أثار قرار وزارة التربية العراقية الأخير والمتعلّق بالتعايش مع جائحة كورونا في العام الدراسي الجديد، مع الالتزام بالإجراءات الوقائية، مخاوف من كارثة وبائية بين التلاميذ، لا سيما أن المدارس العراقية تعاني أساساً اكتظاظاً كبيراً، وتفتقد للإجراءات الصحية اللازمة لمواجهة الوباء. فيما يُطالب أولياء الأمور بإيجاد حلول مناسبة تتماشى مع حجم الخطر.
القرار الذي أعلنت عنه الوزارة يأتي في وقت تصاعدت فيه أعداد الإصابات اليومية بالفيروس إلى نحو 4 آلاف إصابة يومياً في عموم المحافظات، الأمر الذي دفع مسؤولين إلى التحذير من "مغامرة" بصحة التلاميذ. وجاء في بيان الوزارة أنها "قررت التعايش مع جائحة كورونا وأخذ الإجراءات الصحية، فضلاً عن تطبيق التباعد الاجتماعي بين التلاميذ وعدم الاكتظاظ في الصف الواحد، وترك مسافة مناسبة، وتحديد الطاقة الاستيعابية للقاعة الدراسية بـ 15 تلميذاً فقط، وأن تكون المحاضرة الواحدة 30 دقيقة". وأكدت في البيان أنها "ناقشت الآلية المستخدمة للدراسة الصفّية والإلكترونية وعملية التدريب السريعة والمركزة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، واستكمال وتعزيز المعرفة السابقة للمواد التي أخذت عام 2019 - 2020، وإلزام أخذ المواد التي تركت العام الماضي في العام الدراسي الجديد، إضافة إلى وضع المناهج وتكييفها مع الدراسة الإلكترونية والصفية".
وبحسب آخر التقديرات، فإنّ العراق في حاجة إلى أكثر من 20 ألف مدرسة جديدة للحد من الاكتظاظ في المدارس، والتي أدت الحرب الأخيرة على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" إلى تفاقمها نتيجة تدمير عدد كبير منها. ويبلغ متوسط عدد التلاميذ في الصف الدراسي الواحد 33 تلميذاً، وقد يصل في القرى والأرياف إلى أكثر من خمسين تلميذاً. القرار أثار استغراب بعض مديري المدارس العراقية، خصوصاً أنّه نصّ على التباعد الاجتماعي في الصفوف، الأمر الذي يتعارض مع الأعداد الكبيرة للتلاميذ في الصف الواحد. ويكمن الحل في إنشاء آلاف المدارس الجديدة.
في هذا السياق، يقول عضو لجنة الاشراف التربوي في بغداد علي هادي إن "قرار التعايش اتخذ في دول فيها مدارس كبيرة ومؤمنة وصفوف وممرات ومرافق رياضية ودورات مياه تراعي المعايير الصحية، وليس في جدران ومقاعد مهترئة"، لافتاً إلى أن "الوزارة تتحمل مسؤولية هذا القرار".
ويقول لـ "العربي الجديد" إن "القرار غير مدروس. من هنا، فإن عودة التلاميذ إلى المدارس تزامناً مع حلول فصل الشتاء وبدء الإنفلونزا الموسمية التي ستؤدي إلى تعقيد الأمور، يعدّ جهلاً إدارياً". يتابع: "ربّما تدرك الوزارة صعوبة التعليم عن بعد، إذ لا يمكن لجميع العائلات أن تؤمن لأولادها حاسوباً وإنترنت، لكن ينبغي عليهم التحدث بواقعية في الوقت نفسه. وعلى وزارة الصحة التدخل لحسم الموضوع".
من جهته، يقول مدير إحدى المدارس في بغداد إنّ "القرار غير منطقي، إذ إن غالبية المدارس العراقية تعمل بنظام الدراسة المزدوجة والثلاثية (صباحاً، ظهراً، مساءً)، وإن أعداد التلاميذ يزيد عن 50 تلميذاً في القاعة الواحدة في كثير من المدارس، ولا يوجد أي حل لهذه المشكلة إلا من خلال إنشاء آلاف المدارس الجديدة". ويسأل في حديثه لـ "العربي الجديد": "كيف لنا أن نضع 15 تلميذاً في القاعة الواحدة؟ أين يذهب الـ 45 تلميذاً الآخرين؟". ويدعو الوزارة إلى "مراجعة القرار، كونه لا يراعي أعداد التلاميذ في ظل النقص الكبير في المدارس"، مشدداً على "ضرورة أن تبحث الوزارة عن قرارات بديلة، تضمن من خلالها استمرار الدراسة مع عدم المغامرة بصحة التلاميذ". من جهته، يصف عضو لجنة الصحة البرلمانية النائب عبد عون العبادي القرار بـ "الخطير"، مؤكداً أن "استئناف الدراسة في ظل استمرار تسجيل الإصابات بمعدل 4 آلاف إصابة يومياً، هو أمر بالغ الخطورة، وسيتسبب في ارتفاع الإصابات بشكل كبير". ويوضح أنّ "الجهات الحكومية عاجزة عن تنفيذ أي من الإجراءات الوقائية، في مقابل رفع بعض القيود، خصوصاً أنها لم تستطع تطبيق الحظر الشامل، أو حتى الجزئي بشكل صحيح. كما لم تستطع فرض ارتداء الكمامات على المواطنين".
إلى ذلك، انتقد بعض أولياء أمور التلاميذ القرار، رافضين زج أبنائهم في مدارس لا تضمن لهم التباعد الصحي. ويقول أبو عبد الله، وهو من أهالي بغداد: "لا يمكن للوزارة أن تغامر بصحة أبنائنا. نحمّلها مسؤولية القرار الذي قد يتسبب بنشر الوباء في المدارس". ويقول لـ "العربي الجديد": "سيجبرنا قرار الوزارة على نقل أبنائنا إلى مدارس أهلية كونها غير مكتظة وتؤمن التباعد الاجتماعي. لكن ذلك سيكلفنا مبالغ كبيرة لا قدرة لنا عليها".