدير المناطق والأحياء والقرى الكردية فيها فيما يتولى الجيش إدارة المناطق العربية والتركمانية، على الرغم من أن العرب والتركمان يرفضون هذا المقترح، خصوصاً بعد أن تم طرد البشمركة من هذه المناطق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على إثر تداعيات استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق. وفي ما يخص المادة 140 من الدستور، لا يعارض المعسكر الموالي لإيران اجراء استفتاء شعبي لتحديد ما إذا كان سكان المناطق المتنازع عليها يريدون البقاء تحت سلطة الحكومة المركزية أو سلطة إقليم كردستان، وفقاً لما نص عليه الدستور لعام 2005.
وقد استدعت الأنباء عن "تنازلات كبرى" موقفاً سريعاً من المجلس العربي في محافظة كركوك، الذي هدد أمس الاثنين، "من يضع المحافظة موضع المفاوضات والمساومات بأنه سيوقد بيده فتيل برميل البارود، لافتا إلى أنه إذا ما اشتعل هذا الفتيل فإن النار التي سوف تنشب في كركوك سوف تطاول جميع المحافظات وتدخل العراق والمنطقة في نفق مظلم".
أما في موضوع النفط والغاز فأشار المصدر العامل في مكتب العبادي، إلى أن معسكر المالكي-العامري عرض التوصل إلى اتفاق مرضٍ وتصفير المشاكل السابقة فيما تصر حكومة العبادي على أن يمر تصدير إقليم كردستان النفط عبر المنظومة الاتحادية وتكون العائدات داخل موازنة العراق.
ولفت المصدر إلى أن المالكي تعهد لوفد كردي ببدء تنفيذ الوعود حتى قبل بدء الحكومة الجديدة عملها الدستوري في البلاد، وأولها إطلاق مرتبات البشمركة وإعادة وضع السيطرة على المطارات في أربيل والسليمانية تحت إدارة حكومة إقليم كردستان كما كانت. واعتبر أن تلك الوعود خطر كبير وعودة بالعراق إلى نقطة الصفر. كما أنها تتضمن إهداراً لدماء الجنود العراقيين الذين شاركوا بحملة استعادة بغداد هيبة الدولة على المناطق المتنازع عليها مع أربيل
وأشار المصدر إلى أن العبادي أبلغ أطرافاً سياسية مختلفة بخطورة تحويلهم القضايا الحساسة الاقتصادية والأمنية والسيادية بالعراق إلى ملفات سياسية داخل صراع الكتلة الكبرى".
من جهته، علق عضو الحزب الديموقراطي الكردستاني، هولكرد سنجاري، على ذلك، بالقول إن الأكراد "لا يهمهم من يتولى الحكومة في بغداد بقدر ما لديهم شروط ومطالب يجب تنفيذها". وأضاف "السنة أيضا لديهم نفس الموضوع، فشمال وغرب العراق مدمر منذ عام بلا أعمال". واعتبر أن "التجارب السابقة بالعراق اثبتت أهمية أن يكون هناك ضامن لكل اتفاق والإيرانيون أكثر التزاما بوعودهم من الأميركيين".
وفي سياق متصل، علمت "العربي الجديد"، من مصادر سياسية في أربيل أن اجتماعاً مغلقاً سيعقد في أربيل اليوم بين قيادات عربية سنية ومسؤولين أميركيين بينهم المبعوث الأميركي لدى التحالف الدولي بريت ماكغورك بعيداً عن بغداد والضغوط الإيرانية الحالية على الكتل السياسية.
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن الجهود الأميركية تصب بالوقت الحاضر على حل الانقسام داخل البيت السني حول بوصلة تحالفاته وتقديم برنامج حكومي مناسب له، وذلك في وقت أصدرت الولايات المتحدة، أمس الاثنين، بياناً رحبت به بمصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات البرلمانية، مشيرة إلى أن "تشكيل الحكومة الجديدة هو مسألة عراقية صرفة وينبغي أن يتحقق بالأسلوب الذي يحمي المصالح والسيادة الوطنية للعراق".
وفي هذا الإطار، قال القيادي بتحالف المحور الوطني خميس الخنجر، إنه سيتحالف مع أي جهة تضمن تنفيذ الحقوق، مشيراً إلى أن هناك اتفاقا مع الأكراد على ضرورة عدم تكرار أخطاء الماضي" خلال عملية تشكيل الحكومة الجديدة في العراق.
وأوضح الخنجر، في حديث صحافي من أربيل عقب لقائه برئيس الإقليم السابق مسعود البارزاني، أنه "ينبغي أن تكون هناك ضمانات لتنفيذ مطالبنا وإحقاق حقوقنا".
في غضون ذلك، قال سكرتير الحزب الشيوعي، العراقي، رائد فهمي في حديث مع "العربي الجديد"، إن اجتماع ليلة الأحد في فندق بابل "حقق أكثر من 120 مقعداً برلمانياً وتم الاتفاق على جملة من الأمور وعرضت مسودات عمل لكل كتلة، ولا يمكن اعتباره غير ناجح بل على العكس تم تحقيق الكثير ونأمل الإعلان عن كتلة كبرى عراقية عابرة لكل التسميات الأخرى بعد العيد". وأضاف "هناك وعود وبوادر إيجابية لكتل كثيرة أخرى للتحالف معنا، وحالياً المشاورات مستمرة وغير صحيح أن الكتل الكردية حسمت أمرها بالذهاب إلى التحالف مع الآخرين كون الموقف الحالي المعلن منهم هو الوقوف على مسافة واحدة".
وتابع "الإعلان عن نواة كتلة استباق للإعلان الرسمي عن التحالف، والآن نحن نفاتح عدة أطراف ونتباحث فيما بيننا وهناك لجان تعمل على ذلك".
وحول ترويج قيادات في تحالف الفتح ودولة القانون عن قرب إعلان كتلة كبرى قال "لا نريد أن ندخل بحرب دعايات وإعلانات، لكن نقول لهم إذا وصلتم لاتفاق أعلنوا كتلة كبرى وأهلاً وسهلاً". ولفت إلى أنه "من المهم أن يعلم الجميع أننا لن نتحاور مع المحور الوطني على أنه ممثل للسنة، أو الكتلة الفلانية ممثلة للشيعة، وإلا سنكون قد عدنا لنفس القالب القديم". وأضاف "تعاملنا سيكون بناء على البرنامج المطروح للحكومة ونحذر هنا من أن الذهاب لخيار آخر يعني إعادة إنتاج الماضي وأخطاء الماضي ولن يكون قادرا على حل مشاكل العراق بل ترسيخ المشاكل وتفاقمها".
وختم بالقول "المؤشرات جيدة جداً ونحن ذاهبون لكتلة وطنية وهو ما نراه قريبا"، معتبراً وجود الحزب الشيوعي العراقي كممثل لأول مرة في اجتماع سياسي عالي المستوى بالعراق أمرا ممتازا.
ويملك الحاضرون في اجتماع بابل ليلة الأحد أكثر من 120 مقعداً برلمانياً من أصل 329 مقعداً، وهو ما يجعلهم بحاجة إلى السنة أو الأكراد للتحول إلى وضع مريح يكسبهم صفة الكتلة الكبرى دستورياً بواقع 165 مقعداً. ويمتلك سائرون 54 مقعداً والنصر 43 مقعداً والحكمة 19 مقعداً والوطنية 21 مقعداً.
وحول سبب عدم حضور القوى السنية للاجتماع وتخلف الأكراد عن وعدهم بدعم اجتماع بابل، قال القيادي الكردي، حمة أمين، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الطرفين يبحثان عن ضمانات ولم تتحقق من قبل معسكر العبادي والصدر".
ولفت إلى أنه "يوجد أيضاً خلافات في وجهات النظر داخل الجبهتين السنية والكردية حول أيهم أفضل لنا وأيهم أضمن من حيث برنامج الحكومة". وأشار إلى أن "الضغوط الأميركية والإيرانية من الجهتين خلقت حالة انفصام بشخصية تلك القوى" على حد قوله، متوقعاً أن تستمر المفاوضات طيلة أيام العيد.
في غضون ذلك، دعا زعيم ائتلاف الوطنية اياد علاوي، أمس الاثنين، إلى عقد لقاء وطني عاجل، مبيناً أنه لا ينبغي أن نشهد أزمةً أخرى عنوانها الكتلة الكبرى. وقال علاوي، في بيان صحافي، إنه "على القوى السياسية الفائزة بالانتخابات عقد لقاء وطني عاجل يضع الخطوط العريضة لبرنامج وطني موحد وفق أسس الشراكة الحقيقية - لا المشاركة - وصولاً لتشكيل حكومة وطنية تأخذ على عاتقها تنفيذ ذلك البرنامج وتنقذ العراق من أزماته المتوالية".
وأضاف" يعلم الجميع أن نتائج الانتخابات الأخيرة لم تلب طموحات الشعب العراقي نتيجة الخلل الكبير الذي صاحبها لذا من الواجب أن تعالج المرحلة المقبلة تلك الأخطاء وما سبقها بهدوء وتروٍ بعيداً عن ردود الأفعال والتدخلات الخارجية".
وبيّن أن "الظروف الحالية التي تحيط بالعراق والمنطقة وربما العالم، تستوجب منح الحوارات المدى المطلوب لأجل الوصول إلى تفاهمات حقيقية تفضي للاتفاق حول برنامج حكومي شامل يضع حداً للمشاكل والأزمات القائمة وتأخذ بالحسبان الانتفاضة الجماهيرية المطلبية السلمية التي تعم عدداً واسعاً من المحافظات".
وختم بالقول "نتمنى ألا نشهد صراعاً جديداً عنوانه الكتلة الكبرى قد تكون تداعياته سلبيةً على الوضع السياسي، ونكرر دعوتنا للجميع أن يكون الفضاء الوطني الرحب هو البيت الذي يضم الجميع بعيداً عن أي تخندقات حزبية أو طائفية".
المساهمون