العراق: أشكال جديدة من القمع

06 نوفمبر 2019
من التظاهرات في ساحة التحرير ببغداد(صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -
تسير السلطات العراقية في مسار تصعيد القمع في مواجهة التظاهرات المستمرة منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عبر فضّ الاحتجاجات بالقوة واعتقال عشرات المتظاهرين والناشطين، بالتوازي مع قطع شبكة الإنترنت في عموم مدن البلاد، باستثناء إقليم كردستان العراق، ليستمر ارتفاع أعداد الضحايا يومياً، ومن دون أن تبرز أي حلول أو مبادرات من السلطة لتهدئة الشارع، بعدما ربطت استقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي بإيجاد بديل له، ليلي ذلك تدخّل طهران لدفع حلفائها للإبقاء على الحكومة.

وصعّدت السلطات العراقية أمس من عمليات القمع في بغداد ووسط وجنوبي البلاد، وشهدت بلدتا أم قصر وخور الزبير، أقصى جنوب البصرة على مياه الخليج العربي، مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن بعد محاولتها فتح الطرق التي قطعها المتظاهرون بالقوة، مع فض تظاهرات في سفوان قرب المعبر العراقي الكويتي. ووفقاً لمصادر طبية في مستشفى البصرة العام، فإن 3 شبان من المتظاهرين قضوا بنيران الأمن العراقي وأصيب نحو 150 آخرين أمس الثلاثاء. وفي ذي قار، وتحديداً الشطرة وسوق الشيوخ، أعلنت مفوضية حقوق الإنسان مقتل متظاهرين اثنين وجرح 30 آخرين، فضلاً عن اعتقال العشرات خلال تحرك الأمن العراقي لتفريق التظاهرات، بينما شهدت القادسية، وتحديداً الديوانية، تظاهرات واسعة مع إغلاق أغلب المدارس والدوائر الحكومية وهو حال مشابه لحال محافظتي ميسان وواسط. كذلك شهدت كربلاء حملة اعتقالات في أحياء الإسكان والسلام والحيدري والموظفين والمؤمنين، طاولت عدداً كبيراً من الناشطين، وهو الأمر نفسه الذي حصل في بغداد.

ووفقاً لمسؤول عراقي في وزارة الداخلية تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن حملة اعتقالات نفذها جهاز الاستخبارات وقوات "سوات" طاولت عشرات الناشطين، موضحاً أن الاعتقالات جرت في الإسكان والوشاش والعلاوي غربي بغداد، وفي الصالحية ومحيط ساحة التحرير والحسينية والصدر والكاظمية وحي أور والمشتل وبغداد الجديدة. كذلك أكد شهود عيان رصد سيارات "بيك أب" تابعة للأمن تحمل شباناً معصوبي الأعين قرب نفق العلاوي متجهة بهم إلى مركز شرطة في منطقة الكرادة ببغداد.

كذلك سجّلت مدن عراقية عدة تزايداً في حالات الاختطاف التي طاولت ناشطين ومدونين عراقيين، بينهم نساء. وتصدرت بغداد وذي قار وميسان وبابل والبصرة سجل الاختطاف، إذ تجاوز عدد المختطفين فيها حتى الآن عشرين ناشطاً ومدوناً في غضون شهر. وتُوجه أصابع الاتهام في عمليات الخطف إلى مليشيات مسلحة مرتبطة بإيران، أبرزها "كتائب حزب الله" ومليشيا "النجباء" و"الخراساني" و"العصائب" وفصائل أخرى. وبحسب مسؤول رفيع في وزارة الداخلية العراقية ببغداد، فإن رئيس الجمهورية والوزراء وزعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر يعرفون الخاطفين كونهم توسطوا في الأسبوع الماضي للناشط شجاع الخفاجي وأطلق سراحه بعد ساعات. وأوضح أن استخبارات الجيش أو الداخلية تعتقل ولا تختطف، أما في حالات الاختطاف الراهنة، فيجب توجيه الأسئلة إلى زعامات مليشيات الحشد المرتبطة بإيران.
كما وصفت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، في بيان، ما يتعرض له الناشطون والصحافيون والمدوّنون والمتظاهرون بأنه اختطاف منظّم، مطالبة بالكشف عن مصير جميع المختطفين واتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم من الاختطاف المنظم في بغداد والمحافظات.

ووسط تخوّف من أن يكون قطع الإنترنت يخفي نيّة مبيّتة لفض الاعتصامات والتظاهرات في بغداد والجنوب، فإن المتظاهرين توافدوا على الساحات والميادين ووجهوا دعوات للأمم المتحدة ووسائل الإعلام إلى توفير ما وصفوه عين الرقيب لما سيحدث. وقال كرار الزيدي، وهو ناشط بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنهم لا يثقون بما سيحصل في الساعات المقبلة "فقد يكون قطع الإنترنت ضمن خطة لليلة دموية"، مضيفاً أنهم تواصلوا مع بعثة الأمم المتحدة لتكون موجودة وكذلك وسائل إعلام "عسى أن تكون مانعاً أمام اتخاذ الحكومة أي خطوة عدائية ضدنا". لكن عضو "التيار الصدري" محمد الدراجي، علّق على تلك المخاوف بالقول "إذا كانت هذه الحكومة مجنونة ستقدم على فض الاعتصامات بالقوة، لأن ضحايا كثراً سيسقطون وسيتعقد الأمر أكثر، وستكون شرعية الحكومة والنظام السياسي ككل على المحك". وأضاف الدراجي، وهو أحد أعضاء التيار في كربلاء، لـ"العربي الجديد"، أن "السيد أمر بتوفير حماية للمتظاهرين وسنفعل ذلك"، في إشارة إلى زعيم التيار مقتدى الصدر.


ودخلت إيران على الخط علناً، منددة بالهجمات على قنصليتها في كربلاء. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، في بيان، إن بلاده أبلغت الجانب العراقي "قلقها" تجاه هذه الأحداث، وطالبتها بـ"ضرورة تأمين أمن المقرات الدبلوماسية والقنصلية لإيران داخل العراق عملاً بالمقررات والاتفاقيات الدولية".

وعقد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي اجتماعاً أمنياً مع وزراء الداخلية والدفاع وكبار القادة الأمنيين بحضور رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس القضاء فائق زيدان، وكان لافتاً حضور القيادي في مليشيات "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس الاجتماع. وبحسب بيان لمكتب عبد المهدي، تم خلال الاجتماع "تأكيد دعم السلطتين القضائية والتشريعية لجهود الحكومة والأجهزة الأمنية بفرض الأمن والاستقرار في عموم البلاد وحماية المتظاهرين والممتلكات الخاصة والعامة والمنشآت الاقتصادية وضمان انتظام العمل والدوام وانسيابية حركة المواطنين".
وعقب الاجتماع أصدر مجلس القضاء الأعلى بياناً وصف فيه قطع الطرق بـ"العمل الإرهابي"، وهو ما اعتُبر تخويلاً للقوات الأمنية العراقية بفض الاعتصامات وفتح الطرق بالقوة.

في غضون ذلك، قال عضو لجنة الرصد الفرعية في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في مدينة النجف، وائل الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إن الدوائر الصحية في الجنوب غير متعاونة مع المفوضية في ملف أعداد الضحايا، وترفض الكشف عن الذين يدخلون المستشفيات ونوعية إصاباتهم.

سياسياً، قال النائب عن "ائتلاف النصر" فالح الزيادي، لـ"العربي الجديد"، إن الأيام الثلاثة الماضية كانت عقيمة ولم يتفق قادة الكتل على أي حل حول إقالة أو استقالة رئيس الوزراء، موضحاً أن "اجتماعات عدة جرت بين قيادات سياسية في بغداد، لكن غياب العنصر الآخر والمعني وهو الشعب العراقي وعدم معرفة رأيه أو موقفه من أي اتفاق يجعل من التوافق صعباً".
من جهته، قال الخبير بالشأن السياسي العراقي علي البياتي، إنه "من غير الصحيح القول إن أي حل لا يرضي الشارع، وهذه محاولة لتبرير خطوات عدائية من الحكومة ضد المتظاهرين". وأضاف لـ"العربي الجديد"، "أساس الحلول المطروحة لم تصل إلى المتظاهرين حتى الآن، كونها لم تكن حقيقية أو واقعية، والرئاسات الثلاث لا تريد ترك منصبها".

إلى ذلك، حثت بريطانيا الحكومة العراقية، أمس الثلاثاء، على التأكد من أن جميع القوات الأمنية تحمي المتظاهرين خلال الاحتجاجات الراهنة. وقالت السفارة البريطانية في بغداد، عبر بيان نشرته على "فيسبوك"، إن "التظاهرات السلمية حق من حقوق الشعب العراقي. والعنف ضد المتظاهرين أمر غير مقبول".