العراق: استنفار لاحتواء غضب الجنوب

14 يوليو 2018
اتسع نطاق التظاهرات ليشمل مناطق جديدة (محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يفلح الحراك السياسي والأمني الذي قاده رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، شخصياً، أمس الجمعة، في تهدئة الأوضاع في محافظة البصرة، جنوبي العراق، إذ رفض المحتجون الذين بدأوا تظاهراتهم ضدّ الحكومة قبل أيام، التجاوب مع كل النداءات الموجهة لهم، مصرّين على التصعيد في حال لم تتجاوب الحكومة مع مطالبهم بتوفير فرص عمل للشباب وتأمين الخدمات وخصوصاً الكهرباء. 
ومقابل حراك العبادي ومسؤولين عراقيين آخرين وزعماء عشائر من أجل التهدئة واحتواء غضب أهالي البصرة، أعلن المرجع الديني البارز في مدينة النجف علي السيستاني أمس عن دعمه للمطالب التي يرفعها المواطنون هناك.

ووصل العبادي في وقت مبكر من صباح أمس الجمعة إلى البصرة، آتياً من مدينة بروكسل التي شارك فيها باجتماع التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، بحسب بيان لمكتب رئيس الوزراء. واجتمع العبادي فور وصوله مع قيادة العمليات العسكرية للمحافظة والمحافظ أسعد العيداني ومدير شركة الطاقة في محاولة للتوصّل إلى حلول عاجلة للتدهور الأمني الذي تشهده المحافظة منذ أيام. وأوضح مصدر أمني لـ "العربي الجديد" أن زيارة العبادي جاءت للاطلاع عن كثب على الانفلات الأمني المتصاعد في البصرة، ومحاولة احتوائه عن طريق التفاوض.
وتحاول الحكومة العراقية امتصاص النقمة الشعبية ضدها في المحافظة، إذ وجه العبادي أمس بحلّ مشكلة الحراس الأمنيين الذين يعملون في الشركات النفطية، وأمر بمنح الحراس الأمنيين المتعاقدين مع وزارة النفط والذين يعملون لحساب مديرية شرطة الطاقة في وزارة الداخلية في البصرة، عقوداً ثابتة مع ضمان اجتماعي. وذكر بيان لخلية الإعلام الحكومي أنّ هذا القرار صدر بعد لقاء للعبادي مع مدير شرطة نفط الجنوب.
كما أعادت الخلية التأكيد على أنه سيتم توزيع 10 آلاف درجة وظيفية حسب الكثافة السكانية لمناطق البصرة، فضلاً عن "تخصيص ملياري دينار لتحسين واقع المياه ونصب منظومات تحلية في البصرة"، ضمن خطة من ثلاث مراحل قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لمعالجة جميع المشاكل في البصرة.
وتظاهر صباح أمس مئات المواطنين أمام حقل القرنة النفطي في شمال البصرة، كما تمّت الدعوة إلى تحرّك احتجاجي بعد الظهر أمام مبنى مجلس المحافظة في وسط المدينة. وكان وزير النفط العراقي جبار اللعيبي أعلن الخميس أن المتظاهرين حاولوا اقتحام أحد المواقع النفطية في حقل غرب القرنة 2، وتسببوا في إحراق بعض أبنية البوابة الخارجية.
وبحسب مصدر في شرطة البصرة تحدّث لـ "العربي الجديد"، فقد حاصر مئات المتظاهرين كذلك، ميناء أم قصر بالمحافظة، ومنعوا مرور الشاحنات إليه. وقال المصدر إنّ القوّة المسؤولة عن أمن الميناء أرسلت وفداً للتفاوض مع المحتجين، لكن من دون جدوى، مشيراً إلى قيام المحتجين بإطلاق شعارات مناوئة للحكومة وسياساتها التي وصفوها بالفاسدة في البصرة، مؤكّدين أنّهم لن يغادروا أماكنهم قبل تلبية جميع مطالبهم.



إلى ذلك، أشار مصدر أمني تحدّث لـ "العربي الجديد" إلى أنّ نطاق التظاهرات اتسع ليل الخميس - الجمعة ليشمل مناطق جديدة، لافتاً إلى تجمّع مئات المتظاهرين أمام مجلس مدينة الزبير (غرب البصرة). وأوضح أنّ المحتجين لوحوا باقتحام مبنى المجلس في حال لم تتم الاستجابة لمطالبهم، مبيناً أنّ التظاهرات لم تهدأ في المناطق الأخرى. كما أشار إلى قيام متظاهرين بقطع شارع بغداد الرئيس الواقع وسط مدينة البصرة بإطارات السيارات والحواجز، وأكدوا أنهم لن يقوموا بفتحه لحين الاستجابة لمطالبهم.

وتلا متظاهرو البصرة بياناً أكدوا فيه أنّ التظاهرات ستتصاعد في حال عدم تلبية المطالب، موضحين أنها ستتحوّل إلى اعتصامات تشمل جميع المواقع النفطية، ولوّحوا بالتصعيد في حال تجاهلت الحكومة مطالبهم المشروعة.
وبيّن المصدر ذاته أن المتظاهرين رفضوا وساطات بعض الزعماء القبليين المحليين الذين اقترحوا اجتماع وفد من المحتجين مع اللجنة الوزارية التي أرسلها العبادي في وقت سابق، مشترطين أن تكون المفاوضات في خيمة الاعتصامات الواقعة في حقل الرميلة النفطي الشمالي. وأكّد دخول القوات العراقية في البصرة مرحلة الإنذار القصوى تحسباً لتزايد أعداد المتظاهرين.
من جهة أخرى، أكّد المرجع الديني علي السيستاني دعمه للمتظاهرين، ودعا الحكومتين المحلية في البصرة، والاتحادية في بغداد، إلى الاستجابة لمطالب المتظاهرين. وقال ممثل السيستاني في كربلاء عبد المهدي الكربلائي خلال خطبة الجمعة، إن "البصرة تعدّ مورداً مهماً للعراق، وليس من المقبول ولا من الإنصاف أن تكون من أكثر مناطق البلاد حرماناً"، موضحاً أنّ "المحافظة هي الأولى من ناحية التضحيات، وشوارعها لا تزال تحتضن صور قتلى الحرب على تنظيم داعش الإرهابي".
وأشار الكربلائي إلى أنّ ما حدث في البصرة "كان نتيجة لتراكم الفساد"، داعياً المسؤولين العراقيين إلى التعامل بجدية مع حاجات المواطنين، والعمل على تحقيق ما يمكن تحقيقه بصورة عاجلة، ووضع برنامج مدروس لحل بقية المشاكل.
وشدّد ممثّل السيستاني على "ضرورة اتباع سياسة حازمة تجاه الفاسدين، ومنع استحواذهم على موارد العراق بطرق ملتوية"، مطالباً بالاستعانة بالخبرات من أجل الوصول إلى حلول جذرية للأزمات الراهنة. وخاطب المتظاهرين بالقول "يرجى من المواطنين عدم اتباع وسائل غير سلمية في التعبير عن احتجاجاتهم، وعدم السماح لغير المنضبطين بالتعدي على الأموال العامة أو الشركات المتعاقدة مع الحكومة العراقية، لأنّ أيّ ضرر يصيبها سيُعوض من أموال الشعب نفسه".
ورغم تشكيل الحكومة العراقية لجنة وزارية عليا، مؤلفة من ستة وزراء، منذ الثلاثاء الماضي، للنظر بطلبات المحتجين في البصرة، إلا أن أي تقدم أو تهدئة للأوضاع لم تنجح حتى الآن. ويترأس اللجنة وزير النفط، وهي تتألف من وزراء الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة والكهرباء والموارد المائية والنقل، بالإضافة إلى هيئة المستشارين في رئاسة الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء وخلية الأزمة.
وتعاني البصرة تحديداً من ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة بسبب وقوعها على الخليج العربي، بالإضافة إلى التلوث نتيجة استخراج النفط من الحقول المحيطة بها، وتعتبر أزمات المياه والكهرباء والبطالة العامل الرئيس في تفجير الوضع فيها.
وتشكّل الموارد النفطية للعراق 89 في المائة من ميزانيته، وتمثل 99 في المئة من صادرات البلاد، لكنها تؤمّن واحداً في المئة من الوظائف في العمالة الوطنية، لأن الشركات الأجنبية العاملة في البلاد تعتمد غالباً على عمالة أجنبية. وتبلغ نسبة البطالة بين العراقيين رسمياً 10,8 في المائة. ويشكّل من هم دون 24 عاماً نسبة 60 في المئة من سكّان العراق، ما يجعل معدّلات البطالة أعلى مرتين بين الشباب.