قرار العبادي جاء في خضم محاولات مستمرّة ووساطات من قِبل قادة المليشيات، وبعضهم قادة في التحالف الوطني، لمنح دور جديد لـ"الحشد" في معركة الموصل المرتقبة، وإفساح المجال أمامه للتكفير عن سيئاته وانتهاكاته بحق المدنيين، ليعلن العبادي قراره غير المتوقع بحل جزء من "الحشد".
وعلى الرغم من المخاوف الكبيرة من الخطر الذي يكمن في قوة "الحشد الشعبي"، وإمكانيّة استغلالها ضد الحكومة وضد قراراتها، لم يستطع قادة "الحشد" المختلفون مع العبادي في الرأي، رفض قراره أو الاعتراض عليه، ليكتفوا بإصدار بيان برّروا فيه القرار على أنه جاء "بسبب الأزمة الاقتصادية"، لتنتهي أسطورة قوّة "الحشد" وسطوته على القرارات الحكومية وتبدأ حالة الترقب للقرارات اللاحقة.
وفي هذا السياق، يقول مصدر في التحالف الوطني لـ"العربي الجديد"، إنّ "انفراد العبادي في القرارات لم يكن شيئاً جديداً، إذ إنه اتخذ قرارات سياسيّة مستعجلة وغير رصينة، ولم تكن بمستوى وحجم المسؤولية، لكنّها مع ذلك لم تكن مستغربة وغير متوقعة كما هو الحال مع قراره الأخير بتسريح نسبة كبيرة من الحشد". ويوضح أنّ "العبادي فاجأ الجميع بمن فيهم تحالفه (التحالف الوطني) واستخدم صلاحياته الدستورية باعتباره القائد الأول للحشد الشعبي، ليتخذ قراراً لم يعلم به أحد من قادة التحالف الوطني"، مبيناً أنّ "القرار اتُخذ بمعزل عن الجميع ومن قِبل العبادي وحده".
ويؤكد المصدر أن "قادة التحالف والحشد كانوا يتصورون أنّ العبادي تنقصه الجرأة والشجاعة على اتخاذ أي قرار حساس، وأنّه لن يستطيع المساس بالحشد الشعبي لا من قريب ولا من بعيد، على اعتبار أنه شُكّل بفتوى المرجعيّة، لكن العبادي وبشكل غير متوقع، اتخذ القرار مع إصرار على تنفيذه بأسرع وقت ممكن، رافضاً أية مناقشة من أية جهة كانت بالموضوع".
ويلفت إلى أن "قادة الحشد، ومنهم أبو مهدي المهندس وهادي العامري وآخرون، عقدوا فور إصدار القرار اجتماعاً طارئاً لتدارك الموقف والخروج بموقف موحّد إزاءه، لكنهم لم يستطيعوا الخروج سوى بتبرير للقرار"، معتبراً أنه "بدا واضحاً للجميع كتحالف وطني وغيره، أن هناك مؤامرة حيكت ضدّ الحشد، وأطرافها هم الولايات المتحدة الأميركيّة والعبادي وقادة المكوّن السنّي وعلى رأسهم رئيس البرلمان سليم الجبوري، فيما بقي الطرف الثالث يعمل بالخفاء تلافياً لأية أزمة طائفية".
ويشير المصدر نفسه إلى أن "العبادي وجّه بتشكيل لجنة لمتابعة حل الـ30 في المائة من الحشد، وطلب أسماء العناصر التي ستسرّح وانتماءاتها لأي فصيل مسلح من فصائل الحشد"، مبيناً أن "العبادي منح اللجنة مهلة أسبوع واحد فقط لإنهاء ارتباط هذه النسبة بالحشد". ويؤكد أنه "بعد هذا القرار أصبح العبادي غير موثوق به بالنسبة لقادة الحشد، وهم يتوقعون قرارات أخرى قد تصدر منه تتبع هذا القرار كلها لا تصب في صالح الحشد".
اقرأ أيضاً: الرئاسات العراقية تبحث تعديلات العبادي والصدر يدعو لـ"غربلة الحشد"
ولا يبدو أن قرارات العبادي ستتوقف عند حل جزء من "الحشد"، إذ قرر إجراء تغييرات في قيادات هذه المليشيا. ويكشف مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، أن "العبادي عيّن ضابطاً سابقاً بالجيش العراقي يدعى محسن الكعبي نائباً لرئيس هيئة الحشد، وهو المنصب الذي كان يشغله أبو مهدي المهندس". ويوضح أنّ "هذه التغييرات التي أجراها العبادي أثارت قلق فصائل الحشد ودفعت بعض زعمائها للسفر إلى إيران وآخرين إلى التواري بعيداً عن وسائل الإعلام"، مبيناً أن "المهندس، وهو الرجل الأقوى في الحشد، غادر إلى طهران صباح الجمعة بعد ساعات من إصدار العبادي قراراً بإقالته وتسمية الكعبي بدلاً عنه".
ويكشف المصدر أنّ "التغييرات طاولت شخصيات قياديّة غير المهندس، منها أبو منتظر العوادي"، مشيراً إلى أنّ "عدد الذين تم تسريحهم من الحشد بلغ 27 ألف مسلح، وأنّ أغلبهم سيباشرون عملهم في سورية ضمن الفصائل التي تقاتل مع الجيش السوري"، لافتاً إلى أنّ "زيارة وفد من الحشد إلى دمشق الأحد الماضي والوفد السوري إلى بغداد، تمت لدراسة وبحث هيكلة وإعادة تنظيم صفوف تلك الفصائل، والتي يبلغ قوامها الفعلي حالياً 98 ألف مقاتل تقريباً يتوزعون بين 53 فصيلاً، أبرزها العصائب وبدر وحزب الله وسرايا السلام والأبدال والنجباء". ويشير المصدر إلى أنّ "العبادي وجّه بمنع فصائل الحشد من عمليّات التصوير التي تتم في مناطق القتال بعد بثّ أفلام تضمّنت عمليات تنكيل بالمعتقلين وتمثيل بالجثث وحرق الممتلكات".
وتعليقاً على هذا الموضوع، اعتبرت مليشيا "الأبدال"، وهي إحدى فصائل "الحشد"، قرار عزل أبو مهدي المهندس "استكمالاً لصفحة الغدر من الحكومة"، مشدّدة على أنّها "لن ترضى غير المهندس بديلاً". وقالت المليشيا في بيان صحافي أمس، إن "المهندس كان مهندساً لجميع الانتصارات التي تحقّقت على تنظيم داعش"، مشيرة إلى أنّ "أولئك الذين استكملوا صفحة الغدر في صفقاتهم القذرة مع الأميركيين يحاولون عزل الشرفاء، وأنّ وجود المهندس لم يرق لصناع الموت والدمار".
من جهته، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية حسن جهاد، أن "بعض فصائل مليشيات الحشد الشعبي لجأت إلى تصفية الحسابات فيما بينها، وارتكبت انتهاكات كبيرة بحق المواطنين". ويقول جهاد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من المفترض أنّ تشكيل هذه القوات جاء لضرب داعش، لكنّها أصبحت مشكلة وأزمة خطيرة بالنسبة لرئيس الوزراء، وخرجت عن السيطرة ولم يستطع ضبطها، فأصبحت جهات فوضوية غير منضبطة ولا توجد مركزيّة في السيطرة عليها، خصوصاً أن هناك ضعفاً في قدرات الجيش العراقي".
ويلفت إلى أن "العبادي حاول مراراً أن يسيطر على الحشد، ولكن لم تكن لديه القوة الكافية لمعالجة وضعه وضبطه في السابق، ولكنه اليوم استطاع أن يعالج الموقف بعد أن مُنحت له الفرصة ليبدأ خطواته المؤجّلة بتسريح الحشد". ويعتبر أنه "بعد حسم معركة الموصل وانتهاء داعش، لن يبقى من مبرّر لوجود هذه القوات، ويجب حلّها نهائياً لأنّ هناك قوات عراقيّة مختلفة وبشمركة وكلها قوات نظاميّة قادرة على الدفاع عن البلد"، مؤكداً الحاجة إلى "فتوى من المرجعيّة لحل الحشد الشعبي بشكل كامل تلافياً لأية مشاكل قد تحدث، وتعلن انتهاء الجهاد الكفائي ليُحَل الحشد تلقائيّاً وتُرفع الشرعيّة عنه، لكي تستطيع القوات الحكوميّة كبح جماح الحشد ومحاسبتها على انتهاكاتها".
أما الخبير السياسي محمود القيسي، فيقول إنّ "العبادي حصل على ضمانات من الجانب الأميركي ليبدأ خطوات تجميد الحشد فعلياً وحلّه تباعاً على فترة من الزمن". ويلفت القيسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "العبادي أدرك منذ فترة خطورة الحشد الشعبي وخطورة الارتماء بأحضان إيران، والتي تدعم بعض قادة الحشد وقادة التحالف على حساب العبادي، لذا لجأ إلى تنسيق أموره مع واشنطن، وحصل على ضمانات منها لضرب الحشد وتجميده".
ويوضح أن "تسريح نسبة من الحشد وتجميد النسبة المتبقية هو بمثابة ضربة للتحالف الوطني والذي يشكّل بعض قادته خطراً على حكومة العبادي، لأنهم يستقوون بالحشد"، مؤكداً أنّ "المشهد السياسي بدأ مع قرار العبادي بالتغيير بشكل كبير، والذي يأتي بالتزامن مع التغيير الوزاري المرتقب". ويرى أن "قرار العبادي يشير إلى تعمّق علاقته من جديد مع واشنطن وابتعاده عن أحضان طهران، الأمر الذي يوحي بأنّ العراق مُقبل على تغيير شامل في سياسته العامة، خصوصاً مع تجميد قادة الحشد المرتمين بأحضان إيران، في وقت فتح فيه العبادي الباب واسعاً لواشنطن التي ستفرض استراتيجية جديدة في البلاد".
ويشير القيسي إلى أن "الحشد اليوم اختلف عن ذي قبل، ولن يستطيع القيام بأي تمرد ضدّ الحكومة، ولن تصدر منه أي اعتراضات على قرار تسريح عناصره، لذا فهناك متسع للحلول السياسية ستعقب هذه الفترة مع الفرقاء السياسيين، كالأكراد والسنّة، الذين سيكونون مع أنصار العبادي الحقيقيين عماد الحكومة الجديدة".
يُذكر أن نائباً في التحالف الوطني الحاكم، كان قد كشف لـ"العربي الجديد"، في التاسع من الشهر الحالي، أن العبادي عقد اجتماعات عدّة مع المسؤولين الأميركيين ومنهم السفير الأميركي في بغداد ستيوارت جونز، بعد حادثة منع الجبوري من دخول المقدادية، وطلب من واشنطن الدعم لاتخاذ خطوات لحل "الحشد"، وأنّه (العبادي) حصل على دعم واشنطن لتفكيك الحشد من داخله، بطرق دبلوماسية ابتداءً من قطع الرواتب وانتهاءً بمنعه من المشاركة في المعارك المهمة كتحرير الأنبار والموصل.
اقرأ أيضاً: العبادي يقرر تسريح 30% من أفراد مليشيات "الحشد الشعبي"